الخبر وما وراء الخبر

الرد الإيراني متعدد الخطوات / تحقق الغاية الاولى للحاج قاسم بعد الشهادة

18

على الرغم من أن اللواء قاسم سليماني بذل جهدًا كبيرًا لإخراج القوات الأمريكية من العراق خلال حياته ، إلا أن قرار ترامب باغتياله قد حقق هدف الحاج قاسم في العراق.

لقد مرت أيام قليلة فقط على اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق ، الا انه يمكننا الاستنتاج من هذه المدة القصيرة ان معادلات ما قبل اغتيال الشهيد سليماني تختلف كلياً عن معادلات ما بعد اغتياله. في حين أن عددًا من الفصائل في البرلمان العراقي كانت تسعى منذ شهور لموافقة البرلمان على مشروع قانون اخراج قوات الاحتلال الأجنبية من العراق ، ولكن بسبب مخالفة بعض الأحزاب لم يجد المشروع طريقه إلى البرلمان ، ولكن التطورات التي طرأت في الأيام القليلة الماضية وخطأ الولايات المتحدة الاستراتيجي المتمثل في استهداف كامل الأراضي العراقية واغتيال أحد القادة السياسيين البارزين في هذا البلد الى جانب أحد ضيوف العراق الرسميين، كان كافياً لجعل الفصائل الشيعية والتي من الصعب ان تتوصل إلى اتفاق حول موضوع بسيط كهذا، تطلق صرخة واحدة تقول للقوات الامريكية ان تخرج من العراق، القوات التي تقول مصادر رسمية ان تعدادها يصل الى 5300 شخص، ولكن الشهيد اللواء سليماني قال في وقت سابق ان عشرات الالاف من القوات الامريكية تتواجد في العراق تحت غطاء هذا العدد القليل.

نهج السياسة الداخلية

على الرغم من أن الجدل الدائر حول طبيعة العمليات الانتقامية الإيرانية ضد العمليات الإرهابية الأمريكية ساخن في هذه الأيام، لكن يبدو أن جو تطورات المنطقة يتجه نحو ممارسة انتقامية متعددة المراحل على مختلف مستويات السياسة العسكرية والأمنية وحتى الدبلوماسية.

ان أحد أبعاد اجراءات إيران بعد أن باتت الطبيعة الإرهابية للولايات المتحدة أكثر وضوحًا هو المصادقة على الخطوة الخامسة في إلغاء القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم ، وتم اتخاذ القرار النهائي بهذا الخصوص، وتأتي الخطوة الخامسة التي اتخذت دون أي قيود او حدود على أنشطة الشباب المتخصصين الإيرانيين.

وعلى هذا النحو ليس لدى الحكومة الإيرانية أي قيود تشغيلية (بما في ذلك قدرة التخصيب، ونسبة التخصيب، وكمية المواد المخصبة، والبحث والتطوير)، وبعد الانتهاكات المتكررة للدول الغربية والأوروبية لالتزاماتها في الاتفاق النووي، فان القيود التشغيلية في الاتفاق النووي أي الحد من عدد أجهزة الطرد المركزي تم الغاؤه.

انتقام محور المقاومة الدبلوماسي من أمريكا

يوافق الكثير من محللين قرار البرلمان العراقي في اخراج القوات الأمريكية من العراق والطريقة التنفيذية لهذا الاجراء على انه نقطة بداية لسفك الدماء والتي يتعين على الولايات المتحدة دفع ثمن خطأها الاستراتيجي. في حين واشنطن أنفقت ما يقرب من 6 مليار دولار في المجال العسكري على تدريب وتجهيز القوات العراقية منذ العام 2014.

أثارت الدلائل المبكرة لرد إيران على العملية الإرهابية التي قام بها ترامب جدلاً بين الأوساط والمحافل السياسية الأمريكية، وأثار النقاد تحذيرات أكثر جدية حول تفاقم العواقب المترتبة على تصرفاته غير الحكيمة، قائلين إنها ستقود الولايات المتحدة في النهاية إلى الانسحاب من سوريا والعراق. وهذا ما أكد عليه المسؤول السابق في السياسة الخارجية الأمريكية والباحث في مجلس العلاقات الخارجية الامريكية مارتين إنديك.

ويتماشى هذا التحليل مع نهج ومقاربات العديد من منظري السياسة الخارجية الأمريكية الذين يعتقدون أنه على الرغم من أن اللواء قاسم سليماني بذل جهدًا كبيرًا لإخراج القوات الأمريكية من العراق خلال حياته ، إلا أن قرار ترامب باغتياله قد حقق هدف الحاج قاسم في العراق.

المجال العسكري للانتقام متعدد الأوجه الإيراني

هناك نقطة مهمة أخرى حول رد إيران الانتقامي على شهادة اللواء سليماني وهي أنه على الرغم من أن البعد الدبلوماسي سيكون أحد أهم خطط إيران للانتقام، إلا أنه لا يشمل رد إيران ومحاور المقاومة بالكامل. ويمكن ملاحظة ذلك الامر في تحليل خطاب السيد حسن نصر الله ، الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذي أشار في جزء من خطابه الى ان إيران هي التي ستنتقم لدماء شهيدها، وأنه ليست هناك حاجة للجماعات أخرى أو حتى للجماعات التي دعمتها خلال ال 40 سنة الماضية، مؤكدًا أن عدم طلب إيران من الجماعات الحاضرة في محور المقاومة لا ينفي مسؤوليتها، وأن عليهم بدورهم المساهمة أيضاً في الانتقام لاغتيال اللواء سليماني كشخصية بارزة في الأمة الإسلامية وأحد قادة جبهة المقاومة الإقليمية.

وان القادة الصهاينة يدركون دور حزب الله ودوره في التطورات في المنطقة ، لذلك بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي ورفاقهم الشهداء، تابع جميع المسؤولين في تل أبيب خطاب السيد حسن نصر الله بعناية.ربما كان القلق هو الذي دفع مسؤولي تل أبيب إلى عدم الرد على تصريحات نصر الله حتى هذه اللحظة ، وربما لأن نتنياهو منع الوزراء من التعليق على البيان كما في المرات السابقة. و من ناحية أخرى ، ما أن انتشرت عواقب الجريمة الإرهابية الأمريكية على نطاق واسع وتناقضت ردود الفعل مع أفكارها وتقييماتها ورغباتها ، فإنه ليس من الصعب تقييم مستوى القلق والصدمة التي لحقت بالسلطات الصهيونية.

وفي ظل الظروف الحالية، يبدو أن قادة الكيان الصهيوني توصلوا إلى استنتاج مفاده أن هذا العمل الإرهابي الأمريكي عزز من تناسق وانسجام جبهات المعركة وقوى محور المقاومة بدلاً من تهيئة بيئة إقليمية مناسبة للهيمنة الأمريكية حتى تتمكن واشنطن من زيادة دعم الامن الصهيوني في ظلها.

ومع ذلك ، فليس من المتوقع أن يظهر تقييم الكيان الصهيوني لمسار التطورات في المنطقة في غضون ساعات أو أيام ، حيث أن تسارع الأحداث المفاجئة والذي سنشهده في المراحل التالية سيكون له تأثير كبير على واشنطن وتل أبيب. خاصة بعد قرار البرلمان العراقي بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة.

وبطبيعة الحال وبالنظر إلى تهديدات نصر الله في خطابه الاخير فإن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لن يقتصر على العراق وبرلمانه. الأمين العام لحزب الله ، بالإضافة إلى الدعوة إلى ترحيل الأميركيين من جميع أنحاء المنطقة ، أصر على أنه إذا لم يحدث ذلك ، فإن القوات الأمريكية التي دخلت المنطقة بشكل عمودي سيعودون بشكل أفقي. لذلك يبدو أن البنتاغون سيواجه أيضًا تحديات أمنية واسعة النطاق بالإضافة إلى تحديات القانون الدولي في ردود فعل المجتمع الدولي على هذا الاغتيال غير القانوني.
الوقت التحليلي