الخبر وما وراء الخبر

 بعد 4 أعوام على الشهادة.. جثمان الشهيد النمر لا يزال أسير النظام السعودي

23

أربعة أعوام على تغييب جثمان عالم الدين الشيخ الشهيد نمر باقر النمر، بعد إعدام جائر نفذه النظام السعودي بحقه ومعه ثلة من الشبان المعتقلين في ٢ كانون الثاني/يناير 2016. سنوات أربع تطوى على اعتقال جسد الشهيد الذي أرادت الرياض عبره إرسال رسالة قمع وتنكيل وتخويف لشتى أطياف المعارضة وأهالي المنطقة الشرقية، إلا أن الواقع يجزم بفشل مخططاتها وسياساتها التي تحاكي ببعضها ممارسات كيان الاحتلال الصهيوني، عبر احتجاز جثامين الشهداء.

لا شك أن ما يفعله النظام السعودي هو نوع من الانتقام الممنهج الذي سلطه على أبناء المنطقة الشرقية، والذي أراد عبره تبديل وجه المنطقة بإراقة دم قائد فذّ عاند الإرهاب والطغمة الحاكمة، وعاش حياته حاملاً هموم الناس على كفيه وفي قلبه فكان القائد بكل ما للكلمة من معنى. ولأن المعاني تترجم على أرض الواقع، فقد خاف النظام السعودي من ردة فعل أهالي القطيف والأحساء، الذين لطالما رسموا مشاهد مهيبة في تشييع شهدائهم الذين يرتقون بفعل رصاص غادر من القوات العسكرية، أو يقضون نحبهم تحت سياط التعذيب خلف زنازين السجون المظلمة ومنهم من يرتقي بفعل حز النحر بتنفيذ إعدامات جائرة تنفيذاً لقرارات قضائية مسيّسة.

مصدر أهلي سعودي يجزم لموقع “العهد الإخباري” بأن سياسة تشبّث النظام السعودي باحتجازه لجثمان الشيخ الشهيد نمر باقر النمر، ما هي إلا دليل على العملية الانتقامية من النهج الثوري السلمي لآية الله النمر، وهي خوف واضح من ردات فعل الشارع على الجريمة، خاصة أن الحشود المليونية ستشارك بعمليات التشييع، وهذا ما لا يروق لنظام استأثر بسلطة دموية، تخاف ردات الفعل الشعبية وهو ما رسخته تحركات القطيف منذ فبراير 2011م.

ويضيف المصدر لموقع “العهد” إن “عملية احتجاز جثمان الشيخ الشهيد النمر ليست منفردة ووحيدة، بل إنها نهج متبع لدى النظام القائم بحد السيف، وهو لا يتوانى عن احتجاز الجثامين ولا يسلمها لذويها مهما كان الأمر، مستدركاً أنه “في حالات نادرة تسلم السلطة أجساد الشهداء، وهذا التسليم يكون مشروطاً بعدة أمور ليس أقلها الحرمان من رؤية جسد الشهيد، وحظر مراسم العزاء واقتصارها على العائلة فقط، وهو الأمر الذي لم يكن ليتم مع الشيخ الشهيد النمر، لأن عائلته لا تقتصر على منزله وعائلته الصغرى، لأنه كان الأب لمنطقة وأمة بأكملها”.

في ذكراه الرابعة التي تقام تحت شعار “فوق أيديهم”، يتأكد مشهد قوة الشهداء وصمودهم، ووجودهم، فنهج النمر الذي استشرست السلطة لإعدامه واغتياله والانتقام منه ظناً منها أنها باغتياله تغتال فكراً وتقضي عليه، يؤكد الواقع أنه لا يزال متمدداً في أرجاء العالم، ويواصل انتشاره وثباته في كل يوم، ليثبت للنظام وأدواته أن الفكر القائم على الحق ونهج الثورة السلمية لنصرة المظلوم لا يموت.

طوال حياته، ومسيرته النضالية، حاكى الشيخ الشهيد النمر معاني “النبل، والعزة، واحترام المرء لذاته، والشعور بالشرف والقيمة، والجود، وغيرها من المعاني”، معان رسخها بدفاعه غير المحدود عن الحفاظ على الكرامة، كرامة ترجمها في شهادته ومسيرة حياته، وحتى خلف القضبان في أيام اعتقاله ومحاكمته التي عرفت شتى أنواع الجور والتسييس.

كان للنمر مبادئ حياتية سامية، في أعلى مراتبها وكانت “الكرامة” أعلى مبدأ دستوري لحياته، وخط في المرافعة التي كتبها في محبسه ليرد على الاتهامات المفبركة الموجهة ضده أمام القاضي، كلمات شكلت نهجاً ووصية للأجيال، فكانت: “الكرامة الإنسانية التي لا يحق ولا يجوز لأحد مهما أوتي من قوة ضاربة أو مقام سامٍ أن يسلبها أو ينتهكها، بل حتى الإنسان نفسه لا يحق له ولا يجوز له أن يتنازل عنها لأنها من الحقوق التي لا يملك صاحبها التصرف بها أو فيها إلا بما يحفظها ويصلِّب جذورها، وهي حق أسمى من حق الحياة الذي لا يملك أحد فيه مطلق التصرف بل هي المبرر لتمسك وتشبث الإنسان بالحياة والبقاء، بل لا قيمة لحق الحياة إلا بها”.

على مدار مسيرة نضاله، سعى الشيخ النمر للمطالبة بحقوق المواطنين من دون تمييز أو تفرقة كما كان النظام ولا يزال يفعل، فالخطاب الوحدوي كان النهج الأسمى للشيخ النمر، وطالب بحقوق المواطنين على امتداد “المملكة” سنة وشيعة، ومن كل الأطياف، لو كرّس نشاطه لترسيخ مبدأ العدالة والمساواة، ودعا لمنح المرأة حقوقها وهي السياسة التي غابت عن ذهن النظام الحاكم لعقود، إلا أنه يستخدمها اليوم لتكون ذريعة تلميع صورته القاتمة أمام المجتمع الدولي.

ليس مفاجئاً أن تختتم حياة الشيخ النمر بالشهادة، وهو الذي أكد على نهج مقارعة الظلم والاستبداد مهما كان الحال. وكان قد تعرض لعدة استدعاءات ومحاولات اعتقال، قبل أن يعتقل بقوة السلاح وهو جريح في 8 تموز 2012، إثر إقدام عناصر عسكرية على إطلاق الرصاص عليه وإصابته بـ4 رصاصات في فخذه اليمنى، وتم نقله إلى المستشفى العسكري في الظهران، من ثم مستشفى قوى الأمن في الرياض، ثم إلى سجن الحائر، وهناك كانت رحلة الآلام، التي اختتمت بالشهادة في 2 كانون الثاني 2016، ولا نزال نحيي ذكراه في كل عام تأكيداً لنهجه وفكره الذي لا شك أنه يؤرق نظام الرياض حتى اليوم.

المصدر: العهد الاخباري