من السكين الى الدهس الى البندقية : انتفاضة القدس مستمرة
ذمار نيوز/موقع أنصار الله / فلسطين المحتلة
تحوّلت التسمية سريعاً من هبة شعبية إلى انتفاضة ، انتفاضة صنعت خلال الأشهر الأخيرة من العام 2015 المشهد في فلسطين ، مشهد ينتقل بكل تفاصيله إلى 2016 حاملاً معه أسئلته الكثيرة عن آفاق الانتفاضة واستمرارها وتصاعدها.
هذه الانتفاضة التي انطلقت في القدس المحتلة في أكتوبر / تشرين الأول واستشهد خلالها وفق آخر الأرقام 142 فلسطينياً نفذت خلالها عشرات العمليات ضد جنود العدو الإسرائيلي والمستوطنين وتنوعت بين عمليات دهس وطعن وإطلاق نار ليقفل العام على استطلاع للرأي يظهر أن غالبية “الإسرائيليين” لا يشعرون بالأمن.
أسباب كثيرة وراء اندلاع الانتفاضة، منها ما هو غير مباشر مرتبط بانسداد الأفق واليأس من خيار المفاوضات وسط كم كبير من مشاعر الغضب إزاء الاحتلال وممارساته، واقتحامات المستوطنين المتكررة للمسجد الأقصى والتي شهدت وتيرة مرتفعة ومتسارعة خلال العام دفعت بالفلسطينيين والمتابعين إلى التحذير من التقسيم الزماني والمكاني للمسجد.
وعلى مر السنوات الاخيرة كان يتصاعد الاستيطان ويزداد العدو الإسرائيلي وحكوماته المتعاقبة تعنتاً وانتهاكا للحقوق الفلسطينية ويتكثف اعتداء الجنود والمستوطنين وقتل الآمنين وهدم وحرق المنازل وقلع المواسم وغيرها، وثبت أن كل مسارات التفاوض لم تنفع ، وهذه الانتفاضة الشعبية تثبت من جديد أن المواجهة من السكين الى الدهس الى البندقية هي الأجدى لإعلاء صوت الحق ومحاولة ردع العدو الغاصب.
أمام هذا الواقع كان لا بدّ للغضب الفلسطيني أن ينفجر يوماً. تجسد في النصف الأول من السنة على شكل مواجهات واشتباكات متقطعة لكن بوتيرة متصاعدة دفعت رئيس وزراء العدو الإسرائيلي إلى الإعلان أن “إسرائيل” لا تنوي تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى” ، ثم جاءت جريمة إحراق عائلة الدوابشة في 31 يوليو 2015/ تموز على أيدي المستوطنين المتطرفين لتشكل محطة مفصلية.
كان يتوقع الكثير أن تمر ايام فقط قبل ان تنطفئ هذه الانتفاضة الفلسطينية المستمرة فخاب توقعهم وفشلت قراءتهم ؛ منذ بداية اكتوبر / تشرين الاول الى الآن وما زالت مستمرة من القدس والخليل وبيت لحم، الى البيرة ونابلس وجنين وطولكرم … وغيرها ومعها قطاع غزة، بل أن اللافت رؤية اشكالاً جديدة من المواجهة هي عمليات اطلاق نار على الاحتلال في الضفة الغربية.
الا أن العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون لم تتوقف ابدا في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهي مستمرة في المدن المختلفة وهي عمليات يعتبرها المحللون بأنها أنجع وسيلة لمواجهة المستوطنين ، وتشير تقارير اسرائيلية الى ان الفلسطينيين نفذوا خلال هذه الانتفاضة في مختلف المناطق اكثر من 140 عملية، وبحسب الاعلام الفلسطيني فقد سقط خلالها اكثر من 142 شهيدا ومئات الجرحى فيما استطاع الفلسطينيون قتل واصابة العشرات من الصهاينة جنودا ومستوطنين.
لا شك ان الفلسطيني لم يتوقف يوما عن المواجهة مع الاحتلال والتصدي له، ومن الظلم له الاعتبار انه كان مقرا بالواقع او نائما على حقوقه قبل هذه الانتفاضة او ما بين الانتفاضات.. بل كنا نشهد على مواجهات يومية مع الاحتلال بأشكال مختلفة، كما ان الشعب في غزة وقف مع مقاومته وصمد وحقق انتصارا على عدة حروب شرسة في السنوات الماضية، الا ان هذه الانتفاضة جاءت لتجسد مرحلة جديدة وقوية من الصراع مع الاحتلال. ووقفت الفصائل الفلسطينية مع الانتفاضة على اعتبارها انتفاضة شعبية عفوية وهامة جدا ودعت الى مساندتها، وقد اثبتت هذه التحركات العفوية وغير المنظمة والفردية انها ذات أثر كبير ضد الاحتلال.
اذاً لا تزال الانتفاضة الفلسطينية متواصلة لم تستطع اجراءات العدو الامنية وقفها او الحد منها وهو بحد ذاته انجاز كبير لها… فرغم كل محاولات الاحتلال وسطوته العسكرية او الامنية، وتكثيف الحواجز ووضع البلوكات الاسمنتية وتشديد الاجراءات وخلق جو من الارهاب… كل ذلك فشل ولم يجد نفعا!.
وهكذا تحولت خطوط التماس مع العدو الإسرائيلي إلى ساحات مواجهة بين الجنود “الإسرائيليين” وشباب فلسطينيين يتراوح معدل أعمارهم بين 15 و25 عاماً، ما دفع بوسائل إعلام “إسرائيلية” إلى وصفهم بـ”جيل الانتفاضة” أو إلى القول “إن جيل الانترنت يقود انتفاضة السكاكين”. فيما راحت أخرى تبحث عن الأسباب التي تدفع بهؤلاء الشباب إلى تنفيذ هذه العمليات لتخلص إلى أن معدل الفلسطينيين المستعدين لتنفيذ عمليات يومياً يصل إلى خمسة.
ومع اندلاع انتفاضة الاقصى في شهر اكتوبر / تشرين الاول الماضي بدأ المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة من الخوف والرعب وانعدام الامن وهناك قلق ينتاب كل الإسرائيليين من وقوع عمليات طعن او دهس يقوم بها الفلسطينيون ولذلك باتت شوارع القدس القديمة خالية تقريبا من المستوطنين وتراجعت اعتداءات المستوطنين على المسجد الاقصى المبارك وان الاعتداءات القليلة التي تحدث تجري في ظل اجراءات امنية اسرائيلية مشددة.
من اهم ما استطاعت هذه الانتفاضة تحقيقه اعادة توجيه الصورة المليئة بالصراعات في منطقتنا نحو فلسطين القضية الاساس التي يراد من اشغال واضعاف الدول العربية حرفها عنها وعن القضايا الكبرى.
.
واثبتت الانتفاضة ان القدس هي في ضمير الفلسطيني الى الابد ولن يستطيع اي تهويد او فرض اي امر واقع ان يغير في الامر وفي الواقع وفي النفوس وفي الوعي شيئا.
لقد انجزت هذه الانتفاضة امرا اساسيا ايضا هو الحد من ممارسات المستوطنين الذين كانوا يعيثون في القرى الفلسطينية فسادا وينفذون اعتداءات يومية الا انهم باتوا اليوم يعيشون الهاجس على انفسهم في كل شارع وقرية
ان الشعور بانعدام الامن قد تسبب بقلق النخب في المجتمع الاسرائيلي واطلاقهم التحذيرات حيال الاوضاع السائدة حيث يقول المفكر اليهودي يوسي كلاين ان الشعور بانعدام الامن وخيبة المجتمع اليهودي يدفع قسما من هذا المجتمع نحو مغادرة الكيان الاسرائيلي وسبب ذلك هو اليأس الناجم عن اوضاعهم الامنية الشخصية.
وتؤيد الاحصائيات والاستطلاعات التحذيرات التي تطلقها النخب الاسرائيلية فالاستطلاع الذي اجرته صحيفتا معاريف واورشليم بوست أظهر ان 81 % من الاسرائيليين قد غيروا عاداتهم في التنقل بعد بدء انتفاضة الفلسطينيين وان 46% منهم اعلنوا أنهم سيفكرون كثيرا قبل ان يقرروا بشأن المشاركة في الاعياد اليهودية كما يشير الاستطلاع إلى ان 21% من الاسرائيليين قالوا بأنهم يعرفون شخصاً واحدا على الأقل اصُيب في عمليات الفلسطينيين.
وتسببت الحرب النفسية التي يشنها الفلسطينيون عبر هذه العمليات بتقييد حركة المستوطنين وأثرت على موضوع الهجرة العكسية للإسرائيليين وخروجهم من الاراضي المحتلة حيث اعلنت سلطات الكيان الإسرائيلي ان 26 الف يهودي قد غادروا فلسطين المحتلة خلال الاعوام الـ 4 الاخيرة وهكذا بدا واضحا ان الاسرائيليين لا يتمتعون بالأمن حتى داخل الاراضي المحتلة.
لقد تجاوز الفلسطينيون المنتفضون الانقسام الداخلي فلحقت بهم كل الفصائل التي أجمعت على دعم هذا الحراك وإن بتفاوت بين من دعا إلى تسليح الضفة الغربية ومن رفض ذلك.
أمام الكابوس الذي بدأ يؤرق “إسرائيل” التي أقدمت على إجراءات عقابية بحق الفلسطينيين فدمرت البيوت وعزلت بلدات في القدس والضفة الغربية، دخلت واشنطن على الخط. وشهد العام أكثر من زيارة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري كما زار نتنياهو البيت الأبيض والتقى باراك اوباما. كالعادة جاء الموقف الأميركي متماهياً مع الرواية “الإسرائيلية” شاجباً لما وصفها بـ”العمليات الإرهابية” التي يقوم بها الفلسطينيون.
رغم المحاولات الأميركية وما ذكر في تقارير عن أخرى إقليمية وعربية لإجهاض الانتفاضة فإن هذه المحاولات لم تنجح حتى الساعة في ذلك. علماً أن مراقبين يربطون استمرار الانتفاضة وتصاعدها بمجموعة عوامل لعل أبرزها ما هو مرتبط بالعمل تحت قيادة وطنية موحدة وتحولها في لحظة ما إلى انتفاضة مسلحة.
وفي المجال الاقتصادي ايضا تشير احصائيات وسائل الاعلام الاسرائيلية إلى ان معظم القطاعات الاقتصادية الاسرائيلية قد تضررت بشكل كبير بسبب الانتفاضة حيث يقول المحللون والخبراء الاسرائيليون ان انتفاضة القدس كانت لها آثار واسعة على قطاع السياحة والاسواق والبورصة الاسرائيلية وحتى المطاعم ايضا تأثرت سلبا بالواقع الموجود، وفي هذا السياق حذر البرفسور آوي بن باست وهو من المسؤولين السابقين لوزارة المالية الاسرائيلية ان كيانه معرض لخسائر واضرار اقتصادية كبيرة وان أثر الانتفاضة الحالية هو اخطر بكثير من أثر وتبعات الانتفاضة الثانية، ويقول بن باست ان الانتفاضة الفلسطينية ستحد من رغبة المستثمرين الاجانب في الاستثمار في فلسطين المحتلة وتلحق ضررا بالغا بالاقتصاد الاسرائيلي.
وتلقى الاقتصاد الخدماتي وقطاع السياحة ضربة كبيرة بحسب ما اقر الاعلام الصهيوني وتحدثت صحف صهيونية عن الغاء حجوزات فنادق بشكل واسع، كما تحدثت عن اقفال الكثير من المتاجر في القدس بسبب اثار الانتفاضة.
ومن اضرار هذه الانتفاضة بالنسبة للإسرائيليين قضية الغاء رخص العمل التي كانت سلطات الكيان الاسرائيلي قد اعطتها للعمال الفلسطينيين ما تسبب برفع تكلفة انجاز الاعمال والاشغال في داخل الكيان، ويضاف الى ذلك العقوبات الاوروبية التي فرضت على استيراد السلع من الكيان الاسرائيلي في ظل الانتفاضة الحالية والتضامن الدولي مع الفلسطينيين الذين يتعرضون كل يوم لجرائم اسرائيلية جديدة.
وكما احتفلت فلسطين بإنجاز الأسير علان فقد احتفلت كذلك بانضمامها رسمياً الى “المحكمة الجنائية الدولية”، خطوة لم يتلمس الفلسطينيون حتى الساعة ترجمة عملية لها باتجاه مقاضاة مجرمي الحرب “الإسرائيليين” على المستوى الدولي، في حين يرى مراقبون أن المحكمة تشكل إحدى أوراق الضغط بيد “السلطة الفلسطينية” على “إسرائيل” في ملف المفاوضات المعلقة، وهي لذلك تكتفي بالتلويح بها.
وعلى صعيد الشهداء والجرحى منذ بدء انتفاضة القدس” قالت وزارة الصحة الفلسطينية مساء يوم الثلاثاء الماضي إن 142 شهيداً بينهم 27 طفلاً وطفلة و7 سيدات قضوا منذ بدء انتفاضة القدس” الحالية مطلع شهر أكتوبر / تشرين الأول المنصرم.
وذكرت الوزارة في بيان صحفي لها أن 15620 مواطنين أصيبوا من ذلك التاريخ خلال المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأوضحت الوزارة أن 1887 مواطناً أصيبوا بالرصاص الحي، فيما أصيب 3104 بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، بينهم 1974 عالجتهم طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني ميدانياً.
وأضافت أن 10231 مواطنا أصيبوا بحالات اختناق جراء استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، إضافة إلى 360 أصيبوا بالرضوض والكسور نتيجة اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين، فيما أصيب 38 مواطناً بالحروق خلال المواجهات.
واخيرا يجب الاشارة الى ان الانتفاضة الفلسطينية الحالية تشهد لأول مرة دخول الشبان واليافعين وحتى الاطفال الفلسطينيين الذين ولدوا بعد اتفاقية اوسلو عام 1993 على خط المواجهات وقد استطاع هؤلاء ايجاد الهلع في صفوف الاسرائيليين وهو ما عجزت عنه الجيوش العربية خلال عقود.