الخبر وما وراء الخبر

بالوثائق: شحنات جديدة تحمل إغاثة أممية فاسدة ومليئة بالحشرات ضبطت في اليمن.

69

تتفنن المنظمات الدولية “الانسانية” في إحصاء أرقام المواطنين اليمنيين الذين يعانون من المجاعة، سوء التغذية، الأوبئة، والافتقار إلى المياه الصالحة للشرب، لكنها عندما تقرر مساعدة هؤلاء المواطنين، فكل ما تفعله هو إمدادهم بكميات كبيرة من الغذاء الفاسد ليتسمموا ويموتوا.

هذه ليست المرة الأولى التي ينكشف فيها شيء كهذا، لكن الأمر لم يتوقف حتى الآن، وكنموذج جديد يثبت ذلك، تستعرض صحيفة “المراسل” في هذا التحقيق جزءا بسيطا من “المساعدات” التي قدمتها “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” لليمنيين خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي تكشف وثائق رسمية حصلت عليها الصحيفة أنها “فاسدة” و”تحتوي على حشرات”، حيث تتضمن الوثائق محاضر وتقارير معاينة تظهر أن هذه الشحنات تم فصحها من قبل فرغ “الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس” في مركز “عفار”، وكانت النتيجة أنها غير صالحة للاستخدام الآدمي.

إنها باختصار شحنات سموم مقدمة لقتل اليمنيين الجائعين، وهو الأمر الذي يفتح باب الاسئلة أولا حول الأموال التي يستلمها “الصليب الأحمر” من المانحين الدوليين لشراء هذه المساعدات الفاسدة، إذ لا بد وأن المواد التالفة أرخص بكثير من غيرها، وليس من المستغرب أن يكون ذلك جزءا من “الفساد” الذي تمارسة مختلف المنظمات والوكالات الدولية “الاغاثية” والذي سبق وأن كشفت “المراسل” في عدد سابق نموذجا منه.

كما تطرح هذه الشحنات اسئلة أخرى حول تعمد إرسال هذه المميتة إلى اليمن، وبشكل متواصل، وبدون مبالاة بانكشاف الأمر، إذ بات الأمر يبدو وكأنه مجرد وجه آخر لحملة القتل الممنهج التي يرعاها العالم ضد اليمنيين منذ خمس سنوات، وبعبارة أخرى: يبدو أن الأغذية الفاسدة ليست إلا “صفقات سلاح” من نوع آخر يستخدم لاستهداف اليمن، ولولا حيلولة الجهات المعنية دون وصول هذه الاغذية للمواطنين، لكان أثرها أكبر من أثر القنابل والصواريخ التي ليس من قبيل المصادفة ان تكون الدول المصدرة لها، هي نفس الدول “المانحة” لأموال هذه الأغذية المميتة.

تظهر مجموعة من الوثائق التي حصلت عليها صحيفة “المراسل” محاضر معاينة لشحنة (10 قاطرات) تتضمن (14.200) كيس من الأرز والعدس قدمها “الصليب الأحمر” هذا الشهر وتم فحصها عبر “هيئة المقاييس في مركز “عفار” بمحافظة البيضاء.

وتتضمن الوقائق “إخطارا بالمخالفة” موقع من مدير مركز رقابة “الهيئة” في عفار، وموجه إلى “الصليب الأحمر”، ويظهر في هذا “الإخطار” أن الصنف الأول “العدس” من الشحنة المذكورة، يخالف المقاييس بسبب “وجود تآكل وتغيير في لون المنتج” أي انه غير صالح للاستخدام.

وتضيف الوثيقة أن الصنف الثاني (الأرز) من الشحنة نفسها يخالف المقايسس أيضا بسبب “وجود حشرات (سوس) حية على المنتج”وتبلغ الوثيقة “الصليب الأحمر بـ”إعادة تصدير/ اتلاف الشحنة”.

بحسب وثيقة أخرى، فقد طلب “الصليب” من “المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية” التابع لحكومة صنعاء، السماح للشحنة بالدخول عبر مركز جمارك “عفار” في أول يوم من الشهر الجاري، وتظهر الوثيقة توجيها صادرا، من المجلس لمدير المركز بالسماح للشحنة واستيفاء اجراءاتها وفحصها، وذلك بعد أربعة ايام فقط، وصدر محضر المعاينة بعد ذلك بأربعة أيام أيضا، الأمر الذي يعارض ما تم ادعاؤه مؤخرا في مجلس الأمن حول عرقلة سلطات صنعاء للعمل “الانساني” فبحسب مالدينا هنا، يبدو بوضوح أنه لا توجد هناك عرقلة، وإنما في الحقيقة لا يوجد عمل “انساني”.

وتوضح الوثيقة الموجهة من “المجلس” لجمارك “عفار”، أن قيمة الشحنة تبلغ (213 ألفا و874 فرنك سويسري) وهو ما يعادل (218 ألفا و151 دولارا أمريكيا) حيث أن الفرنك السويسري يساوي 1.02 دولار، وعليه فقيمتها بالريال (109 ملايين و75 ألفا و 500 ريال) .. مبلغ كان يمكنه أن يفيد الكثير من النازحين ومرضى سوء التغذية، لكن “الصليب الأحمر” فضل أن يشتري به أغذية مميتة.

وحصلت صحيفة “المراسل” أيضا على وثائق مماثلة خاصة بشحنة “أرز” أخرى وصلت أواخر نوفمبر الفائت، ويظهر “إخطار المخالفة” الموجه من “هيئة المقاييس” إلى الصليب الأحمر بشأنها، أنها تتضمن ( ألفا وسبعمئة كيس) كانت نتيجة فحصها : “وجود حشرات (سوس) حية وميتة” فيها، أي أنها قد قتلت حتى الحشرات!

كما تظهر وثيقة أخرى أن ( ألفا وسبعمئة كيس) إضافية من العدس الأحمر، وصلت في الفترة نفسها، غير صالحة للاستخدام الآدمي، حيث توضح وثيقة “إخطار المخالفة” الموجهة إلى الصليب الأحمر أن الكمية بها “إصابة سابقة” و”آثار تآكل” و”تغيير في لون المنتج”، وتبلغ الهيئة بضرورة إتلافها أو إعادة تصديرها إلى بلد المنشأ (تركيا)

الشحنات الغذائية

الصحيفة حصلت على مجموعة من الوثائق تكشف أيضا تفاصيل شحنة أخرى قدمها “الصليب الأحمر” تحتوي على (11 ألف كيس) من الأرز التالف، وقيمتها (211 ألفا و854 دولار) أي (105 ملايين و927 ألف ريال).

يقول “إخطار المخالفة” الخاصبها إن الشحنة تحتوي على “حشرات (سوس) حية” ويبلغ بضرورة إعادة تصديرها أو إتلافها.

في هذا الجزء البسيط لدينا ما مجموعه ( 28 ألفا و600 كيس) من الأرز والعدس الفاسد والمحتوي على الحشرات الحية والميتة، قدمه “الصليب الأحمر” خلال أشهر قليلة ضمن عدة شحنات أخرى أكبر من المرجح أنها على ذات الشاكلة، ولو أن كل كيس واحد من هؤلاء صرف لأسرة واحدة المستهدفين، لكان لدينا في غضون أشهر ثمانية وعشرون ألف وستمئة أسرة ميتة بالتسمم الغذائي، ومن هنا يأتي القول بأن شحنات الغذاء التي تقدمها المنظمات واللجان والوكالات الدولية لليمن ليست إلا “صفقات أسلحة” من نوع آخر لقتل اليمنيين، مثل صفقات القنابل والصواريخ التي تعقدها “الدول المانحة” لأموال هذه المساعدات مع السعودية والإمارات.

ليست هذه المرة الأولى التي ينكشف فيها مثل هذه الفضيحة، لكن تواريخ الوثائق التي استعرضناها في هذا التحقيق، تؤكد أن كل الفضائح التي نشرت على مدى الفترة الماضية حول الغذاء والدواء الفاسد المقدم من منظمات “الاغاثة” الدولية، لم تزد هذه المنظمات إلا إصرارا على الاستمرار، وليس ذلك فحسب، بل لازالت ترفع صوتها متهمة سلطات صنعاء بعرقلة هذا العمل الانساني النبيل!