الخبر وما وراء الخبر

 دروس من هدي القرآن الكريم

45

في ظلال دعاءمكارم الأخلاق
الدرس الثاني
( ٥ )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 2/2/2002م
اليمن – صعدة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لكن لاحظ هناك تربية إيمانية حقيقية في: [إيران] وفي [حزب الله] ألم يتجه حزب الله لضرب معسكرات إسرائيل بعد التهديد؟ وهو مصنف في قائمة الإرهاب من زمان, من قبل أن يقال عن الدعاة هؤلاء أنهم إرهابيون.. ماذا عمل؟ حزب في نفسه عزيز على الكافرين, وأذلة على المؤمنين حقيقة.
نقول لأولئك الدعاة: أنتم بعقائدكم من ضربتم أنفسكم، أما نحن فلم تكن ضربتكم ضربة لنا بل كانت شاهدا أعطانا قوة في إيماننا, وبصيرة في عقائدنا، وإلا لو كنا ننظر نظرتكم لاهتزت ثقتنا بالقرآن وبالإسلام كله؛ لأنكم كنتم تبرزون أمامنا كتلا من الإيمان, كتلا من الإلتزام حتى فيما يتعلق بالثوب والسواك، يحرك السواك وهو في الصف للصلاة التزاماً بالسنة, احتمال أن يكون المراد بأن السواك قبل الطهور, أو أن يكون أيضا مقصودا به قبل التكبير للصلاة، وأنت في الصف, فيخرج السواك من جيبه ويتمسوك, ويقصر الثوب!.
هم يبرزون بأنهم ملتزمون حتى في أدق الأشياء، ثم تبخرت كل هذه الأشياء أمام صرخة واحدة من اليهود.. والدقنة كان بقاؤها وإطالتها ركن من أركان الإيمان، ركن من أركان الإسلام، انطلقوا ليحلقوها سريعا!.
أذكر وأنا في مرة من المرات حول الكعبة قبل سنوات ورأيت شابا يبدو من ملامحه أنه لبناني بدون دقن وهو يقف بخشوع وهو يدعو الله دعاء حاراً أن يرزقه الشهادة في سبيله.
وهؤلاء بذقونهم أين الشهادة في سبيل الله؟ وهم فئة لها قاداتها, لها إمكانياتها الهائلة, إمكانياتهم أعظم من إمكانيات حزب الله، إمكانياتهم في اليمن, وعددهم, أكثر عدة وعددا من حزب الله في لبنان، ثم لماذا لا نسمع أنهم يهتفون بشعار: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. وأن يلعنوا اليهود.
كانوا يلعنون الشيعة.. لماذا لا يلعنون اليهود!؟ وهل أن الشيعة هم يشكلون الخطورة البالغة على الإسلام أشد من أمريكا وإسرائيل؟ هم كانوا يلعنوننا ونحن هنا شيعة ضعاف مستضعفون فكانوا يلعنون الشيعة في مساجدهم وعلى منابرهم! لماذا لم ينطلقوا ليهتفوا بشعار: الموت لأمريكا والموت لإسرائيل؟ وهو شعار له أثره المهم, وأثره البالغ في نفوس اليهود والنصارى؟.
لم نجد أي شيء من هذا، ولم نسمع أيضا منهم كلاما كثيرا عن فضح مؤامرات اليهود والنصارى, وتعبئة عامة للمسلمين ضـد اليهود والنصارى، تعبئة ولـو فيما يتعلق بجانب الوعي! لا شيء، ضـاعوا هم, وأصبحوا يلتجئون – كما يقال عن بعضهم – في الجبال, وفي المغارات, وانتهى الموضوع.
أريد أن أقول لأولئك الذين يقولون: [لماذا..؟ الكل, أولئك الآخرون هم مسلمون, وهم على حق، لماذا ليس إلا نحن على الحق؟] نقول: أنظر هكذا الحق عندهم تجلى، ثم عد إلى القرآن إذا كنت تعتقد أن ما لديهم هو الحق, وكنت تغتر بكثرتهم فانظر إلى كثرتهم كيف تبخرت في مواجهة أعداء الله.. والحق هو من الله, والحق جاء في كتاب الله، وتلك آيات كتاب الله تصف المؤمنين, والجهاد في سبيل الله, والعزة في مواجهة أعداء الله, والاستبسال في سبيل الله هو من أبرز صفات المؤمنين.. هل هذه فيهم؟. لا. أليسوا هم من تبخروا أمام أعداء الله؟ فكيف بإمكانك أن تقول: أنهم على حق! انضم إلى صفهم لتكون واحدا من المهزومين.. أو أنهم متحرفين لقتال؟ لا. ينكمشون, وانتهى الموضوع.
يتبين لنا هنا أيضا: بأن الله سبحانه قد بين للناس الأدلة على الحق في كتابه الكريم، ثم الأدلة والشواهد على الحق في واقع الحياة, وفي ممارسات الناس جميعا.. إذاً فلا تغتر بكثرتهم. لا يخدعك ضجيجهم, ولا تخدعك ذقونهم, هاهي تهاوت هذه الدقون سريعا دون أن تعمل شيئاً.
لماذا وقفوا في وجه المؤتمر, وفي وجه الرئيس في الانتخابات من أجل أن يحصلوا على مقاعد في مجلس النواب؟. وإذا كانوا هم يرون أنه هو الذي انطلق ليوقفهم عن أن يقولوا كلمة في مواجهة اليهود والنصارى لماذا أطاعوه هنا وعصوه هناك؟. لماذا لم يقولوا له: لا؟ لماذا لم يقولوا له: لا يمكن أن نسكت حتى وإن لم نكن نحن مستهدفين شخصياً, أما وهم مستهدفون شخصيا – كما يقال أو كما يزعم البعض – فبالأولى أن لا يسكتوا.. بالأولى أن يتكلموا, وأن يتحركوا.
((إن الحق لا يعرف بالرجال – كما قال الإمام علي (عليه السلام) – وإنما الرجال يعرفون بالحق فاعرف الحق تعرف أهله)) تجد شواهد الحق كثيرة، والإمام علي يريد من كلامه هذا أن شكليات الرجال: ذقونهم, ملابسهم, أجسامهم, ضجيجهم, حتى عبادتهم ليس هو المقياس على الحق، إعرف الحق.. نحن عرفنا الحق في القرآن الكريم أنه هو الوقوف في وجوه أعداء الله, أليس كذلك؟. الحق هو الذي قال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29).
أليس هذا هو الحق؟ وجدنا الحق هو الذي قال سبحانه وتعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُون ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}(آل عمران: من الآية112). أليس هذا هو كلام الحق, يكشف الحقيقة عن أعداء الله؟. المؤمنون هم مصدقون بهذا الوعد، والمصدقون بهذا الوعد الحق هم من سينطلقون أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.. هل هذا حصل منهم؟!. إذاً فشكلياتهم ليست دليلا على الحق.. المواقف أبانت لنا بأنهم ليسوا أهل حق.
أم أنهم كانوا يرون أن هناك جوانب من معتقداتهم الحقة ما تزال غائبة ليس بإمكانهم أن يفصحوا عنها؟ لا. نحن الزيدية قد نقول فعلا: ليس بإمكاننا, وليس لدينا الإمكانيات الكافية أن نوضح للناس الحق الذي نعتقده, ليس بإمكاننا, ولا لدينا الإمكانيات الكافية أن نتحدث للناس جميعا عن أهل البيت, وعن عقائدنا كلها..
لكن أولئك كانوا يرون أنفسهم يستطيعون أن يقولوا كل شيء من عقائدهم, وليس شيء من معتقداتهم غائبا عنهم. إذاً فهم قد كمل إيمانهم.. أليس كذلك؟. من وجهة نظرهم, وعلى أساس معتقداتهم، إيمانهم كامل, إسلامهم متوفر, لكن هناك ما شهد بأن إيمانهم من أساسه ناقص، والإسلام الحق في أوساطهم ضائع.
{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} (آل عمران:111) فلماذا أنتم وليتم الأدبار من أول يوم؟ ولماذا أنتم وليتم الأدبار, وحلقتم دقونكم من أول كلمة تواجهون بها من جانب من قال الله عنهم بأنهم: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} (آل عمران:111)؟ فأنتم من لم تضروهم ولا أذى ووليتموهم الأدبار قبل أن تقاتلوهم.. أليس هذا هو الذي حصل؟. إذاً فليس هناك إيمان من هذا النوع الذي في كتاب الله سبحانه وتعالى.
ماذا يعني هذا بالنسبة لنا؟ هو أنه لا إيمان كامل يمكن أن نحصل عليه إلا من خلال كتاب الله وعلى يد عترة رسول الله (صلوات الله عليه وعليهم).