الخبر وما وراء الخبر

المنظّماتُ من منظورٍ قرآني

44

علي حمود الأهنومي

يكادُ يُجمِعُ المفكرون والواضعون لاستراتيجياتٍ طويلةِ الأمد، سواءً في أمريكَا أو في الغرب بشكلٍ عام، مَنْ فهموا أنَّ الأمورَ -بل معظمها- لا تُحسم عسكرياً أو اقتصادياً فقط، فاتّجهوا إلى شيءٍ يوازي الخطَّ العسكري والاقتصادي، بل يفوقُه تأثيراً، ألا وهو الخطُّ الفكري أو الثقافي، الذي يستطيعُ الأعداءُ من خلاله تسييرَ الشخص والمجتمعات بشكلٍ غير مباشر، في الاتّجاهات والسُبُل التي يطمئنون بها ومعها..

وبالتأكيد أنَّ اليهودَ هم من أنشأوها وطوّروها؛ لذلك تجد المساحةَ الواسعةَ في القرآن الكريم وهي تتحدّثُ عن صفاتِ اليهود، وما إن تقرأ آيةً عنهم حتى يستحضرُ ذهنُك آلياً عشراتِ الشواهد والأدلة عن صدق ما أخبر به القرآنُ كلامُ الله، في تاريخهم القديم أو الحديث والمعاصر..

كانت المنظّماتُ –لا نسمِّيها إنسانيةً- أحدَ هذه الطرق الخبيثة والذكية؛ لأنها تستغلُّ الحاجةَ الإنسانيةَ وأيضاً بطريقةٍ تتلاءمُ مع العصر، لندركَ جميعاً مدى الخبثِ والذكاءِ الشيطانيِّ الذي وصلوا إليه مقابلَ تراجعنا في الوعي والتفكير، ولزيادة الوعي في هذا الصدد يجبُ أن نرجعَ إلى المصدر الذي يعطينا في حياتنا ثوابتَ لا تتغيّر مطلقاً:

أولاً: يقولُ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)، فالنهيُ هنا جاء عن مخالطة اليهود أو المنافقين، وعدم إفشاء الأسرار؛ لأنهم لن يقصّروا في السعي لإضلالنا ووقوعنا في الفساد، وما حدث مؤخراً من كشف تورط المنظمات في وضع إحداثيات لمنزل رئيس اتّحاد الإعلاميين، خيرُ شاهدٍ على فداحة إفشاء الأسرار أو التساهل فيها..

ثانياً: يقول اللهُ تعالى: (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، فالإفسادُ صورةٌ ملازمةٌ وطبيعةٌ ملاصقةٌ لهم في الأرض، ومن المعلوم أن المغزى الأساسَ لهم من بثِّ المنظمات هو إفسادُ الثقافة والوعي القرآني الإسلامي، وتبديلها بأشياءَ ماحقةٍ للإنسان كُلَّ المحق عن ثقافتِه الفطرية والدينية الحافظة للزكاء في المجتمع، مفردين الحجمَ المناسبَ لمسخ القيم والمبادئ المُثْلى..

ثالثاً: يقول اللهُ تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، المواجهةُ مستمرّةٌ مع اليهود، والمعركةُ التي لا تنتهي هي معركةُ الوعي، وما شُرع الجهادُ والقتال إلا من أجل المحافظة على الوعي الصحيح وتمثّله عملياً، لكن في المقابل يقول تعالى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)، وكفى بالآية شرحاً وتبييناً..

في الأخير يجبُ أن نكونَ واقعيين، فالمنظّماتُ لها إيجابيات محدودة –لا ننكرها-، إلا أن سلبياتها كثيرة ومؤثرة في المجتمع، لكننا نستطيعُ أن نحدَّ من السلبيات، إذا رجعنا إلى القرآن الكريم وجعلنا أنفسنا تابعين له، لا أن نجعلَ القرآن تابعاً لنا..