السنَّة الإلــــهيَّة في التوحد
الوحدة قد انتهى موضوعهاً, ورسمت منهجيتها, ووسائلها, وطرقها, وأعلامها, وقادتها, داخل كتاب الله, وحدة غيرها لا تجدي. ثم إن سورة [الفتح] هذه تؤكد صحة ما نقول, وأنك فقط تحاول أن تلتزم بدين الله, وأن تسير عليه على نحو صحيح.
فعندما يحظى أولئك الذين يسيرون على هذا الشكل بنصر الله وتأييده هم من سيشدون الآخرين, ويجعلون الآخرين يتركون ما هم عليه, سيلمسون فعلاً, ألم يلمس العرب, ألم يكن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يهاجم أولئك؟ يهاجمهم, ويتكلم عن أصنامهم وبقسوة أيضاً؟ في نفس الوقت الذي كان يبين الخطأ الكبير الذي هم عليه, ويدعوهم إلى ما هو عليه, وإلى ما جاء به (صلوات الله عليه وعلى آله) عن الله.
أليس هذا هو الذي حصل؟ ثم ألم يترك العرب كل تلك الأصنام, ويتجهون إلى محمد؟ متى؟ عند ما جاء نصر الله والفتح, من أين النصر ومن أين الفتح؟ أليس من الله؟ {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} (آل عمران126) {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} (الفتح1).
فالنصر والفتح هو الذي سيجعل مواقف أولئك الذين حظوا بنصر الله, وتأييده محط أنظار الآخرين, وهم من سيرجعون إلى أنفسهم فيقولون: ما قيمة هذا الذي نحن عليه؟ هذه المشاعر أصبحت داخل المسلمين أيضا في هذا الزمن.
أليس شعوراً كهذا حاصل داخل كثير من المسلمين في مواجهة الغرب؟ عندما رأوا الغربيين على هذا النحو: تقدم, تطور, حضارة, إنتاج, تصنيع, الذين انبهروا بهم, ما هم حاولوا أن يفلتوا هذا الدين على الرغم من عظمته, ويتنكروا له, ويعملوا على أن يلحقوا بركاب الآخرين؟.
وقد ظهر في الأمة مثقفون يدعون إلى التخلي عما نحن عليه, وأن نتثقف بثقافة الغرب, حتى نلحق بركاب الغرب! هذا شاهد أنه وجد من داخل هذه الأمة من يتنكر للدين كله عندما لم ير لهذا الدين أثراًً في الحياة, وعندما وجد الحياة هناك على أبرز مظهرها لدى الغربيين تنكر للدين كله, وحاول أن يثقف نفسه بثقافة الغربيين.
أوليس هذا حاصلاً؟ أوليس كل من يرون أنفسهم أنهم يسيرون على أن يلحقوا بركاب الغرب يثقفون أنفسهم بثقافة الغرب؟ ألم تصبح النساء في الدول العربية متبرجات كالنساء الغربيات؟ وهم عندما يعملون هذه ماذا يعني؟ يتنكرون للقيم الإسلامية؛ لأنها لا جدوى منها, نحن نريد أن نلحق بركاب الغرب! وهذه واحدة من مظاهر الغرب, مجرد مظهر سنعمله. هكذا, يعني موقفهم, مجرد مظهر يتعلق بالزي, أو بالنمط المعماري, أو بأي تقليد من تقاليد الحياة والمعيشة, ينطلقون ليلتزموا به.
ألم ينشدُّوا إلى أولئك؟ ما الذي جعلهم ينشدون إلى أولئك؟ هو انبهارهم بمظاهر الحياة لديهم, أليس كذلك؟ هكذا الحق عندما يجد من يجسده, من يعبر عنه, من يتحرك على أساسه, هو من سيحظى بتأييد الله ونصره وعونه, وهو حينئذ من سيكون محط أنظار الآخرين.
هذه الشواهد بين أيدينا, شواهد من حركة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) , وشواهد من واقعنا نحن في مواجهة الغرب, واليهود والنصارى يعرفون هذه, يعرفون هذه المسألة, عندما يقال لهم: العرب أصبحوا متفرقين, يقولون: لكننا نخشى أن يظهر محمد جديد فيلتفون حوله! يعرفون أن هذه الفرقة وإن حاولوا أن يغذوها بكل وسيلة, هم يحاولون أيضاً أن لا يظهر صوت إسلامي صحيح من أي بقعة كان.
ما الخطورة فيه؟ هم يعرفون هذه كسنة من سنن الحياة, وهم شاهدوها فينا نحن المسلمين ونحن ننشد وراءهم, ونلهث وراءهم, وأننا تخلينا عن ديننا, فسيرون أن مذاهب أخرى أبناؤها سيتخلون عما يكتشف أنه باطل فيها, فيلتفون حول ذلك الحق الذي لمسوا أنه حق وراءه يد الله الغيبية تدعمه.
هذا هو العمل الصحيح للتوحد, وكل من يريد أن ينقد كلامنا من جهة أنه قد يثير آخرين نقول له: ليس المقصود إثارة الآخرين بقدر ما المقصود تصحيح الخطأ, وأن نقترب من الله أكثر, أن نعمل على إحياء ما نعلم أنه من دينه, ما يجعلنا مشدين أكثر إليه, ونحيي كتابه بين أظهرنا.
نحن نحاول أن نقترب من الله, وليس فقط لمجرد الإثارة, أن نثير الآخرين, كان بإمكاننا أن نثير الآخرين, وأن نكون على ما نحن عليه, نقرأ أصول الفقه, وعلم الكلام, ونقول: زيدية, ونحن زيدية, والقرآن تكون نظرتنا إليه كنظرتنا السابقة, ونهاجم الآخرين على هذا النحو.
لكن المهاجمة لا تجدي شيئاً, نحن نقول: نريد أن نعود إلى الله سبحانه وتعالى بجدية من خلال كتابه, وأن نهاجم الأخطاء باعتبارها معصية لله سبحانه وتعالى, وبالشكل الذي يوحي للآخرين أنه لا يمكن أن تجتمع كلمتنا بشكل صحيح يكون فاعلاًً, ومؤثراً, بل لا يمكن أن نحظى بتأييد الله, ونصره, إلا إذا تخلينا عن هذه الأخطاء.
أوليس الناس كلهم, والطوائف كلهم يقولون: أن المعاصي تؤثر, تؤثر فيما يتعلق بالحصول على نصر الله؟ المعاصي المعروفة لدينا, وقد يكون أكبرها في الواقع يبدو هيناً أمام أخطاء رهيبة جداً في اعتقادات كثير من المسلمين, هي المعصية الكبرى بعينها, وهذا ما أكده الإمام الهادي (عليه السلام) أن نسبة الفواحش إلى الله, نسبة القبيح إلى الله, نسبة الظلم إلى الله معصية تقريباً لا أكبر منها, بل يقولون عنها: أنها أكفر الكفر, وأشرك الشرك.
إذاً فهل يمكن أن نثور على معاصي معينة, ونترك المعاصي الكبرى التي تحول دون أي تأييد من جانب الله؟ بل التي تكون سبباً لبقاء الإنتقام الإلهي قائماً ضد من يعتقدون هذه العقائد, أو ينظرون هذه النظرة؟.
نصحح عقائدنا, نصحح أخطاءنا في ثقافتنا, وأن نعمل أيضاً على أن نكون بعيدين عن المعاصي بشتى أنواعها, حتى تكون هذه الأمة, وتكون هذه الفئة, أو هذه الطائفة جديرة بنصر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يخلف وعده, {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} (الحج40).
كيف تنصره؟ ألست تنصر دينه؟ نصرك دينه؟ هل يعد ناصراً لدينه من يعمل على إيصال العقائد الباطلة, أو الثقافة المليئة بالأخطاء إلى الآخرين؟ هل هو ينصر دين الله, أو يشوه دين الله؟ إن الله يعلم, إن الله يعلم, يعلم دينه كيف هو, وما هو, هو الذي نزله, فإذا جهلت أنا, جهلت أن هذا ليس من دينه فالله ليس يجهل, الله لا يجهل, هو يعلم, ووعده مرتبط بمن نصر دينه, وعده مرتبط بمن نصر دينه.
وعندما يريد لعباده أن يتحركوا كمجاهدين في سبيله؛ لإعلاء كلمته, ليس فقط هو لمجرد ضرب الآخرين, بل ليحملوا دينه للآخرين, فليكونوا على مستوى حمل دينه للآخرين, ومتى يكونون على مستوى حمل دينه؟ عندما يصححوا أخطاءهم أولاً داخلهم {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد11).
هذه هي نظرة القرآن: تصحيح الخطأ الداخلي, أن نصحح وضعيتنا أولاً حتى نعلم أنما نعتقده, وما نسير عليه, وما نتحرك به, وما نقوله هو دين الله, وحينئذ يتحرك الناس, وحينئذ سيحظون بنصر الله سبحانه وتعالى, سيحظون بنصر الله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم.
ملزمة الوحدةالإيمانية.
القاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.