المولد النبوي,,, ذكرى عطرة لا يمكن محوها
بقلم / صقر أبوحسن
ارتبطت ذكرى المولد النبوي الشريف, في ذاكرة اليمنين برائحة البخور والطقوس الروحانية التي تحييها المساجد, كتعبير عن فرحة غامرة تكتنف قلب الانسان اليمني بهذه المناسبة العظيمة, تضاف اليها ضحكات الأطفال وهو يتزاحمون لأخذ الحلويات من بعض كبار السن.
اتذكر جيداً, ذكرى المولد النبوي في قريتي الصغيرة بمنطقة آنس, اتذكر ان جدي- رحمه الله- يرتدي افضل ما لدية استعداد لمساء ذلك اليوم, فقد كانت الفترة الفاصلة بين المغرب والعشاء في يوم الثاني عشر من ربيع الاول من كل العام تحمل في طياتها شيء مختلف في حياة البشرية وحياة جدي ايضاً, تبعث من مسجد القرية رائحة البخور وتتصاعد من أركانه اصوات متداخلة لقراء كتاب الله, قبل ان يخطب “جدي ناصر- رحمة الله” عن فضائل قدوم نبي البشرية مقتبسا من سيرته العطرة شيء من القصص والحكايات التي تحمل في مضامينها العبرة والحكمة والخلق العظيم لهذا الاسنان العظين اليت ملأ الدنيا نوراً وبهاء.
كنت صغيراً بقدر يفرحني توزيع الحلويات- الشكليات- علينا من قب كبار السن, عقب أمسية تطرزت فيها ذكر الله وتريدي الأدعية والمأثورات, لمرة واحدة كنت شاهد على ذلك الحضور البهي للموالد النبوي الشريف, بحكم سكني في مدينة ذمار. بعد سنوات طويلة من تلك المشاهد الجميلة المتخمة بذاكرتي, اشعر بحنين الى الاستماع الى قراءة القران بأصوات شجية ترتل القران الكريم بالكثير الخشوع, تلاشت هذه الطقوس تماماً, وربما كادت.
كان ذكرى المولد النبوي يومياً استثناءً في تاريخ الانسان اليمني, فالاستعداد لهذا اليوم, يمتد للعام كاملاً, تذبح فيه الذبائح وتقام مراسيم روحانية تمتد من عصر ذلك اليوم حتى المساء, يوزع اللحوم للفقراء لادخال الفرح الى قلوبهم وترتب المجالس الكبيرة لاحتضان المتحفيين بذكرى مولد سيد الخالق.
دائما ما يسرد على مسامعي زميلي “عبد الباري عبد الرزاق” حكايات جميلة عن احتفال أجداده بذكرى المولد النبوي الشريف في مديرية مغرب عنس, حتى ان احد اجداده اختص الارضي الخصبة كوقف ليوم المولد النوبي الشريف, تذبح فيه المواشي وتقدم لفقراء المنطقة, ويقدم الطعام بشكل سخي للقادمين للاحتفال بهذا اليوم, ويقطف افضل انواع القات ويقدم للضيوف وتقام مجلس ذكر يمتد من عصر ذلك اليوم حتى المساء.
تماماً, كجزءً كبيرة من ابناء اليمن, يحتفون بقوم المولد النبوي الشريف, بطقوس اجتماعية متنوعة تصب في مضامينها الاحتفاء بهذه الذكرى العطرة بالتقرب الى الله عز وجل بالذكر وقراءة القران واعانة الفقراء, والمساهمة في ادخال الفرح الى قلوبهم في هذا اليوم الاستثنائي من كل عام.
في مناطق اخرى بمحافظة ذمار, تتنوع الطقوس الروحانية وتنفذ المجالس وتنظم القصائد المديح, وتمتد امسيات الذكر لتصل الى متنصف الليل, ابتهاج بذكرى المولد النبوي الشريف, وظل “ذكرى المولد النبوي” تاريخ يتذكر ابناء القرى الفقيرة والتي يغلب عليها الامية ديونهم وتاريخ ولادة اطفالهم ومواعيد زواجهم, ويستشهدون به في يومياتهم “قبل المولد, بعد المولد”.
كانت حياتهم بسيطة, قبل ان تمتد الى الوعي المجتمعي, المفاهيم الطائفية التي ترى في احتفال الناس بالمولد النبوي “بدعة” استغلت اقترب اليمنين الى الثقاف الدينية وارتبهم بشكل وثيق بكل مفاهيم الدين, ليسهل على اتباع “المد الوهابي” من تشوية الطقوس الروحانية اليت اقترنت بهذا اليوم الفضيل.
يوماً عن يوم, تتكشف الحقائق, ويعرف الناس يقيناً ان المولد النبوي عادة يمنية اصيلة ومتجذرة في وجدان اليمنين, ولا يمكن ان يتخلوا عنها مهما كان حجم المؤامرات التي تحاك ضد اليمنين للتخلي عن اثر النبي الاعظم في الجهاد والفداء والحضور في الموقف العظيمة التي ترسخ قيم الدين الحق الخالي من شوائب التعصب ومصالح السلطان