الخبر وما وراء الخبر

 خطابات السيد القائد في مناسبات إحياء ذكرى المولد النبوي

67

لا تكاد تخلو خطابات قائد الثورة سمَاحَة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي من مؤكدات رئيسية تمثل المرتكزات الأساسية للتحرك وفق مشروع إسلامي جامع، وتمثل هذه التأكيدات موجِّهات رئيسية للانطلاق منها، وتبدو أَيْضاً كخطط إجرائية مفصّلة في غاية الدقة والإحكام يمكن منها استنباط تقييم شامل لواقع المرحلة الماثلة، إضافة إلى أولوياتها وآليات التحرك فيها لمواجهة مشروع قوى الاستكبار الصهيوأمريكي وأذيالهم في المنطقة.
وحين يتحدثُ السيدُ القائدُ فإنه يخاطب الأمة الإسلامية والعربية بأجمعها، ولهذا فإن خطاباته في مناسبات المولد النبوي تعتبر في العادة رؤيةً رصينةً ومفصّلةً لمقتضيات مرحلة بكامل جوانبها، ليس للشعب اليمني فقط، وإنما لشعوب الأمة العربية والإسلامية قاطبة، في تأكيد على واحدية المشروع والخصم، وتماثل بيئة الاستهداف للجميع على حدٍّ سواء.
ودائماً ما تأتي خطاباتُ السيد القائد للشعب اليمني لرسْم الخطوط العريضة للمشروع القرآني، ومجالات التحرُّك لمرحلة معينة، فلم تكُن خطابات قائد الثورة التي يلقيها بمناسبة الاحتفالات الجماهيرية بذكرى المولد النبوي الشريف، خطابات عابره كتلك الخطابات التي يُلقيها بعض الزعماء في عصرنا الحالي، والتي تكون متناقضة تارة، ومُفرغة من مضمونها تارة اخرى، بل على العكس من ذلك ، فقد كانت خطابات السيد القائد خطابات ناجعاً، وذو دلالات استراتيجية تتضمن التحليل والتشخيص الدقيق للإشكاليات التي تعاني منها الامة، والواقع المأساوي التي تعيشه، ومن ثم يُقدم الحلول والمعالجات المناسبة لتلك المشاكل وفق منظومة متكاملة، وهذا ما تؤكده الادبيات الاستراتيجية التي تُشير الى ضرورة التحليل والتشخيص الدقيق للإشكاليات ووضع الحلول والمعالجات المناسبة لها.
في كل مناسبة لإحياء مولد النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، يتوزع الخطاب فيها، ليكون أولاً خطاباً يقدم إضاءات فكرية وفلسفية عميقة لمعنى النبوة والرسالة المحمدية، وثانياً يكون خطاباً عربياً إسلامياً عالمياً، يشرح واقع الأمة وجوانب القصور فيها، ويضع جميع شعوب الأمة أمام مسؤولياتها الحتمية وضرورة مواجهة المشروع المعادي ويشدد التأكيد على القضية المركزية للأمة وهي القضية الفلسطينية، كما يكون ثالثاً خطاباً يمنياً وطنياً خالصاً يضع نقاط العدوان المتوحش على الحروف في مواجهة أكبر الآلات العسكرية والامبراطوريات المالية في العالم والذي يقترب من إغلاق عامَه الرابع؛ بهدف استعباد وتركيع الشعب اليمني والقضاء على ثورته المباركة، كما أنه خطاب سياسي من الطراز الأول، وديني من المستوى الرصين، وثقافي توعوي اجتماعي شامل، يحاكي جميع تطلعات الشعوب وآمالها ويرسم ملامح المؤامرة الممتدة على الأمة بجلاء.
وفي ضوء ذلك، يمكِنُ قراءةُ الخطابات السابقة لاسيما في ضل العدوان على اليمن من خلال عدة مسارات رئيسة وردت في خطابات السيد القائد منذ العدوان الغاشم على اليمن، وذلك على النحو التالي:

إضاءات فكرية وفلسفية عميقة لمعنى النبوة والرسالة المحمدية:
تمثل شخصية الرسول صلوات الله عليه واله في خطابات السيد شخصية محورية عظمى للوحدة الاسلامية والانسانية، بما يمثله من نور، وهدى، ورحمه، وعدل، وكرامة، ومثال عظيم للحركة، والعمل، والصبر، والمثابرة، والجهاد، والقدرة القصوى على بناء الشخصية السوية وتربيتها والارتقاء بها في مدارج الكمال، وبتلك السجايا الانسانية وبالتأييد والعناية اﻻلهيه.
وتتضمن خطابات السيد القائد على إضاءات فكرية وفلسفية عميقة لمعنى النبوة والرسالة المحمدية تعبر عن أن فاعلية الإسلام تكمن في إستمراريته، وحضوره في الواقع الاسلامي تعبيراً عن اﻻنتماء والارتباط والنهج الحياتي العام والخاص، وليس كحالة ماضوية منفصلة عن الراهن والمستقبل كما هو حال المسلمين غالبا اليوم.
ويشير السيد عَبدالملك الحوثي في خطابة بمناسبة المولد النبوي الشريف للعام 1438هـ، إلى أن الرسالةُ الإلهيةُ هي المشروعُ الوحيدُ، وليس هناك أَيُّ مشروعٍ آخرَ، وأنها المشروعُ الوحيدُ القادرُ على إحداثِ التغييرِ الحقيقي للواقع البشري، لتقديمِ الحلول الواقعية للبشر؛ لأنها مشروعٌ شاملٌ يتجهُ للإنْسَـان نفسِه، فيغيّر ما بنفسه من ظُلمة ودنس، فإذا صَلُحَ الإنْسَـانُ صلحت الحياةُ بكلها وصَلُحَ واقعُه؛ لأنها مشروعٌ يصنعُ الوعيَ ويزكّي النفسَ ويأخُذُ بيدِ الإنْسَـان في الحَياة في الطريق السويّ ويهدي للتي هي أقوم، ولذلك يؤكد أنه خلاصَ اليوم للبشرية بأيِّ بديل عن رسالةِ الله تعالى ولا حَلَّ يُغيِّرُ الواقعَ بكله إلا الانفتاحُ على الرسالة الإلهية، على رسالةِ الله ونورِه، ولا صلاحَ لآخر الأُمَّـة إلا بما صَلُحَ به أَوَّلُها.
ويبين إن العنوان العظيم للرسالة والرسول هو الرحمة، قال الله سبحانه وتعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ، وأن القرآن الكريم بهديه العظيم وتعليماته النافعة رحمة للإنسان ورحمة للمجتمع الذي يهتدي به فيما يصنعه من أثر عظيم في نفس الإنسان سموا وزكاءً وطهرا يخلص النفس البشرية من الأثر السيئ للضلال الذي يشقيها ويعذبها ويحولها إلى نفس شريرة حقودة مشحونة دنيئة خسيسة منحطة تحمل نزعة الشر والإجرام وتفقد الشعور الإنساني الفطري الرحيم والمحب للخير والتواق لمكارم الأخلاق والعطوفة بالرحمة.

تشخيص واقع الأُمَّــة وجوانب القصور فيها ومسؤولياتها الحتمية:
بعد إن انحرفت الأُمَّــة عن مشروع الرسالة المُحمدية، ولم يعُّد من الاسلام إلا اسمه، وأصبح واقعَ الأُمَّــة مأساوي؛ يقّدم السيد القائد في خطاباته تشخيص دقيق لأبرز الإشكاليات التي تعاني منها الأُمَّــة في عصرنا الحاضر والتي تتخلص في عدة إشكالات كانت نتيجة انحراف عن أَسَــاسيات هذا الدين، منها الاختلال الرهيب في الوعي في وَاقع الأُمَّــة، والاختلالٌ الكبير في القيم وَالأَخْلاق، وغياب المشروع الحقيقي للأمة الذي يعٌد منشأ كلّ مشاكل هذه الأُمَّــة.
وبعد أن قدّم الإسْــلام بقرآنه وتعاليم رسوله ما يكفل للإنْـسَـان أن يكون على أرقى مستوى من الوعي والبصيرة ومحصناً لا يتأثر بخداع وتضليل الآخرين، ولا يحمل في فكره مفاهيم مغلوطة، أصبح المسلم اليوم في كثير من البلدان مجرَّداً من الوعي قابلاً للتأثير، وهنا يبن السيد القائد إن الاختلال الرهيب في القيم والأَخْلاق هو نتيجة انحراف عن رسالة الإسْــلام وقيمه وان هذا ملحوظ بشكل كبير في وَاقع الأُمَّــة، وانعدام لكل القيم والأَخلاق.
ويضع السيد عبد الملك يده على الداء قبل ان يعطي الدواء، حيث اعتبر أن غياب المشروع الحقيقي للأمة هو منشأ كُلّ مشاكل الأُمَّــة، ويقول أن هذه الأُمَّــة يُفترض أن لها رسالةً وَمشروعاً وَهدفاً تبني واقعها؛ لتكون أمة عظيمة قوية تقدم النموذج العالمي كأمة حضارية راقية واقعها قائم على الأَخْلاق وعلى القيم وَعلى العدل وتنشر الحق والخير إلَى أرجاء العالم، ويقدم تشخيصاً لحالة الأمة عند غياب المشروع الحقيقي ونتائج ذلك بالقول انه حينما غاب المشروع الحقيقي للأمة حلّت بدائل عنه هي مشاريع الأَعْـدَاء ومؤامراتهم التي تستهدفها بالدرجة الأولى ، فكان البعثرة والتفكيك اليوم مشروع رئيس للأَعْـدَاء ينفذ على أيدي محسوبين على هذه الأُمَّــة كالنظام السعودي الجائر المستكبر الغبي الجاهل المسيء إلَى السلام ، وَالجماعات التي انتجها وفرّخها وصنعها مع أَمريكا وإسرائيل ، وأن السعي كُلّ السعي من كُلّ هؤلاء الذين هم يد للعدو في داخل الأُمَّــة وكل جُهدهم ينصبُ في فرض تبعية عمياء وغبية لتطويع الأُمَّــة وتسخيرها لأعدائها.
القضية الفلسطينية

يحرص السيد القائد في خطاباته على تكرار وتأكيد نقاط ثابتة لتظل حاضرةً في ذهنية كُلّ يمني وعربي ومسلم، والتأكيد في المقام الأول على القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية (القضية الفلسطينية)، ويؤكد على الموقف الثابت المبدئي والديني والإنْـسَـاني والأَخْلَاقي في التضامُن مع شعب فلسطين المظلوم وحقّه في الحُريّة والاستقلال واستعادة كاملِ أرضه واستعادة مقدّسات الأُمَّــة وعلى رأسها الأقصى الشريف”.
ورغم العدوان العالمي والحصار الجائر الذي يتعرض له الشعب اليمني إلا أن السيدَ لا يتوقف عن التأكيد عن أولوية وأهمية القضية الفلسطينية، وإنَّ الشعبَ اليمني من واقعِ انتمائه الإسْـلَامي وهُويته الإِيْـمَـانية وإنْسَـانيته، متمسكٌ بقضايا الأُمَّـة، لن يبعدَهُ عنها انشغالُه بمواجَهة العُـدْوَان، وفي مقدَّمتها القضية المركزية المتمثلة بمظلوميةِ الشعب الفلسطيني واحتلال الأقصى والمقدّسات، وما يمثّله العُدوُّ الإسرائيلي من خطر على الأُمَّـة بكلها، ليؤكِّدُ على الدوام الوقوف الصادقَ وتضامنه الدائم مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض اليوم لمؤامرة كبيرة لتصفية قضيته بشكل مكشوف ومفضوح، مبيناً أن هذه المؤامرة الشيطانية يتولاها لنظام السعودي، وبعض الأنظمة العربية في خدمة مجانية لإسرائيل.
وقد يقول قائل بأن اليمنيين لا ينقصُهم العُذرَ إن شغلتهم أولوياتهم عن قضايا الأمة الأخرى إلا أن هذا القول يأتي في سياق مشروع العدو الذي يهدفُ إلى تمزيق الدول العربية وتشتيتها وإشغال كُلّ قُطر عربي بمشاكله الخاصة، وهو ما رفضه اليمنيون، وكان التحرك الكبير والقوي للشعب اليمني للتضامن مع فلسطين هو أحد أهم الأسباب التي تؤرق إسرائيل ويجعلها شريكاً مباشراً في هذا العدوان القائم على اليمن.
كما يؤكد السيد على “اعتبار العدو الإسرائيلي الغاصب لفلسطين عدواً لكل الأُمَّــة وخطراً على الأمن والاستقرار في العالم أجمع، واعتبار كُلّ أشكال التطبيع للعلاقات معه من كافة الأنظمةِ المحسوبة على المسلمين خيانةً ونفاقاً بكل ما تعنيه الكلمة”، وهو أمرٌ في غاية الأهمية في ظل حملات تطبيع علنية مع الكيان الصهيوني تقودها دول عربية “كالسعودية والإمارات” وفي ظل اصطفاف عربي إسرائيلي تجاه العديد من قضايا الأمة.

التحرك الجاد والمسؤول مضاعفة الجهود لمواجهة العدوان على الشعب اليمني:
يتركز جزء من خطابات السيد القائد على الشأن اليمني، حيث يدعو كُلَّ الأحرار والشرفاء من كُلِّ فئات الشعب في اليمن المظلوم إلَى مواصَلة التَحَـرُّك الجادِّ المسؤول في التصدِّي للغُزاة والمعتدين والاستنهاض المستمرّ في أوساط الشعب لدعم الخيارات الاستراتيجية وتحرير كُلِّ شبر محتلٍّ من البلد، بالتوكل على الله تعالى وبالعمل والجِهاد والتضحية في سبيله تعالى حتى يتحققَ للشعب العزيز نيلُ الحرية والاستقلال وينعمَ بالأمن والاستقرار.
وفي ظل تحرك العدو بكل إمكاناته الكبيرة والضخمة لاستهداف الشعب اليمني والعمل على تركيعه يأتي كواجب حتمي وضرورة قصوى أن يواصل اليمنيون التحرك في مواجهة الغزو ومضاعفة الجهود أَيْضاً، ولهذا نجد في كل خطاب تأكيد السيد القائد إنَّ خيارَ الشعب اليمني العزيز في مواجَهة هذا العُـدْوَان الإجرامي الوحشي الذي يقتُلُ البشرَ ويحتلُّ الأرضَ وينتهكُ الحُرُماتِ وينشُرُ الفُرقة ويحاصر الشعبَ في قُوته ومعيشته ويستهدفه في مقدراته ومصالحه، هو الصمودُ والثباتُ والمواجهة، فلا وَهنَ ولا ذُلَّ ولا استسلامَ، يأبى اللهُ لنا ذلك ورَسُــوْلُه والمؤمنون، وذلك من منطلق أن هذا الشعب هو شعبٌ عزيزٌ بعزّةِ الإِيْـمَـان، ولله العِــزَّةُ ولرَسُــوْلِه وللمؤمنين، وطالما استمر هذا العُـدْوَانُ يقول السيد القائد “فلن نألوَ جُهداً في التصدّي له بكُلِّ عزمٍ وجِــدٍّ، وبالتوكُّل على الله تعالى وبثقتنا به وبوعده لنا بالنصر”.
ويشرح السيد القائد كُلّ هذا بالتوكل على الله أولاً حتى تحرير كُلّ شبر من الأرض اليمنية، وهو ما يمثل استراتيجية الثورة التي لن تساوم أَوْ تفاوض في سيادة البلاد وحريتها، حيث يؤكد السيد مراراً وتكراراً أن المقاوَمة للغزاة ستستمر مهما كلّفت من ثمن ومهما طال أمَدُها حتى تحقيق الحرية الكاملة لليمنيين وكل شبر من الأرض، ناسفاً أوهام الغزاة بأن الآلة العسكرية المتوحشة يمكن أن تفُتَّ من عَضُدِ اليمنيين أَوْ تضعف عزمهم ليرضخوا أَوْ يستسلموا، وأن القوة لن تحقق للعدو مبتغاه كما لن يحقق له المال أَوْ المفاوضات ذلك في ظل ثورة شعبية حاشدة انطلقت من وعي قرآني جامع ترفض الارتهان والعمالة للمشروع الأمريكي وتطالب بمطالب عادلة ومحقة.

ويؤكد أنه “لا وهن أًبداً، ويمكنُنا أن نصمُدَ ولو عبرَ الأجيال وليس فقط على مستوى هذا الجيل”، وهنا ينتقل السيد بالمواجهة إلى بُعد جديد لا يحدده الزمان أَوْ المكان، مؤكداً أن الصمود سيستمر عبر أجيال وحِقَبٍ طالما استمرَّ الاستهدافُ والمؤامرة “أكثر من جيل واحد”، ولن يكون مطلقاً استسلام أَوْ قبول بهذا المشروع، مؤكداً على عزم وثبات ووعي وهمَّة وفتوة وشجاعة وقوة الأجيال الصاعدة، ما سيجعل المعركة أشدَّ إيلاماً على العدو يوماً بعد يوم، ولو استمرت المعركة حتى يوم القيامة (نهاية الزمان).

دعواته المتكررة للتكافل الاجتماعي، ورعاية الفقراء والمحتاجين:
وفي ختام كل خطاب نجد دعوة السيد القائد المتكررة على العناية القصوى بالتكافل الاجتماعي، ورعاية الفقراء والمحتاجين، سيما مع ظروف الوضع الحالي نتيجة للعدوان، والذي تفاقمت فيه المعاناة الاقتصادية، ويعاني البعض لدرجة المجاعة، وفي ظروف كهذه تعظم المسؤولية ويكبر الشرف، ويتضاعف الأجر في الرحمة بالمعانين.