دروس من هدي القرآن الكريم
(ملزمة مسؤولية طلاب العلوم الدينية)
(4)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 9/3/2002م اليمن – صعدة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم – أيها الإخوة – ورحمة الله وبركاته أتشرف بالجلوس معكم، شرف عظيم لنا أن نجلس في بيت من بيوت العلم، ومع شباب هم معلمون، وطلاب علم.
لاحظ كيف انتهى المشوار الذي قد يكون عند الآخرين يعني الضياع والابتلاء والمصائب والمشاكل، فعلاً أدى بموسى ذلك الموقف إلى أن يصل إلى هذه الحالة، لكنه ارتبط بمن لا يضيع أولياءه، ارتبط بالله الذي لا يضيع أولياءه، ألم يصل موسى إلى درجة الصفر؟ {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} يبدأ المشوار التصاعدي الذي يبرهن على أن الله لا يضيع أولياءه من بعد تلك الحادثة {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} (القصص: من الآية25) ما هذا بداية المشوار أن يحصل على الرعاية؟. {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}(القصص: من الآية25) انطلق {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ}(القصص: من الآية25) أليس هذا أول نعمة؟ وأول ما حظي به؛ لأنه وثق بالله؟ هل فكر عندما رأى نفسه لا يمتلك شيئاً أن يعود من جديد إلى فرعون ويعتذر مما صنع؟ أم أنه كان في تلك الحالة عظيم الثقة بربه فلم يضيعه الله، فبدأ مشوار الرعاية الإلهية من هنا. تحقق له الأمن {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(القصص: من الآية25) ثم ماذا؟ زوَّجه بإحدى بناته، وبقي عنده فترة طويلة، ثم بعد ذلك يتوجه إلى مصر بأغنامه, بمواشيه مع زوجته، ثم في الطريق حتى لا يعود إلى مصر إلا وهو في أعلى مقام يمنحه الله سبحانه وتعالى، خرج من المدينة خائفاً يترقب أليس كذلك؟ إنساناً عادياً فليعد نبياً يهدد جبروت وملك ذلك الطاغية، فتأتيه النبوة في الطريق، لماذا لم تأته النبوة وهو في بيت شعيب؟ أو ينتظر الموضوع حتى يصل مصر؟ في الطريق، مشوار تصاعدي نحو الكمال الإلهي والرعاية الإلهية، مصاديق الرعاية الإلهية، الدلائل العظيمة على أن الله لا يضيع أولياءه، تأتيه النبوة في الطريق فيدخل مصر وهو رسول لله، رسول لله واثق من الله، يرى أن غاية تلك الرسالة قد تكون في الأخير هو أن ينتهي ذلك الجبروت وذلك الظلم. خرج خائفاً فيعود إلى مصر فيدخل قصر فرعون ويطالب فرعون بتوحيد الله وعبادته، ويطالبه أيضاً بتحرير بني إسرائيل {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُم}ْ (طـه: من الآية47). القضية التي أهمته في البداية هاهو يعود لتحقيقها والمطالبة بها وهو في أرقى مستوى، أليس الله معه هنا؟ {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُم} تأتي مسيرة النبوة في مصر.. وماذا يحصل؟ في الأخير يحكي الله عن تلك المرحلة في تلك الآية العظيمة التي هي عبرة للناس جميعاً {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص:6) يقول هذه قبل بداية القصة {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}(القصص: من الآية7) ثم تكلم عن القصة. ما الذي حصل؟ ألم ينته جبروت فرعون وهامان على يد موسى؟ ألم ير أولئك المستضعفون فرعون وقومه في أعماق البحر؟. هذه رعاية إلهية تكون لأوليائه، ومثل يضربه الله للسائرين على هديه. من الذي يحتاج إلى فهم دروس داخل هذه القصة؟ من الذي يحتاج؟ من يبحث عن ما يسمى بحكم شرعي؟. ونحن حتى ننسى مثلا أن هناك واجبات شرعية علينا كطلاب علم كحملة علم أمام الآخرين، ننسى حتى أن نُصنِّفها ضمن قائمة الأحكام الشرعية. القصة هذه يحتاجها كل إنسان يحمل اسم إيمان، يحمل اسم تقوى، يأخذ منها الدروس العظيمة التي تعزز ثقته بالله من حيث أن الله صادق في وعده, لا يضيع أولياءه، ومن حيث أن الله قادر قاهر، عالم جبار، غالب على أمره. وهكذا يأتي مثل آخر في نبي الله يوسف (صلوات الله عليه) ونفس الكلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:22) عندما تكون محسناً اللهُ سبحانه وتعالى يرزقك علماً، يرزقك حكمة، إذا لم تكن محسن فما لديك من العلم قد يكون وَبالاً عليك, ووبالاً على المجتمع! كيف؟. عندما يبرز مثلا مجموعنا أو نصفنا علماء لكننا علماء لا نهتم بشيء سنكون وَبالاً على المجتمع؛ لأن المجتمع نفسه قد يصل به الحال إلى أن يُظلم، ويُضطهد، ويضيع، وتمسخ أخلاقه، وتفسد معتقداته ونحن صامتون. من المسؤولية عليه؟ أليست المسؤولية على من يحمل علماً؟ أليس واقع ذلك المسكين في المدن أو في الأرياف عامّة الناس من قد يضلون من حيث لا يشعرون، قد تفسد عقائدهم، تفسد أخلاقهم، يُظلمون, يضطهدون، وأنت يا من تحمل علماً وترتبط بكتاب الله ليس لديك أي موقف أن تهدي الآخرين، أن تبين للآخرين، أن تتبنى مواقف فيها إحسان إلى أولئك الآخرين. ألم يَعُد الله سبحانه وتعالى الجهاد إحسانا عظيما عندما قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69) لماذا الجهاد إحسان؟ إحسان إلى من؟ أليس إحساناً إلى الأمة؟ أنت عندما تجاهد، تجاهد من أجل من؟ في سبيل الله والمستضعفين. أنت عندما تجاهد إنك تقدم أفضل وأحسن خدمة للمجتمع، تنقذهم من الظلم، من الفساد، من الضياع، تنقذهم من شرور كثيرة جداً، أليس هذا هو من الإحسان؟ الله يعِد بالهداية للمحسنين. أنت عندما تكون طالب علم هل تريد أن تهتدي وتهدي الآخرين؟ هل أنت تَنْشُد الهداية من الله؟ أم أنني أرى أن الهداية لها برنامج خاص لا يحتاج إلى أن أسلك هذه الطريقة التي سماها الله سبحانه وتعالى [إحساناً]، أنا لا أحتاج إلى الله, هناك طريقة معينة! الهداية كلها مرتبطة بالله، وقد كررنا هذا الكلام أكثر من مرة؛ لأننا نحن طلاب العلم أحوج الناس إلى أن نعرف هذه القاعدة: أن الهداية يجب أن تنشدها من الله، مع قراءتك مع مطالعاتك، مع طلبك للعلم، يجب أن تنشد الهداية من الله، بأن تسلك أسبابها حتى تحصل على العلم، وتحصل على الحكمة، ومتى ما حصل الإنسان على العلم والحكمة، متى ما كان محسناً حينئذ قد يكون علمه هدى، قد يكون في علمه ما يهدي نفسه ويهدي الآخرين فيكون عنصرا خيراً، يعمل في سبيل الله، وفي سبيل المستضعفين من عباده. إذا لم يكن لدينا هذا الشعور، أنا أقول إذا لم يكن لدينا هذا الشعور فلا ينبغي أن نطلب العلم.. أنت تطلب العلم من أجل ماذا؟ لو سألنا أي واحد منا: هل أنت تطلب العلم من أجل ماذا؟ هل من أجل أن تصبح عالماً تحظى باحترام الآخرين فقط، تحظى بإجلال الآخرين فقط؟ أم أنك تريد أن تعرف ما ينبغي أن تعرفه من هدي الله سبحانه وتعالى، من هدى الله. أطلب العلم أي أتعرف على دين الله الذي أهتدي به وأهدي الآخرين به، الذي أسير عليه في حياتي، وأعمل على أن يسير الآخرون عليه في حياتهم، أليس هذا هو ما يجب أن يكون هدف طالب العلم؟. إذا كنت تريد هذه الغاية فاسلك السبيل التي رسمها الله في القرآن الكريم.. لا تتصور أن كل شيء هو في الفنون الأخرى، ليس كل شيء في الفنون الأخرى، بل ربما فيها ما يعيقك عن أشياء عظيمة ومهمة داخل كتاب الله سبحانه وتعالى. إذا كان – ولا سمح الله ونعوذ بالله – هدف الإنسان من وراء أن يطلب العلم هو أن يحظى بماذا؟ بأن يقال له عالم، أن يحظى باحترام الآخرين وإجلالهم حينئذ سيكون هو من يعرض نفسه ويعرض المجتمع لمساءلات كثيرة جداً أمام الله سبحانه وتعالى يوم يلقاه، ويعرض نفسه والمجتمع لضياع في هذه الدنيا.. إذا كنا مثلاً لا نفهم أن علينا ونحن طلاب علم في مرحلة كهذه أن نتحقق المسألة نتحقق القضية حتى نرسم الغاية الصحيحة التي نرى فيها إنقاذ أنفسنا وإنقاذ المجتمع، فلن نكون أكثر من نسخ متكررة لمن هم لا يقدمون ولا يؤخرون، بل لا يكادون يفهمون ما يدور حولهم. الإنسان عليه أن يعتمد على الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يفهم أن في هدى الله ما يجعل علمه واسعاً، ما يجعل وعيه عالياً، ما يجعل فهمه ثاقباً، ما يجعل روحه قوية، ما يجعل نفسه قوية، ما يجعله جديراً بأن يسمى ولياً من أولياء الله، الذي هو في واقعه أضعف من أولياء الشيطان، نفسيته أضعف، علمه أضعف، قدرته أضعف، وعيه أضعف، كيف يمكن أن يصح أن يقال له ولي الله؟. كيف يصح أن يقال له ولي الله؟. بل كيف يصح أن ينسب إلى الله؟. فيقال بأنه [عبد الله]، يقال له [ولي الله]، وأنت في واقعك أدنى وعياً، وأدنى فهماً، وأقل اهتماماً من أولياء الشيطان. أليس بنو إسرائيل؟ أليس اليهود وهم يعملون على إقامة دولة إسرائيل يقال عنهم أنه كان لديهم اهتمام كبير لدرجة أنه كان أي أسرة قبل أن تُقْدُم على الطعام بعد أن تضع المائدة تقف الأسرة كلها من حول المائدة وكلهم يقسمون أولاً قبل أن يجلسوا على الطعام يقسمون بالله أن يعملوا جادين جاهدين على إقامة وطن لليهود. وعندما تحرك اليهود وتوافدوا من مناطق متعددة نحو فلسطين كان اليهود في مختلف بقاع الدنيا من أغنى رجل إلى أفقر رجل يتعاونون في دعم إسرائيل حتى قيل: أن اليهودي الذي كان يشرب الدخان، كلما يخرج حبة ليشربها ينزع حبة ليضعها في علبة أخرى لدعم إسرائيل، ثم تُجمع كل تلك السجائر لتعلب من جديد وتصدر للبيع، ثم عائداتها تسلم لدعم إسرائيل، فتجتمع مئات الآلاف من الدولارات ومن مختلف العمولات لدعم إسرائيل. هذا الفقير الذي لا يمتلك إلا حبة دخان، والتاجر يدعم بما يمتلك، يدعم بالملايين لهذا استطاعوا أن يكونوا على هذا النحو، حملوا اهتمام موسى، ونحن أولى بموسى منهم، ونحن أولى بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) نمتلك اهتمام محمد.. لا نعرف اهتمام محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ولدينا القرآن الذي يجب أن يربيك على الاهتمام!.