الخبر وما وراء الخبر

توازُنُ الردع في الثقافة القرآنية

28

ذمار نيوز || مقالات ||
[ 21 سبتمبر 2019مـ -21 محرم 1441ه ]

بقلم / عبدُالحميد الغرباني

تنذرُ عمليتا توازن الردع الأولى والثانية بمستقبل قاتم للنظام السعودي وغيره من الأنظمة المتورطة في العدوان على اليمن، ووحدَه توقُّفُ العدوان وَالحصار ما قد يجنِّبُ قوى الشر وَالعدوان مخاطرَ وتداعياتٍ لا تتوقَّعُها، كما أن ذلك ما سيتيحُ لها الخروجَ من هذا المأزق الذي يعاظمُه اليمنُ كُـلَّما وسّع من مروحة أهدافه..

أما لماذا يتعاظمُ مأزِقُ السعودية وَغيرها؟ فيعودُ ذلك لأسبابٍ عدةٍ تبدأ مع تميّز المسيّرات اليمانية بدقة الاستهداف ومدياته وفاعليته وقبل ذلك كله تحديد الأهداف ومراقبتها كلما قرّرت القيادةُ ذلك.

معضلاتُ قوى العدوان لا تنتهي، فغير التميز السابق ثمة آخر يتعلقُ بصعوبة رصدها وَمواجهتها وقد ثبت للمرة الألف أن نظامَ الباتريوت غيرُ ناجع أمام الصواريخ البالستية، ناهيك عن الطائرات المسيّرة..

أضف إلى ذلك عدم امتلاك الشيطان الأكبر نفسه -وليس أدواتها في المنطقة فقط- لاستراتيجية أمنية مضادة قادرة على كبح أية عمليات للمسيرات اليمنية وللصواريخ البالستية..

الباتريوت: السلاحُ الفاشل

لا بأسَ هنا من إيراد اعترافات وانتقادات الأعداء أنفسهم، وكفى بها دليلاً وشاهداً على أن العُقدة بالنسبة لهم في عنق الزجاجة.

يقول فليب كويل وهو المدير السابق لبرنامج تجارب البنتاجون “إن نسبة نجاح الباتريوت خلال التجارب كانت مخزية”.

أما رئيسُ هيئة القيادة الاستراتيجية الأمريكية الجنرال جون هايتن فسبق أَيْـضاً وأجاب بالنفي على نجاعة المنظومة لدى سؤاله..

أما جوزيف سيرينسيوني وهو خبيرٌ أميركي في عِلم الصواريخ فأكّـد غيرَ مرة أن “القوة العسكرية (السعودية) في اليمن بدأت بالتبخر وقد تلقت أكبر دليل مذِلّ لها”. في إشارة منه إلى انعدام فاعلية صواريخ الباتريوت الأمريكية..

كما أن أسبوعية ناشيونال انترست كانت في وقت سابق قد تحدثت عن مخاطر شن الولايات المتحدة حرباً استناداً إلى “ثقة زائفة بأن لديها وقايةً كافية لاعتراض وإسقاط الصواريخ المعادية، بينما حقيقةُ ما يتوفر لديها لا يعدو غربالاً”.

راداراتٌ عاجزة

الطائراتُ المسيرة أَيْـضاً تشكِّلُ تحدياً كبيراً يؤكّـد الخبراء العسكريون حول العالم بأنه ليس هناك من نظامٍ ناجع حتى الآن لمواجهتها فهي غيرُ قابلة للكشف بشكل عام بواسطة رادارات الدفاع الجوي، كما أن رصدَ موقعها صعبٌ جِـدًّا، وفي تقرير بثته قناةُ الحدث التابعة للنظام السعودي يقول أحد المحللين العسكريين الغربيين: إن “إسقاط طائرة مسيرة بصاروخ باتريوت هو كمحاولة قتل بعوضة”..

كما أن قدرات الدفاعات الجوية التقليدية مصممة لإسقاط صواريخ بالستية وطائرات عسكرية وغيرها واستخدامها في المواجهة مع الطائرات المسيرة يعتبر حلولاً غيرَ مستدامة ومكلفة جِـدًّا جداً..

ثغراتُ تكنولوجيا العدوّ: بوابةُ التوازن

بالنسبة للعسكرية اليمنية المواجهة للعدوان مثّلت كُـلّ تلك الثغرات بوابةً مفتوحةً للوصول إلى التوازن أَو التكافؤ العسكري الذي بدا ممكناً ومتاحاً من خلال استغلال نقاط الضعف وَالثغرات التي تستوطن تكنولوجيا القوى المعادية.

والسؤال هل كان الأمر محضَّ صُدفة أم أن له أَسَاساً؟ وَإذَا كان له أَسَاسٌ فما هو في الثقافة القرآنية؟ وهل يمكن خوض الصراع في ظل انعدام التكافؤ في القدرات مع العدوّ؟

وهل يمكن تحقيق عملية توازن ردع وتحقيق معادلات ردعية دون الأخذ بهذا المبدأ العسكري؟؟؟

وتساؤلاتٌ عدة يمكن معرفة الإجابة الكاملة عنها بالإجابة على سؤال ماذا يعني التكافؤ في الثقافة القرآنية؟..

بعيداً عن سد فجوة اللاتكافؤ في القدرات بوفرة الفائض في الإرادات، صوّب الشهيدُ القائد الفهمَ الشائع والمغلوط عن هذا المبدأ العسكري ووسّع أمام رجال الله وجنوده أُفُقَ المواجهة وعلى أَسَاس من هدى الله، وبعد التأكيد على أن المسلمين ملزمون أن يطوّروا أنفسَهم على أرقى مستوى ويعدوا كُـلّ القوة وبالبناء على يقين صلب بأن من تكفل بالنصر لا يمكن أن يغفل عن توفير سبل إسقاط الأسلحة التي قد تنتجها تكنولوجيا العدوّ أما لماذا؟

فيؤكّـد الشهيد القائد سلام الله عليه أن من السنن الإلهية استحالة السماح للعدو أن يكبرَ دون أن يكونَ فيه نقاط ضعف كبيرة..

يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي: “يوجدُ فهمٌ مغلوطٌ لمسألة التكافؤ، يعني يتصور أن القضية هي قضية مثلاً حديد عند العرب قوة أُخرى تعطل تلك القوة، ما تحتاج لها ربما خبرات نهائياً؛ لأَنَّ هذه سُنة إلهية لا يسمح للعدو أن يكبرَ دون أن يكونَ فيه نقاطُ ضعف كبيرة.

أمريكا عندها تكنولوجيا متقدمة جِـدًّا عندها سلاح متطور عندها جيش كبير عندها عتاد عسكري كثير جِـدًّا. لكن لو أن العرب قاطعوها اقتصادياً وقطعوا النفط ـ هذا العمل هل فيه تكنولوجيا؟ أَو فيه شيء؟ ـ لانهارت، لو سحبوا أموالهم من بنوكها لانهارت أمريكا.

أيضاً إذَا هناك فهمٌ لما هو التكافؤ المسلمون ملزمون أن يطوروا أنفسهم على أرقى مستوى أن يعدو كُـلّ القوة لكن وقوة واحدة يجب أن تكونَ لديهم دائماً ومسيطرة على مشاعرهم. مسألة التوازن مسألة التوازن هذا نفسه أن تفهم سنناً أُخرى لا تأتي تقارن بين نفسك بأن ما عندك إلا بندق أَو عندك حاجة بسيطة والآخر عنده طائرة وعنده كذا فتقول متى ما قد عندي طائرات ودبابات وعندي كذا وعندي كذا… إلخ فسأعمل كذا ما هو قد يقول الناس هكذا؟. لا افهم في الواقع بأنّ هذا العدوَّ الكبيرَ يوجد ثغرات لديه يوجد نقاط ضعف رهيبة جِـدًّا يوجد وسائل في متناولك أن تعملها تؤثر عليه، وأنت في مواجهته أنك فعلاً تؤثر عليه فعلاً خَاصَّةً في الزمن هذا الحرب في الزمن هذا وإنْ بدت أرهب هي أسهل هي أسهل ووسائل مواجهة العدوّ كثيرة ومتنوعة في متناول الناس أن يعملوا الكثيرَ منها، ففي يديك وسائلُ تعيقُه عن استخدام السلاح الكبير ذلك. إذاً هذا توازن أليس توازناً؟” انتهى الدرس الرابع من مديح القرآن..

فحين كان العرب يتعللون بضرورة توازن في التكنولوجيا مع العدوّ، يختصرُ الشهيدُ القائدُ الطريقَ ويزيح الذرائعَ للمنظومة العربية الرديئة ويقدم من وحي القرآن الحلَّ الناجعَ في وجه ما يوصف بالقدرات الأمريكية الرادعة، وَبهذه الأطروحات القرآنية ملأ المجاهدون خطوطَ المواجهة مع قوى العدوان وبها أنجزوا انتصاراتٍ وُصِفت بالمعجزة وفي وجه تحديات العدوان..

انتظم رجالُ الله في تطوير ما يحوزه اليمنُ من صواريخَ بالستية قبيل تدعيم ذلك بصناعة الطائرات المسيّرة وعلى قاعدة (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ…)..

وفي ذات الدرس يضيف سيدي حسين (ع):

“نريد توازناً، أي أن يكونَ عندنا تكنولوجيا مثلما يوجدُ عند أمريكا نفسها، يكون عندنا من الأسلحة مثلما عند أمريكا نفسها! هذا ليس مقياساً ليس مقياساً أَسَاساً لا واقعاً ولا ضمن السُّنة الإلهية ليس مقياساً؛ لأَنَّه معلومٌ عند العرب الآن وهم يعرفون بأن لديهم سلاحَ النفط والمقاطعة الاقتصادية بالشكل الذي يوقف كُـلّ هذه القطع التي تحَرّكها أمريكا”.

وتم توظيفُ سلاح النفط وإنْ بشكل آخر، جاء زمنُ إشعال الحرائق فيه لمنع تصديره قسراً بقوة الله.. أذلت قوى العدوان وتجرّعت المرارة وتأكّـد للعالم ولأكثرَ من مرة أن الترسانة العسكرية التي تتدرع بها دولُ العدوان لا تعدو عن كونها غِربالاً..

وبعد هذا الإيضاح نريدُ أن نصلَ إلى إيضاح السببِ الجوهري وأصل المأزق الحقيقي الذي تجدُ السعودية نفسَها وغيرها من قوى العدوان أمامَه في اليمن.. إنها الثقافةُ القرآنيةُ، وهي منظومةٌ شاملةٌ “منهج وقيادة وأمة حركية”، وهكذا يتجلّى أن المعضلةَ الأكبرَ لقوى العدوان تكمن في إرادة القتال لدى اليمن لا عتاد مقاتليه وفي حكمة ونفاذ بصيرة القائد وإيمان اليمنيين بعدالة قضيتهم واستنفارهم الجمعي الموحد حول القيادة الثورية..