السعودية تهدّ سقفَ آمال “الإصلاح”: تثبيت سيطرة مليشيا “الانتقالي” على عدن
بالرغم من تواصل التوتر الذي تشهدُه ساحةُ المواجهة بين حكومة المرتزِقة (حزب الإصلاح) ومليشيات ما يسمى “المجلس الانتقالي” في المحافظات الجنوبية، إلا أن الوضعَ هناك بات يتجهُ أكثرَ فأكثرَ، نحو تثبيت مشهد التقسيم الجغرافي الذي رسمته كُـلٌّ من السعودية والإمارات برعاية الولايات المتحدة، في جولات المواجهة العسكرية السريعة التي خاضها الطرفان خلال الأسابيع الماضية، فبعد أن تكلمت أبو ظبي باسم “التحالف” متبنية الغارات الجوية التي أودت بالمئات من عناصر حكومة المرتزِقة في عدن واتهمتهم بـ”الإرهاب”، جاءت المواقف السعودية الرسمية، خلال اليومين الماضيين؛ لتجعل من سيطرة مليشيات الانتقالي على عدن أمراً واقعاً، وهو ما يؤكّـد مجدّداً على أن ما شهدته عدن وشبوة وأبين، حقّق مخطّطاً لتقاسم النفوذ الجغرافي بين الرياض وأبو ظبي، وأن مليشيات الإصلاح والانتقالي لم تكن إلا بيادق ما زالت تتحَرّك كما يراد لها على رقعة الشطرنج.
في بيانها الأول عقب معركة عدن الأخيرة، وصفت السعودية، الخميس الماضي، المواجهات بين مليشيات الانتقالي وحكومة المرتزِقة بـ”الأزمة” وَ”الفتنة”، وأعربت عن “أسفها” خيال ذلك، وهو توجّـهٌ واضحٌ لإزاحة توصيف “الانقلاب” الذي ظلت حكومة المرتزِقة تردده منذ بداية المواجهات، وبالتالي فإن الموقف السعودي بات جليا في التعامل مع سيطرة مليشيات الانتقالي على عدن كأمر واقع وعادي.
ولم يُخْفِ البيانُ السعودي سعيَ الرياض لتثبيت المشهد الجديد، من خلال دعوة الطرفين المتصارعين إلى الانخراط في “حوار جدة” و”بشكل فوري”، وهو الأمر الذي يعني جلوسَ حكومة المرتزِقة ومليشيات الانتقالي “نداً لند”، وبالتالي منح الانتقالي “مشروعية” لسيطرته على عدن تحت مظلة تحالف العدوان، بينما لا زالت حكومة المرتزِقة تحاول إظهاره كطرف متمرد و”انقلابي”.
البيانُ السعودي حاول خداعَ حكومة المرتزِقة لامتصاصِ حنقها، من خلال التأكيد على “ضرورة استعادة معسكراتها ومقراتها في عدن” وهي محاولةٌ استهلاكية سبق استعمالُها في بيانات سابقة، فالسعودية كانت قد هدّدت في معركة عدن الأولى، أنها ستتدخّلُ جوياً إذَا لم تتوقف المواجهات، ومع ذلك، حينما جاءت المعركةُ الثانيةُ كان الطيران الإماراتي هو من شَنَّ الغارات على عناصر حكومة المرتزِقة المطرودة!
ومع ذلك، بخلت الرياضُ على حكومة المرتزِقة حتى ببقاء هذه التطمينات الوهمية لفترةٍ أطولَ، فبساطُ “استعادة عدن” الذي فرشه البيان، طواه السفير السعودي، محمد آل جابر، بعد ساعات قليلة، إذ أشار في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه الرسمي في تويتر، أن بلاده “تدرك أبعاد وتعقيدات القضية الجنوبية وتأثيرها على مجريات الأحداث الأخيرة في عدن وأبين وشبوه” وأن بلاده تقدر أَيْـضاً ما أسماه “تضحيات أبناء الجنوب” في الجبهات.. رسائل كانت شديدة الوضوح بأن طريق العودة إلى عدن بات مسدوداً أمام حزب الإصلاح، وأن العناوين “الانفصالية” والتقسيمية التي انطلقت منها مليشياتُ الانتقالي في تحَرّكاتها، تحظى بدعم كامل من الرياض.
السفيرُ السعودي جدّد أَيْـضاً دعوةَ البيان لحكومة المرتزِقة بالانخراط في “حوار جدة” بناءً على المعطيات السابقة، وهو ما يوضحُ أكثرَ أن هذا “الحوارَ” سيكونُ بمثابةِ مصادقةٍ على إتمام صفقة تقاسم النفوذ الجغرافي بين الرياض وأبو ظبي على حساب حزب الإصلاح، وأن هذا الأخير لا يملكُ خياراً آخرَ.
هذا أَيْـضاً ما ظهر في ردود الفعل المرتبكة التي أبداها بعضُ أعضاء حكومة المرتزِقة إزاء الدعوات السعودية لـ”حوار جدة”، حيث صرح المرتزِق أحمد الميسري -ما يسمى وزير الداخلية- أنه “لن يتم الجلوس مع الانتقالي على طاولة حوار جدة” وأن حكومة الفارّ هادي “ستعود إلى عدن بالحرب إذَا لزم الأمر”، فيما صرّح المرتزِق الحضرمي -نائب ما يسمى وزير الخارجية-، أن حكومته ذهبت إلى جدة للقاء السعوديين وليس للقاء الانتقالي.
تصريحات -بالرغم من تشنجها- لم تفلح في إثبات قدرة الإصلاح على تفادي الإذعان للرغبة السعودية، ولكنها عكست إدراكه لسقوطه كممثل حصري لحكومة المرتزِقة، أما حديث “الميسري” عن العودة إلى عدن بالقوة، فكان من قبيل المبالغة الواضحة، وكما أكّـدت جولتان سابقتان من المعارك في المحافظة، أثبتت أن المواجهة العسكرية بين المرتزِقة محكومة بتوجيهات وإدارة السعودية والإمارات، وليست بالقوة المادية أَو البشرية.
وبالمجمل، جدّد أكّـد كُـلٌّ من بيان السعودية وتصريحات سفيرها وردود فعل حكومة المرتزِقة، التأكيدَ على دقة القراءة التي قدمها قائد الثورة، السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي، للوضع في المحافظات الجنوبية، حيث لم يعد هناك ما يغطّي على لعبة توزيع الحصص الجغرافية بين السعودية والإمارات برعاية أمريكية، في سبيل تكريس مشروع التقسيم، كما لم يعد هناك أدنى شَكٍّ في أن مليشيات الإصلاح والانتقالي لا تملك أيَّ طريق آخر تسلكه في ظل العدوان سوى تثبيت هذا المشروع والتحَرّك حسب التوجُّـهات الخارجية.