الخبر وما وراء الخبر

تفاصيل لم تُحكَ عن معركة حرض الأخيرة

37

معركة سيسجلها تاريخ الصمود في وجه العدوان كأكبر زحف عسكري بـ7 ألوية. نعم، الرقم لم نبالغ فيه، 7 ألوية وعتاد هو الأكبر والأوسع. قبل هذا علينا أن نضع القراء في صورة أحداث الأسبوع الأخير من هذه المعركة التي كان زمنها الثامنة من مساء الأحد الفاتح من سبتمبر واستمرت حتى التاسعة من مساء الاثنين. الثاني من سبتمبر، فاضبطوا الوقت لديكم لتعيشوا أحداثاً ووقائع بدت مستحيلة بيد أن المجاهدين طوعوها إيمانا بالله ويقينا بالنصر.

– في جبهة حيران كانت المعارك على أشدها، فقد شهدت طوال الأسبوع محاولات زحف لمرتزقة العدوان السعودي، الهدف كما يبدو محاولة إحداث خرق باتجاه حرض لتطويقها من الشمال.

اندحرت جميع تلك الزحوفات، وقابلتها عمليات نوعية لأبطالنا المجاهدين معززة بصواريخ “زلزال1” وقذائف المدفعية.

– في عالم الشطرنج هنالك تكتيك شهير يعرف بخطة كاسباروف، حيث يقوم اللاعب بإلهاء الخصم وتقديم بيادق مجانية للخصم لإلهائه عن التقدم الذي يريده وصعقه في النقلات الموالية، وهي تُعرف أيضاً بـ”كش كاسباروف”.

– في الأسبوع ذاته يفكر القائد الشاب الذي يقود معارك الجيش واللجان الشعبية في جبهات حجة الحدودية ملياً وهو يراقب سير زحوفات المرتزقة في جبهة حيران. ثمة شيء ما غير طبيعي! يستدعي خبرته ويستعرض المعلومات الاستخباراتية في جبهات ميدي وحرض وحيران وصولاً إلى جيزان. يتخذ قراره بعد التشاور مع رفاقه. حينها صنع الفارق الاستراتيجي للمعركة الأكبر في تاريخ الصمود ضد العدوان.

– يفتل المقدم الطاهر زريبو، قائد القوات السودانية، شاربه وهو يتلقى الخطة السرية من غرفة عمليات العدوان في الرياض. يقرؤها ملياً وما يلبث أن يدرك أنها خطة جهنمية بحق ستجعل من السيطرة على حرض بمثابة النزهة، ففيما أبطال الجيش واللجان الشعبية يستبسلون في جبهة حيران هنالك خطة شيطانية تحاك، والهدف حرض، إذن فالخطة محكمة تماما.

– الرابعة عصراً يوم الأحد تتقدم أكبر قوة عسكرية جمعت منذ بداية العدوان ومسنودة بـ6 طائرات أباتشي و5 طائرات حربية ومئات الآليات والمدرعات المتنوعة، تتقدم من أربعة محاور باتجاه قرى حرض، والهدف مدينة حرض.

– الخامسة عصرا تنطلق عملية الزحف الكبير، هكذا سموها، بأكثر من 20 غارة تتقدم الألوية المتقدمة والمدعومة بالطيران الحربي والأباتشي. ومع انقشاع غبار صواريخ الغارات تتقدم الألوية من المحاور الأربعة بكل سهولة عجيبة، وكأن الخطة المعلنة لإلهاء الجيش واللجان عبر زحوفات سريعة متواصلة على جبل النار شرقا وحيران جنوبا جعلت من الطريق إلى حرض وبهذا العتاد والعدة غير المسبوقين أشبه بالنزهة.

– الساعة السادسة مساء يوم الأحد، ومع انقضاء ساعتين من انطلاق عملية الزحف الكبير لألوية المرتزقة مدعومة بكتيبة سودانية ومسنودة بالطيران الحربي والاستطلاعي ومئات الآليات والمدرعات المتنوعة، وبينما كانت ألوية المرتزقة تواصل تقدمها دونما أي مقاومة، يتابع المرتزق العقيد حميد المحشور داخل مدرعته جحافل جيش العدو التي تواصل المضي وهو يحدث نفسه: “هل خطة الإلهاء ناجحة إلى هذا الحد؟! فليس هنالك أدنى مقاومة”. هذا الشيء يقلقه أكثر. ثمة شيء غير مفهوم، فلم يعتادوا هذا الهدوء وحالة اللامقاومة مع أي زحف يقومون به! يقطب حاجبيه أكثر وهو يشاهد الظلام يلف المنطقة. يتوجس خيفة من الظلام. يمسح عرق وجهه براحة يده. يبدأ في التعرق أكثر والقلق أكثر.

فجأة تطير مدرعته إلى السماء بلغم أرضي، وتهوي بقوة على الأرض مشتعلة، وآخر ما يراه المرتزق حميد هو الجحيم ورؤوس جنود تطل فجأة من تحت الأرض كأنما أتت من العدم ومعها انطلقت أولى مفاجآت أبطالنا في الجيش واللجان، فكان الرد صاعقا ومروعا ومميتا.

– تكتيك الكماشة أو الضربة المزدوجة هو مناورة عسكرية يقوم فيها الطرف المدافع بمهاجمة جناحي الطرف المهاجم في الوقت نفسه الذي يهاجم فيه المهاجم قلب الجيش المدافع، الذي بدوره يتراجع بانتظام حتى يتمكن جناحاه من تطويق المهاجمين. ويستخدم هذا التكتيك في بعض الأحيان بهدف عزل أحد الجيوش ومنع وصول التعزيزات إليه، وتعتمد معظم معارك المشاة على هذا التكتيك العسكري.

غالباً ما تنتهي المعارك التي يستخدم فيها هذا التكتيك، بالاستسلام أو تدمير القوة المحاصرة، وفي بعض الأحيان تتمكن القوة المحاصرة من اختراق الحصار عن طريق المهاجمة من الداخل، أو أن تفتح قوة صديقة ثغرة في الحصار بالمهاجمة من الخارج لتتمكن القوة المحاصرة من الهرب.

– أدرك القائد العسكري الشاب أن ثمَّة خطباً ما. وبعد ساعات من النقاش المسنود بمعلومات استخباراتية تم رسم خطة عسكرية متكاملة تتكون من محورين: الأول يقوم بالتصدي لقوات العدو عبر زرع عدد من الألغام، ثم الانتظار حتى يتوغلوا أكثر ليبدأ المحور الثاني الذي يتشابه حد التماثل مع تكتيك الكماشة المعروف عسكرياً، والهدف الالتفاف على قوات العدو ومحاصرتهم. تم وضع الخطة ورسم أماكن التواجد.

ـ لحظة بقيت نقطة غاية في الصعوبة والخطورة في آن: متى ستنطلق عمليتهم؟! فهنالك الكثير من التجهيزات المترتبة على تحديد صفر انطلاق العملية من جانب جيش العدو. هكذا أدرك قائدنا الشاب ورفاقه أنهم بحاجة لمعرفة موعد انطلاق عملية جيش العدو الكبيرة. ومع مرور الساعات أدركوا كذلك أنهم بدون هذه المعلومة ستكون المعركة، ومع كل الفارق العسكري واللوجستي، انتحاراً مروعاً.

– يطلب منه زميله التأكد والتشييك على أدواته. يضغط بيده على جيبه للتأكد من وجود المصحف الشريف ليتقدم سريعا ويلحق بزميله، وما يلبثا أن يبتعدا عن نقطة اللاعودة.

– أليس هذا هو الفضل العظيم؟ ألم يقل الله عن أولئك المجاهدين: “ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (المائدة: من الآية 54)؟ لأنه هكذا أنت في ميدان أن تصنع لنفسك فضلا عظيما عند الله، أن تبني لنفسك رصيداً مهماً من الأجر الكبير، من الحسنات المضاعفة عند الله. المجاهدون هم أولئك الذين يعملون على أن ينقذوا الأمة وينقذوا الأجيال من بعدهم، فيكونوا هم من سيشاركون كل فرد في الأعمال الصالحة التي ينطلق فيها. أليس هذا هو الفضل العظيم؟ الدرس العاشر من دروس رمضان للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.

كان يستذكر تلك الكلمات وهو يواصل سيره خلف رفيقه في عملية بدت مستحيلة للتسلل إلى معسكر جيزان، حيث مقر تجمع قيادات الغزاة ومرتزقتهم السودانيين، لرصد ما يمكن ومحاولة جمع معلومات عن عمليتهم القادمة.

– يدندن المقدم السوداني المرتزق أحمد عثمان بلحن أغنية محلية في ولاية إقليم كردفان، حيث موطنه هناك، وهو يتجول خارج المعسكر، فقد سئم المكوث ويحن للعودة إلى أولاده. فالوضع هنا مزرٍ وتعامل السعوديين معهم يشعرهم بالخسة والوضاعة. تبدو الساعة متأخرة. يمسك بالسيجارة ويبحث داخل جيوبه عن ولاعته لتسقط من يده أرضاً، وفيما يهم للنزول لالتقاطها ثمة يد تسبقه لرفعها. وفيما يحاول أن يمسك هذا الغريب يسمع صوتاً من خلفه يحذره من التحرك ويضع فوهة بندقية خلف ظهره.

– ساعة كل ما احتاجه الأمر لمعرفة الكثير من المعلومات، فالضابط السوداني أصلاً في حالة استياء شديدة، ولم يعانِ المجاهدان كثيراً لجعله يتحدث. ليقفلا الاثنان عائدين وبذاكرتهم الكثير من المعلومات.

– يعلم القائد الشاب ورفاقه أن كنز المعلومات هذا لا يساوي شيئاً إذا ما قام المرتزق السوداني بإخبار مسؤوليه بما حصل، ولربما أصلاً قد يكون قدم معلومات مضللة للتخلص من المجاهدين، غير أن القائد الشاب فطن لمعلومة غاية في الأهمية، لم تبدُ ذات أهمية عندما سمعها الجميع، لكنها ستكون هي نقطة الفصل في معركة حرض الفاصلة، وهذا ما كان بالضبط.

– في مسرح الدمى هنالك الكثير من العمل الفني من اختيار الشخصيات والأزياء وأصوات الممثلين وغيرها من التجهيزات والاستعدادات التي تتم وفق عملية احترافية متقنة، حتى ألوان شعر الشخصيات يجب أن تكون متوافقة مع الفترة التاريخية التي تتناولها المسرحية وعمر الشخصية والكثير الكثير من تجهيزات العمل الفني، ويتم بعدها إجراء بروفات متواصلة للوصول بالعمل إلى حد الإجادة والاتقان، لهذا لا يوجد شيء يتم بالصدفة أبداً أبداً.

– تماما كخطة قوات الجيش واللجان الشعبية في مواجهة الزحف من مساراته الأربعة والتصدي له وتقطيعه إلى ثلاثة أجزاء في المحور الأول من الخطة، ثم يأتي دور المحور الثاني من الخطة والمتمثل في عملية هجومية معاكسة مفاجئة وصادمة تم خلالها الالتفاف على قوات العدو ومحاصرتها ليلوذ أفرادها بالفرار.

– ومع انتهاء المعركة الأكبر منذ بدء العدوان بانتصار ساحق لأبطال الجيش واللجان سجلوا عندكم هذه المعلومات عن خسائر المرتزقة الفادحة: 140 صريعا، 170 مصابا، تدمير 12 آلية واغتنام 6 آليات.

مراد شلي