أهداف محمد بن سلمان من التغييرات الجديدة في الديوان الملكي
الوقت التحليلي- خلال مراسيم ملكية، أعفى الملك سلمان بعض كبار المسؤولين واستبدلهم بمسؤولين جدد، وشملت هذه التغييرات وظائف مهمة مثل مركز مكافحة الفساد أو اللجنة الإشرافية لمكافحة الفساد.
يأتي اختيار توقيت هذه التغييرات والأفراد الجدد، لتحقيق أهداف في ثلاثة اتجاهات هي الداخلية والدولية والمصالح الشخصية.
التغييرات الجديدة
تم إجراء هذه التغييرات عشية العام القمري الجديد، وبموجب مرسوم الملك، تمّ تعيين “بندر بن إبراهيم الخريف” وزيراً لصناعة والثروة المعدنية، وهو أحد أهم المناصب في رئاسة الديوان الملكي.
“فهد بن محمد العيسي”، الذي عمل لمدة خمس سنوات مديراً لمكتب وزارة الدفاع، خلف “خالد بن عبد الرحمن الساء” في المنصب الجديد.
تأسس الديوان الملكي في عام 1924، وهو في الواقع الذراع الرئيس والتنفيذي للملك ونقطة الوصل بين الملك والجهات الحكومية الأخرى، يتبع هذا المكتب مكاتب مستشاري الملك في الشؤون الداخلية، والشؤون الدينية، والعلاقات الدولية، والأمن القومي والاحتفالات الملكية، ويعد أيضاً المراسيم الملكية.
وتبلغ أهمية هذه المؤسسة بحيث تولى بن سلمان رئاستها لبعض الوقت أيضاً، وكان الرئيس الجديد للديوان الملكي قد حصل على وسام الوحدة اليمنية الوطني من الدرجة الثالثة لجهوده في مفاوضات الحدود السعودية اليمنية عام 1422 هـ.
وفي تغيير آخر، تم تعيين “عوض بن صالح العواد” رئيساً لهيئة حقوق الإنسان بمرتبة وزير، والذي كان في السابق مسؤولًا عن “وزارة الإعلام”، وكان قد عمل سابقاً كمستشار في الديوان الملكي، ومن أنشطته يمكن الإشارة إلى إنتاج المحتوى الإعلامي والتلفزيوني وممارسة الشؤون الثقافية السعودية في ألمانيا، وتم تعيين “عقلاء بن علي العقلاء” نائباً لرئيس الديوان الملكي.
كما أدخل هذا المرسوم الجديد بعض التغييرات الهيكلية على المؤسسات التنظيمية والاقتصادية، حيث تم تغيير اسم “هيئة تطوير مدينة الرياض” إلى “الهيئة الملكية لمدينة الرياض”، وتم تغيير اسم “ديوان المراقبة” إلى “الديوان العام للمحاسبة”، وتمّ حلّ وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وتم إنشاء وزارتي “الطاقة” و”الثروة المعدنية” بدلاً منها.
كذلك تأسس مركز تحت عنوان “المركز الوطني للذكاء الاصطناعي” و”مكتبة إدارة البيانات الوطنية”، والتي ترتبط من الناحية الهيكلية بمؤسسة البيانات السعودية والذكاء الاصطناعي.
الهدف من التغييرات الجديدة
هنالك عدة أهداف مهمة تكمن وراء هذه التغييرات الجديدة، فمع اقتراب ذكرى اغتيال جمال خاشقجي، والذي كان أكبر أزمة سياسية لسعودية منذ 11 سبتمبر من جهة، وعدم تغيير سلطة بن سلمان بوصفه أول مشتبه به في هذه الفضيحة السياسية، ثمة إمكانية لحدوث موجة جديدة من المعارضة الدولية ضد بن سلمان. وبالتالي، فإن اختيار شخص مثل عوض بن صالح ذي الأنشطة الثقافية في الخارج كرئيس لحقوق الإنسان، يهدف إلى إعادة بناء سمعة السعودية الدولية والدعاية لمصلحة ابن سلمان.
كما يسعى ابن سلمان جاهداً لتغيير صورة السعودية على الساحة الدولية، لتخفيف الضغوط على هذا البلد، بما في ذلك القيود التي فرضت على شحنات الأسلحة من أوروبا وأمريكا.
قبل أيام قليلة، ترددت شائعة وفاة المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي “سعود القحطاني”.
“المجتهد” ناشط تويتر الشهير الذي يكشف أسرار السعودية، قال حول شائعة وفاة القحطاني بأن انتشار نبأ وفاته جاء بناءً على اقتراحه هو، لأن “جاريد كوشنر” صهر الرئيس الأمريكي ترامب دعا إلى محاكمته بعد اغتيال خاشقجي.
كان القحطاني يترأس مجموعةً إعلاميةً كانت مهمتها الترويج لصورة سياسية إيجابية عن السعودية، والمنصب الرئيس الآخر الذي كان يتولاه وكان له مكانة خاصة منذ ولاية عهد بن سلمان، هو مركز مكافحة الفساد.
في المرسوم الجديد، تم إعفاء “خالد بن عبد المحسن المحيسن” من منصبه كرئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وحل محله “مازن بن إبراهيم الکهموس”.
بعد تسوية الحسابات واسعة النطاق في العام الماضي مع الأمراء الذين كان من المحتمل أن يصلوا إلى السلطة أو ينفذوا انقلاباً، ولا يزال ابن سلمان قلقًا بشأن بعض المديرين المتوسطي الرتبة والتنفيذيين المرتبطين بالأمراء الذين قد يصلون إلى السلطة أو يخططون لانقلاب ضده.
وكانت هذه الهيئة قد وعدت قبل أيام قليلة من هذه التغييرات، بأنه بعد كبار الفاسدين، فإن الخطوة التالية هي القضاء على الموظفين الفاسدين من منتصفي الرتبة في جهاز الدولة.
ولكن في البعد الاقتصادي فإن السعودية التي تتنافس بشدة مع الإمارات وقطر، قدّمت في أبريل وثيقة رؤية 2030، التي تهدف إلى الحد من الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد. ومع ذلك، توقع صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير بأن ينخفض النمو الاقتصادي للسعودية بنسبة 5.5 ٪ في عام 2019.
والنقطة الواعدة الوحيدة للاقتصاد السعودي هي ارتفاع أسعار النفط بحلول عام 2020.
لذا، فمع فصل وزارة الطاقة عن الصناعة، يحاول السعوديون زيادة النمو الاقتصادي بنسبة ثلاثة بالمئة على المدى القصير من خلال التركيز على تصدير المنتجات النفطية.
من ناحية أخرى وعلى المدى الطويل، سوف يفصلون الصناعة السعودية عن اعتمادها على النفط، لكن السعوديين لم يحققوا نجاحاً كبيراً في السنوات الثلاث الماضية في هذا المجال.
“خالد الفالح” وزير الطاقة السعودي الذي كان قد بذل الكثير من الجهود في مجال التعدين، وقد أوكلوا إليه صلاحيات نصف الاقتصاد السعودي، لم يكن لديه سجل ناجح لابن سلمان في بيع أسهم أرامكو، إذ يعدّ بيع أسهم أرامكو جزءاً من وثيقة رؤية 2030، ومع ذلك، تحوّل في العام الماضي ومن خلال تدخل الملك سلمان، إلى خلاف بين ولي العهد والملك.
معظم أنشطة “بندر الخواريف” وأعماله كانت في القطاع الخاص، وكان رئيس شركة أرامكو، يأمل ابن سلمان أن تتم متابعة عملية إعادة بيع أسهم أرامكو بجدية عن طريق اختياره.
الكثير من هذه التغييرات الجديدة تتماشى مع مخاوف ابن سلمان. فبعد أن نجح في تعيين شخص مقرّب منه لرئاسة الحرس الوطني أو الجيش الأبيض في الأيام الأخيرة من عام 2019، اختار “فهد بن محمد العيسي” الذي كان من بين أمنائه والمقربين منه في وزارة الدفاع، لقسم حساس مثل رئاسة الديوان الملكي.
لكن جهود ابن سلمان لتقديم صورة إيجابية عن نفسه وعن الإصلاحات الشكلية، لا يمكن أن تخفي تكثيف حملات القمع ضد الناشطين في مجال الحقوق السياسية والمدنية، وجهوده لحصر القوة لديه، أمام أعين المؤسسات الدولية والمعارضة المحلية