الخبر وما وراء الخبر

من مواجهة القاعدة إلى دعم التحالف التواجد العسكري الأمريكي في اليمن “القصة الكاملة”

106

> حاولت الولايات المتحدة بذريعة المدمرة كول في العام 2000 احتلال اليمن
> نفذت القوات الأمريكية عملياتها العسكرية في اليمن بنفسها في وقت كان فيه النظام يتبنى تلك العمليات
> السفير الأمريكي السابق: “لستُ مراقباً للمشهد اليمني وإنما شريك”
> لجأت المخابرات الأمريكية إلى ممارسة عدة نشاطات في اليمن، وصلت نتيجتها إلى صنعاء
> قوات أمريكية في حضرموت وأخرى تسمى القبعات الخضراء في الحدود السعودية والساحل الغربي
> فضيحة الهالة الإعلامية للقوات الأمريكية أمام بسالة الجيش واللجان الشعبية

الثورة/ عبدالقادر عثمان
منذ الوهلة الأولى لإعلان العدوان على اليمن، كان لا بد من معرفة صانع هذا القرار الذي انطلقت أولى طائراته بشكل مباشر لقصف المدنيين في صنعاء وتدمير الترسانة العسكرية اليمنية بعد فشل مخططه لإخضاع اليمن عسكرياً بشكل مستمر، وتلاشي التواجد الذي كان قد وصل القصر الجمهوري في العاصمة. العدو الأمريكي هو صاحب قرار الحرب على اليمن والمدشّن الأول لعملية القصف المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، وصاحب الهجمات العسكرية التي جابت محافظات الجمهورية تحت ذريعة مواجهة خطر القاعدة الذي بدأ الترويج لها في اليمن منذ حادثة المدمرة “يو إس إس كول”.
إذن فالتواجد الأمريكي ليس وليد لحظة العدوان على اليمن، بل هو رفيق فترات زمنية مختلفة، شهدت اليمن معها اضطرابات سياسية وأمنية كانت أمريكا هي المخطط الرئيسي لها من أجل إيصال اليمن إلى حالة من الفوضى تنتهي بتمزيقها وشرذمتها وبالتالي إضعافها لتكون لقمة سهلة بيد العدو الذي ظل يتربص بها على المدى البعيد.

المدمرة كول
ويعود ذلك التواجد إلى تاريخ الـ 12 أكتوبر 2000، عندما استهدف قارب صغير المدمّرة العسكرية الأمريكية البحرية (يو إس إس كول) في ميناء عدن، والتي كانت راسية بغرض التزوّد بالوقود في الساعة 11:18 صباحاً، بعد اقترابه منها والاصطدام بها محدثاً انفجاراً خلّف فتحة بطول 12 متراً على جانب الناقلة، لتسفر الحادثة عن مقتل 17 ملّاحاً أمريكياً وإصابة 39 آخرين.
تلك الحادثة تزامنت مع حدوث انفجار داخل أسوار السفارة البريطانية في صنعاء، دون أن يخلّف أيّ ضحايا، وإن كان الأخير أعقب حادثة كول بيوم واحد وأغلقت على إثره السفارة الأميركية، إلا أنهما صعّدا من الضغوط الأمريكية على اليمن، وأصبح النظام الحاكم آنئذٍ مجبراً على القبول بالشروط المفروضة من قبل البيت الأبيض التي اتخذت تنظيم القاعدة ذريعة لتنفيذ أطماعها الاحتلالية في الشرق الأوسط خاصة بعد حادثة ما أسميت بـ “غزوة منهاتن” (11 سبتمبر 2001، تفجير مباني التجارة العالمية).
اتفاق وإعادة فتح السفارة
في نوفمبر من العام 2000، وقعت صنعاء اتّفاق تعاون في مجال محاربة الإرهاب مع واشنطن، بدأ بموجبه حوالي 100 عميل من مختلف الوكالات الأمريكية، خاصّة مكتب التحقيقات الفدرالي، بمساعدة اليمنيين في تحقيقاتهم. وأُعيد فتح السفارة الأمريكية في الـ 7 يوليو 2001، لتبدأ ردود الفعل اليمنية ضد هذا التعاون في التصاعد. تعاونٌ لم يكن محلّ رضا الأغلبية الساحقة في البلاد، فازدادت حدّة التوتّرات المحلّية القائمة، وأصبح النظام مجبراً على مراعاة الضغوط الخارجية، والمعارضات الداخلية، والجمعيّات الاجتماعية والمهنية، التي دعت، حينها، إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية، ورغم ذلك قدم الرئيس علي عبدالله صالح حينها العديد من التنازلات إلا أن المسؤولين الأمريكيين اعتبروا السلطات اليمنية آنذاك لا تتعاون بما فيه الكفاية، وأن التحقيق حول حادث الـ”يو إس إس كول” يتعثّر؛ فاليمنيون في نظر الأمريكان “لا يستطيعون القيام بالاستنطاقات كما يريدون مع المشتبه بهم، بل يرتابون في تواطؤ أفراد من الأجهزة السرّية اليمنية مع المجموعات المسلّحة، التي أعلنت مسؤوليّتها عن الحادث، والتي تنتمي إلى ما أسمي حينها بـ “الجيش الإسلامي لعدن” وتنظيم “القاعدة”.
بداية تواجد عسكري
عدم الرضا عن السلطات اليمنية حينها أعقبه تواجد مباشر من القوات الأمريكية، حيث نقلت وسائل إعلام غربية وأمريكية، أن “عددا من عملاء المخابرات الأمريكية، يعملون في اليمن، منذ الفترة التي أعقبت تفجير المدمرة كول”، وبعد أكثر من سنتين، أطلق عناصر من وكالة المخابرات الأمريكية النار على سيّارة كانت تقلّ أبو علي الحارثي، وأحمد حجازي، اللذين اعتُبرا من المخططين الرئيسيّين للعملية، وكانا من ضمن المتهمين لدى الاستخبارات الأمريكية إلى جانب إبراهيم الثور وعبدالله المساواة اللذين وجهت لهما المخابرات تهمة تنفيذ العملية.
وخلال الفترة التي أعقبت 2001، أخذ التواجد الأمريكي في اليمن يتزايد، تحت مسمى التعاون العسكري، ويتوسع، ليشمل، وجود قوات خاصة على الأرض، حيث أشيع حينها أنها تقوم بتدريب القوات اليمنية، في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أن هناك من يرجح أنها كانت تقوم بمهام أخرى، غير التدريب وتقديم الاستشارة، وهو ما أكده رفع الولايات المتحدة سقف دعمها العسكري واللوجستي لليمن، والذي شمل تقديم المعدات والأسلحة والتدريب والمشورة، إلى جانب تقديم منح مالية ضخمة تجاوزت 400 مليون دولار لدعم الحكومة اليمنية في حربها ضد تنظيم القاعدة، منذ عام 2006 وحتى ما قبل اندلاع ثورة فبراير 2011، كما أن الرئيس اليمني ظهر في العام 2005، ليقول بصريح العبارة، إن “الولايات المتّحدة الأمريكية كانت تنوي احتلال مدينة عدن اليمنية”، متّخذة من “استهداف المدمّرة كول ذريعة، إلّا أنّه تمّ منعها بالوسائل الدبلوماسية”.
هذا التصريح الخطير من شخص كان على هرم السلطة اعتُبر مؤشّراً إلى توتّر العلاقة بين اليمن وأمريكا، وعلى إثره طوّق الجنود الأمريكيون سواحل مدينة عدن وموانئها من كافّة الجهات، وحوّلوها في غضون ساعات، إلى ثكنة عسكرية للمارينز والبوليس الأمريكي، واتّخذ خبراء التحقيق الفيدرالي من فندق “عدن موفنبيك” مكاتباً للتحقيق مع المسؤولين في البحرية اليمنية وكبار الضبّاط.
اليمن الاستراتيجي
ولا تكف الولايات المتحدة عن اعتبار اليمن – بشكل كلي – مصلحة أمريكية، حاله حال الكثير من دول المنطقة التي خضعت للاحتلال، في ظل فقر إدراكي لديها بطبيعة ونفسية اليمني الذي لم يرضخ لأي احتلال على مر التاريخ ولم يسلم بلاده للعدو الجديد الذي يراه أسوأ احتلال. لكنها تتصرف من موقع نظرتها لليمن كموقع استراتيجي يمكن من خلاله السيطرة على الملاحة الدولية والتحكم بخطوط التجارة العالمية، كما أن به قاعدة العند الجوية وهي واحدة من أهم القواعد العسكرية في العالم، وبالتالي يمكن أن تشكل البلاد بحدودها العريضة مع جارتها السعودية موقعا غزيرا بالنفط يؤمن للدول الغربية حياة آمنة مرفّهة.
ولذلك اتخذت أمريكا كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة من أجل السيطرة وبسط النفوذ، واتّخذ الجيش الأمريكي من قاعدة العند الجوّية، الواقعة في محافظة لحج (60 كيلومتر شمال عدن)، قاعدة عسكرية له، وشهدت الأخيرة قدوم أكثر من خمسة آلاف جندي أمريكي منذ 2006 وحتى 2015، ونفذ الخبراء استحداثات عدة، وعملوا على توسعة المطار الذي أصبح مهبطاً للطائرات الأمريكية، وورشة عمل عسكري سرّي، لا تستطيع حتّى السلطات اليمنية الاطّلاع عليه، كما أنشأوا أبراج مراقبة موجّهة صوب مضيق باب المندب البحري.
مساعدات مالية وعسكرية
وبحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، فإن واشنطن “قررت وقف مساعداتها المالية، لليمن، في عام 2005، عقب النجاحات التي حققتها بمساعدة بريطانيا، خلال الفترة من 2001 وحتى 2005، وهو ما أزعج النظام اليمني حينها، كونه يحرمه ملايين الدولارات”، تضيف المجلة “ذلك القرار أعقبه فرار 23 من كبار قادة القاعدة من أحد سجون صنعاء، في حادثة لا يزال الغموض يلفها، علما بأنه عقب هذه الحادثة، أصبح الدعم الغربي لليمن، ضرورة ملحة، حيث قامت واشنطن حينها بإعادة تقديم المساعدات النقدية لحليفها صالح، وليس لمحاربة القاعدة”.
ونقلت المجلة حينها عن السفير الأمريكي الأسبق، ستيفثن سيش، إن “أسلوب صالح، وطريقته في التلاعب بالأمور، أقنعت كبار مسئولي المخابرات المركزية الأمريكية، ووزارة الدفاع، بأنه يجب تقديم مزيد من المساعدات العسكرية لليمن”. وبحسب مسؤول عسكري أمريكي “اضطرت القوات الأمريكية، إلى تنفيذ عملياتها العسكرية في اليمن ضد القاعدة بنفسها”، في وقت كان فيه نظام صالح يعلن أن القوات اليمنية هي من تنفذ تلك العمليات. بعد ذلك لجأت الحكومة الأمريكية، إلى اعتماد برنامج ضربات الطائرات بدون طيار، إذ بلغ عدد ضرباتها منذ 2002 وحتى أواخر 2014، بين 134 و234 عملية، تشمل القصف بالطائرات والـ “درونز” و”بريداتور” وإطلاق الصواريخ من بارجات حربية تبحر في خليج عدن.
انتهاكات أمريكية بحق المدنيين
في حين لم تقدّم السلطات اليمنية ولا الأمريكية أيّ إحصائية لعدد ضحايا تلك الغارات إلا أن المصادر تشير إلى أن نحو 2000 قتيل سقطوا نتيجة تلك الغارات، معظمهم مدنيين أبرياء، لكن الأمريكان يصرون على أن عملياتهم تستهدف تنظيم القاعدة وليس المدنيين، وهو ما نفاه تحقيق استقصائي لـ “بي بي سي” مطلع العام الجاري، أكدت معدته أن الولايات المتحدة شنت غارات على أهداف مدنية في العام 2017، في العملية التي نفذت على قرية يكلا جنوبي اليمن، التي راح ضحيتها 30 مدنياً من قرية واحدة، وهي تناقضات في سياسات الولايات المتحدة، تُخالف أهدافها الاستراتيجية المعلنة هناك.
ما بعد ثورة فبراير
وتزايد عدد العسكريين الأمريكيين المتواجدين في اليمن عقب ثورة الشباب، حيث أعلن السفير الأمريكي السابق، جيرالد فايرستاين، منتصف سبتمبر 2012، وصول مجموعة وصفها بالصغيرة من قوات المارينز الأمريكية، إلى صنعاء بناء على مباحثات تمت مع الحكومة اليمنية (حينها كان المنتهية ولايته عبدربه هادي رئيساً لليمن)، وأضاف السفير في بيانه إن “مهمة تلك القوات سيكون المساعدة في جهود الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته في سفارة الولايات المتحدة بصنعاء، وهي تعمل وفقا للقانون الدولي”.
حينها كشفت صحيفة “الشارع” اليمنية، أن نحو 1500 أمريكي تمّ إرسالهم إلى قاعدة العند العسكرية، وأن 200 آخرين أُرسلوا إلى قاعدة الديلمي الجوّية في صنعاء، بحيث أصبحتا القاعدتان تحتضنان في ما بعد، 5800 عسكريّاً أمريكيّاً، فيما تكفلت صحف أخرى بفضح أسرار السفارة وممارساتها في اليمن والتي تعددت بين الدعم المادي للمنظمات والمؤسسات الصحفية المروجة للسياسة الأمريكية وإقامة الحفلات المختلطة بشكل أسبوعي واستدراج قيادات أمنية وسياسية وغير ذلك من الأعمال التي لا نتحدث بها في صحيفة رسمية كالثورة.
صنع القرار
وتجاوزت الممارسات الأميركية المسنودة بقوة المارينز الذي كان حينها يملأ السفارة وفندق شيراتون وبعض الفلل في حدة وبعض المعسكرات، إلى التحكم الكلي بقرار القيادة السياسية، وأصبح السفير الأمريكي هو صاحب القرار الأول والأخير في صنعاء، وهو المشرف الأساسي على مؤتمر الحوار الوطني الذي أراد من خلاله تمزيق اليمن إلى ستة أقاليم. ولعل التصريح الذي أدلى به المستقيل هادي في 25 فبراير 2012، أثناء تأديته لليمين الدستوري أمام البرلماني اليمني، أكبر دليل على التواجد الأمريكي في اليمن، حيث أكد هادي “استمرار الحرب ضد القاعدة باعتباره واجباً دينياً ووطنياً”. هذا التصريح أعقبه تصريح آخر ولكن للسفير الأمريكي السابق “جيراد فايرستاين” قال فيه “أنا لست مراقباً للمشهد اليمني وإنما شريك”.
وعلى مدى سنوات التواجد الأميركي في اليمن، استمرت القوّات الخاصة الأمريكية بالمرابطة في قاعدة العند كما أُقيمت في اليمن محطّتان قادرتان على تحليل المعلومات المستقبلة، وتوجيه ضربات الطائرات بدون طيار، إحداهما داخل مبنى السفارة الأمريكية ذاتها، والأخرى في مبنى سرّي في صنعاء، أكد تلك المعلومات تصريح الفار هادي في العام 2013 تحدث فيه عن “وجود غرفة عمليات مشتركة في صنعاء لمحاربة القاعدة تديرها أربع دول”.
اختراق الأمن والدفاع
واستطاعت القوات الأمريكية اختراق جهاز الأمن القومي اليمني ووزارتي الدفاع والداخلية خلال الفترة التي عمل فيها مسؤولون في تلك الأجهزة مع القوات الأمريكية في وحدات إقرار تنفيذ الضربات الجوية بواسطة طائرات “بريداتور”، وهذا ما أدى في الأخير إلى وصول تنظيم القاعدة إلى صنعاء برعاية أمريكية وتواطؤ يمني من نظام هادي، كانت نتيجته كارثية في تفجيرات مجمع وزارة الدفاع (العرضي) والأمن المركزي وكلية الشرطة، ولعله جدير بالذكر العودة إلى اتصال هادي بمستشاره أحمد عوض بن مبارك وحديثه عن خوف بعض القيادات الجنوبية المعارضة له من تكرار حادثة العرضي. وهذا يثبت تورط الرئيس المنتهية ولايته في الجريمة.
وفي عهد هادي، تكرّرت زيارات مسؤولين وخبراء عسكريين أمريكيين إلى جزيرة سقطرى، وذلك لبحث إمكانية إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في الجزيرة، ضمن سعي واشنطن إلى الاستحواذ على الممرّ الدولي في مضيق باب المندب والهيمنة عليه. بعد ذلك قامت بنشرت بوارجها على امتداد سواحل عدن وحضرموت بشكل مباشر للإشراف على خفر السواحل اليمني، وتدريب وتعيين المنتمين إلى ذلك الجهاز، الذي يمارس مهامّ عمله بإشراف من قبل خبراء عسكريين أمريكيين.
هذه الزيارات أعقبها نشاط تنظيم القاعدة (الذي هو في الأساس صناعة أمريكية بحسب التحقيقات الصحفية التي كشفت إنشاء أمريكا للتنظيم ومساعدتها له في انتهاكاته ليكون لها مبررا لتسرح وتمرح في الشرق الأوسط كيفما شاءت)، واستطاعت القاعدة الاستيلاء على أبين وبعض القرى في لحج وحضرموت وشبوة، كما قامت بذبح العديد من الجنود اليمنيين.
ثورة سبتمبر وطرد الأمريكان
مع اندلاع ثورة الـ 21 سبتمبر 2014، أحست القوات الأمريكية بالخطر الذي يحدق بها من قبل اليمنيين الذين بادروا للالتحاق باللجان الشعبية وبعض الكتائب من الجيش الوطني للإطاحة بالنظام الذي ترك الأجواء والأرض اليمنية مفتوحة ومستباحة للعدو الأمريكي الذي يسعى لتمهيد الطريق للكيان الصهيوني في الوصول إلى البحر المفتوح (البحر العربي).
وعقب سيطرة الثوار على صنعاء سحبت أمريكا قواتها من العاصمة وقاعدة العند وكل المناطق اليمنية وبدأت بالتفكير في احتمالية استخدام الخيار الذي ظلت تخطط له منذ سنوات وهو خيار إعلان الحرب بشكل مباشر على اليمن، لكنها كانت تعي أن ذلك سيجعل اليمنيين يدًا واحدة ضدها وستفشل في كل محاولاتها، ما دفعها إلى اختيار أياديها في الجزيرة العربية لإعلان الحرب باسمهم بحيث تظل هي من تقود ذلك التحالف بشكل غير مباشر، وذلك عقب استقالة هادي وفراره نحو عدن بزي نسائي.
إعلان الحرب على اليمن
عشية الـ 26 مارس 2015 أعلن “التحالف العربي” من واشنطن عمليات عسكرية على اليمن وانطلقت طائراته تقذف بجحيمها على كل شيء تصادفه في صنعاء والحديدة وتعز وصعدة وكل المحافظات اليمنية، حينها كان هادي يطوف بلباس مهترئ في صحراء الربع الخالي يبحث عن ملجأ له من البلاد التي لم يعد له فيها أي نصير وأصبحت مظلمة في وجهه بعد أن جعلها قطعة أرض تتحكم بها الولايات المتحدة. ومع استمرار العدوان على اليمن الذي قال الأمريكان إن دورهم فيه يقتصر على الدعم اللوجستي فقط، أصبح لدى اليمنيين وعياً كافياً بأن أمريكا هي من تقود الحرب عليهم، وكشفت الصحف الأمريكية أن بلادها متورطة في قتل اليمنيين سواء بالمشاركة المباشرة أو من خلال الدعم اللوجستي والعسكري وصفقات الأسلحة.
ونشرت نيويورك تايمز أواخر ديسمبر من العام 2018، تقريراً عن مشاركة القوات الأميركية في قتل اليمنيين، وقالت الصحيفة إن “كل طفل يسقط في اليمن بقصف للطيران يشارك الجنود الأميركيون في قتله”، محملين إدارة الرئيس دونالد ترامب مسؤولية إبادة وتجويع أطفال اليمن.
وكان أعضاء الكونجرس صوتوا خلال النصف الأول من العام الجاري 2019، على مشروع قرار ينهي الدعم العسكري الأميركي لدول العدوان على اليمن، غير أن الرئيس دونالد ترامب قال إن “صفقات الأسلحة للسعودية ستستمر مهما كانت المعارضات”، مؤكدا أن “السعودية اشترت من الولايات المتحدة سلاحا بقيمة 110 مليار دولار” منذ بدء العدوان على اليمن، رغم أن الأرقام الحقيقية تشير إلى ما يفوق ذلك بكثير.

الدعم السري والقبعات الخضراء
ومع التصعيدات المستمرة للتحالف، كشفت معلومات سرية حصلت المخابرات اليمنية عليها، أن “الولايات المتحدة أرسلت قوات من الجيش إلى جبهة الساحل الغربي”، وهي محاولة منها لتعقيد الأمور في المنطقة الساحلية لتستطيع من خلال ذلك مساعدة قوات العدوان على الدخول إلى الحديدة.
وفي هذا تحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في مايو من العام 2018، عن “دعم سري يحظى به الجيش السعودي في حربه على اليمن”، مضيفة أن “لا علم لجهات عدة بمهمات القبعات الخضراء في المملكة (قوات أمريكية خاصة أرسلتها الولايات المتحدة لمساعدة السعودية على احتلال اليمن)، ومسألة إرسالها لم تناقش مع أي من الجهات الأمريكية أو غير الأمريكية المناط بها مراجعة الأمر؛ مما دفع الكشف عنها وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” إلى الاعتراف بوجود قوة أمريكية تساعد السعودية في تأمين حدودها دون أن يحدد عدد تلك القوى وطبيعة تشكيلها”، وهو تصريح يناقض تصريحات سابقة للبنتاجون كان قد تحدث فيها عن طبيعة المساعدات للتحالف العسكري على اليمن؛ فمهمة أمريكا لا تقتصر على تزويد الطائرات بالوقود في الجو والدعم اللوجيستي وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بل يبدو العمل – للوهلة الأولى – انخراطًا أمريكيًا أكبر في العدوان على اليمن، خاصة أن الصحيفة حددت أن تلك قوات شاركت في المعارك الحاصلة شمال اليمن ضد الجيش واللجان الشعبية.
وكشفت قناة “الحرة” الأمريكية العام المنصرم أن “فرق القبعات الخضراء في اليمن جاء بطلب تقدّمت به الرياض وأبو ظبي لمساعدة عسكرية أمريكية، لتتمكنا من السيطرة على ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه قوات الجيش واللجان“.
فضيحة الهالة الأمريكية
القوات اليمنية واللجان الشعبية خلال أربع سنوات من العدوان على اليمن فضحت الهالة الإعلامية للقوات الأمريكية وأثبتت أن ترسانتها العسكرية غير قادرة على إخضاع اليمن، خاصة بعد أن دشن رئيسها السابق الشهيد صالح علي الصماد الصناعات العسكرية اليمنية المتمثلة بالطائرات المسيرة والصواريخ التي باتت تتطور حتى وصلت إلى الرياض وأبو ظبي وما وراء ذلك لتحقق أهدافها بدقة، قبل أن تغتاله القوات الأمريكية بطائرة لا تملك تقنياتها السعودية أو الإمارات في الـ 19 أبريل 2018، بحسب بيان المجلس السياسي الأعلى. وهذا الاغتيال جاء بعد أحاديث كثيرة أكد الصماد فيها مشاركة القوات الأمريكية في الميدان ضد اليمن ومشاركتها في قصف المدنيين بطائرات بدون طيار، إلى جانب علاقتها الودية مع القاعدة وداعش.
هذه الفضيحة دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في يونيو المنصرم، إلى إخطار الكونجرس بعزمه على نشر عدد محدود من العسكريين الأمريكيين في اليمن، لمحاربة ما أسماه “تنظيمي القاعدة وداعش”، وذلك في رسالة لقيادة المجلس، أضاف فيها “لا تزال الولايات المتحدة تعمل مع حكومة جمهورية اليمن (حكومة المرتزقة) والقوى الإقليمية الشريكة للقضاء على التهديد الإرهابي الذي تمثله هاتان الجماعتان”، مؤكداً أن “القوات المسلحة الأمريكية مستعدة أيضا للقيام بضربات جوية ضد أهداف داعش في اليمن”. هذه الرسالة، جاءت متزامنة مع تصعيد الجيش واللجان الشعبية في استهداف مواقع عسكرية سعودية ذات أهمية كبيرة بصواريخ وطائرات مسيرة ذات قدرات مختلفة.
التعزيزات الأمريكية لليمن تأتي في سياق تكثيف التواجد في حضرموت الغنية بالنفط بعد حملة سابقة في العام 2017 شهدتها المحافظة خلال وصول قوات أمريكية إلى مطار شركة “بترومسيلة” في القطاع رقم 10 في سيئون لتنفيذ عمليات ضد القاعدة حسب قولها لكنها شاركت في المعارك ضد الجيش واللجان.
ورغم قول وزارة الدفاع الأمريكية، على لسان المتحدث باسمها، جيف ديفيز، إن “الجيش الأمريكي، أرسل “عدداً صغيراً للغاية” لتقديم المساعدة المعلوماتية، في العمليات العسكرية التي تخوضها قوات الجيش اليمني (المليشيات الموالية للعدوان)، إلى جانب قوات إماراتية وأخرى من التحالف ضد التنظيمات الإرهابية”، إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل حيث أثبتت الأحداث تزايد نشاط التنظيم الإرهابي خلال السنوات الأربع الأخيرة في المناطق الواقعة تحت الاحتلال، في الوقت الذي فشل فيه عن تنفيذ عملية واحدة في المناطق التي يديرها المجلس السياسي الأعلى، وهذا يعني أن إقدام الولايات المتحدة على تعزيز تواجدها في اليمن يأتي في إطار سعيها الحثيث لتحقيق ما فشلت في الوصول إليه خلال السنوات الماضية.
نشاط استخباراتي
ولجأت المخابرات الأمريكية إلى ممارسة عدة نشاطات في اليمن، وصلت نتيجتها إلى صنعاء ما دفع الأجهزة الأمنية إلى فضحها قبل شق الصف الداخلي وتزويد العدو بالمعلومات. كانت من بين هذه المخابرات “عناصر يعملون في المنظمات الإنسانية” بحسب معلومات استخباراتية من المنطقة العسكرية الخامسة، أضافت بالقول: إن “معظم من يعملون في إدارة المنظمات كانوا يتواجدون في السفارة الأميركية قبل ثورة الـ 21 سبتمبر وتم استقدامهم كموظفين في المنظمات بعد إعلان العدوان على اليمن”.
وعمل جهاز الأمن القومي اليمني على مطاردة الخلايا الاستخباراتية وتمكن من إلقاء القبض على بعض الجواسيس الأمريكيين الذين تم تسليمهم إلى بلادهم سرياً مقابل السماح للوفد الوطني المشارك في المفاوضات بالعودة إلى اليمن بعد عرقلته في الكويت لثلاثة أشهر في العام 2017 دون السماح له بالعودة، كما أشار قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في خطاب سياسي على خلفية تأخر مغادرة الوفد إلى مباحثات ستوكهولم في ديسمبر المنصرم.
هذه الضغوط التي مورست ضد الوفد الوطني من قبل الأمم المتحدة (يد أمريكا الناعمة) تؤكد التدخلات الأمريكية السافرة في مفاوضات السلام التي باءت جميعها بالفشل. الفشل الذي ما كان ليحدث لولا تدخل الأطراف الخارجية في المفاوضات وإملاءاتهم على وفد حكومة المرتزقة الذي يحظى بدعمهم ويرضخ تحت قراراتهم.
إحصائية غير نهائية
خلال الخمس سنوات الماضية، نفذت الطائرات الأمريكية بدون طيار مئات الهجمات في أكثر من محافظة يمنية إلى جانب مشاركتها في العدوان على اليمن. وبالرغم من عدم كشف البنتاجون لعدد ضحايا هجماته، إلا أن وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية أجرت عملية تدقيق واستقصاء لضربات طائرات “الدرونز” الأمريكية، حيث وجدت أن ما لا يقل عن 30 مدنياً ليس لهم أي انتماء لتنظيم القاعدة قد قتلوا عام 2018 فقط، مؤكدة أن عدد القتلى يصل المئات، غير أن هذه الإحصائية هي ما أتيح لها رصده. وأحصى “مكتب الصحافة الاستقصائية”، بحسب الوكالة، مقتل 1020 مسلحاً ومدنياً في 154 ضربة خلال ثماني سنوات، وهي فترة الرئيس أوباما، بين 2009 و2016، في مقابل مقتل 205 مسلحاً ومدنياً في 176 ضربة نفذتها الطائرات الأمريكية خلال عامين من فترة الرئيس دونالد ترامب، أي في 2017 و2018.
وإذا كان التحشيد الأمريكي الأخير جاء من أجل احتلال اليمن فإن اليمنيين الذين يواجهون آلته العسكرية الحديثة وقواته البشرية المتمكنة منذ أربع سنوات وهم يدركون قدراته منذ مطلع الألفية فإن كل ذلك لا يعني لهم شيئاً طالما أنهم أصحاب الأرض والأحق بالغلبة، إذ تؤكد مصادر عسكرية يمنية أن “دخول قوات أمريكية في المعركة لن يغير شيئاً، لأن هذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها الأمريكان على خط المواجهة؛ فقد سبق الدخول بأشرس مقاتليهم تحت غطاء شركات بلاك ووتر وداين كورب وجنجويد”، واستطاع اليمنيون إحراج تلك القوات وإجبارها على التوقف.