مشروعيةُ الاحتفال ودلالاتُ الحدية الجاهلية..
بقلم / جمال الظاهري
دلالاتُ التكريم وثبوتُ الكرامة وجوازُ ومشروعية الاحتفاء والاحتفال بحاملين الرسالات السماوية إن في ميلادهم أو في مواطئ نصرهم وظفرهم ثابتةٌ بالتصريح والإشارة، وما يلوكُه من يعارضُ ذَلك ليس أكثر من مغالطة وهروب من الحقيقة وتمادياً وانسياقاً وراءَ مَن لا يريد لأمة محمد الخير من أصحاب الضلال وممن لا يناسبهم أن تكون هناك اجتماعات ومحافل تجمع البشر للتدارس والذكر ومراجَعة سلوكيات الحُكَّام والأنظمة وبعض مَشَايخ العلم المنقادين الذين يبيعون دينهم بدنياهم.
فاللهُ تعالى قد كرَّمهم أولاً بحمل الرسالة وثانياً بالنصر في نشر تعاليمه، وكرمهم يوم الموت ويوم الولادة فقال سبحانه: “وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً” مريم، وقال تعالى: “وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً” مريم 33، سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن صَوم الاثنين فقال: “فيه وُلِدْتُ، وفيه أُنْزِل عليَّ”. رواه مسلم، فجعل ولادته في يوم الاثنين سبباً في صومه.
اهتمامُه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بيوم عاشوراء وصَومه فيه، يقول ابنُ حجر معلقاً على حديث صوم عاشوراء “فيستفادُ منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة” وليست هناك نعمة على المسلمين أفضل النبي-صلى الله عليه وسلم… فهذه النصوصُ تدُلُّ على مشروعية الاحتفال.
المنكرون للاحتفال بمناسبة مولد نبينا عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم.. يعتمدون على حديث العيدين.. وفي حين يتفق الفقهاءُ على أن التحريمَ لا يكون إلا بنص وما دون ذلك في حكم المباح أو المتروك للفكر الإنساني يقولون لك لا يجوز، فنبينا قد حدد أعيادَنا.. طيب تلك أعياد الزامية في مظاهرها وطقوسها السابقة للمناسبة واللاحقة.
فلماذا تحرمون احتفال لم يأتِ فيه نص مباشر؟.. ثم ذاك عيدٌ وهذه احتفالية شخصية متروكٌ فيها الأمر لتقدير الشخص نفسه فلماذا تجروها للحلال والحرام؟ ثم ألا نحتفل بأعياد ميلاد أبنائنا؟ وبمناسبات تخرجنا أو زواجِها.. فهل هذا الاحتفال حرام؟
نحتفلُ أيضاً برأس السنة الهجرية ومن صاحب المناسبة اليس ما هو نبينا أيضاً؟ نحتفل بفعل قام به هو كان فيه الخير للامه وللرسالة ونجوزه ونحرم الاحتفال بحدث صاحب الإرادة المطلقة فيه هو الله والوافد على الحياة البشرية هو سيد الإنسانية الرسول المهدى إلى الأمة الإسلامية؟ هل من ضرر في الاحتفال؟ هل من نص؟
ما يقوم به الناس من احتفال ليس فيه مجون ولا لهو.. مجملُه ذكرٌ وتسبيحٌ وحمدٌ وشكر وتدارس للعظات والعبر من حياة سيد الخلق.
الدعوة إلى الاقتداء في هذه المناسبة والالتزام بمنهجه هل هذه الأفعال حرام؟.. اليس لنبينا حق علينا؟
محبته مثلاُ.. كيف نعبر عنها أو نظهرها؟ – طاعته وبالأخص في غيابه – التأسي به- الاحتكام إلى شريعته – الدعوة إلى الدين الذي جاء به – نصرة دينه وشريعته والعمل على تطبيقها؟- الإكثار من الصلاة عليه كلما ذكر – حب آل بيته ـ صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله، وصحابته المنتجبين الأخيار ومن تبعهم على هدية واقتدى بسيرته إلى يوم الدين.
ألا يقول هؤلاء مستندين إلى حديث في ما يعدوه صحاح من ابتدع بدعة حسنة فله أجره وأجر من عمل بها؟ فهل الاحتفاء بمولد النبي الخاتم بدعة سيئة؟ هذا إن عدينا الأمر بدعة؟
أَوَليست الاحتفالاتُ مشروعةً؟ ثم إن كانت مناسبة الاحتفال في اطار كيفية المشروع والمستحب والمستحسن الذي ليس فيه مجون ولا تبذير ولا معصية.. لماذا نجعل منها منفذا للاختلاف وارتكاب المحرمات والعصيان والجور على بعضنا البعض وحتى قتل من لم يسببوا لنا اذىً أو ينتهكوا لنا حرمة؟
إن البعضَ منّا للأسف لا يعرّف أبناءه الشيء الكثير عن رسولهم وقدوتهم، فلا يعرفون سيرته ولا أخلاقه ولا أسماء زوجاته أو أبناءَه أو أصحابه أو معاركه أو غزواته، ولو سألتهم عن أحد المشاهير اليوم من فنانين أو رياضيين لسردوا لك سيرة حياته بأكملها، فلعلّنا ننتهز هذه المناسبة لكي نُعزِّز هذا الجانب لدى أبنائنا، كما نُعزِّز جانب أن نكون أمة واحدة متماسكة متعاضدة متحابة متعاطفة، بعيدة كل البعد عن الفرقة والتناحر والعنصرية والعصبية والتشرذم.
إنها ذكرى عطرةٌ ليوم ميلاد أفضل الخلق، الذي نسأل الله أن يجعله دائماً في قلوبنا، وأن يرزقنا اتّباع سنته والاقتداء بهديه الكريم.
الاحتفالُ بأمر مشروع فقد احتفل النبي-صلى الله عليه وسلم بالصيام وبانقضاء مناسك الحج.
التذاكر والتذكير والإقبال على سنته وتطبيقها وتلقينها وتنفيذها تنفيذا عمليا ، مدارسة سيرته، وتعويد الأطفال عليها تعويدا عملياً.
فعل القربات كالصدقات وغيرها، وهو الأصل، واستغلال المواسم للتذكير به وبأفعاله وصفاته ومناقبه وحث الناس على تمثلها في حياتهم.
وبالمجمل التبجيل وإظهار الاعزاز لشخص نبينا وإن كان غير موجود هل هو حرام؟
كما أن المناسبةَ فيها إغاظة لأعداء الله وأعداء امة محمد اليس هذا مما يحثنا عليه ديننا فلماذا تستكثرون علينا هذا الفعل؟
فإن كنا نعتقد أن الله تعالى نزل شريعته صالحة لكل زمان ومكان، فقد وردت آيات من كتاب الله تعالى تدل على أن الله سيمنعه ويعصمه ويكفيه يقول الله تعالى:
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95} الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ {96} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ {97} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {98} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ {99}” سورة الحجر
” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” المائدة
وهذه المنعة صالحة لكل زمان ومكان، فكما منعه سبحانه وتعالى حيا، سيقيض له من عباد الله من يدفع عنه ميتا.
اختم بسؤال الباحث عن المعرفة.. اين الموضوعية لديكم؟ لا تعترفون بفضل غيركم وإن كان نبيكم؟ شأنكم فدعوا لغيركم شئونهم!
بالمجمل موقفكم هذا لا يدل إلا على حدة وجهالة في التعامل إزاء الآخر ورفض لسبل الالتقاء والتعايش مع الغير وهذا يخالف ديننا نصاً وشرعة وحكم.