«إيكونوميست»:الخليج على حافة الهاوية.
مقارنة بـ «جبل علي» في دبي، يبدو ميناء «الفجيرة» الإماراتي وكأنه ميناء هادئ من البحر المتوسط. ويخدم الميناء، الواقع على الساحل الشرقي لدولة الإمارات العربية المتحدة، كمستودع لتزويد السفن التي تمر بمضيق هرمز بالوقود. فهو يفتقر إلى سعة الشحن والأدوات ذات التقنية العالية الموجودة في «جبل علي»، أكبر ميناء في الخليج، وتاسع أكبر ميناء في العالم. لكن «الفجيرة» يعد الرابط الوحيد للإمارات بأعالي البحار دون تجاوز المضيق المضطرب؛ وبالتالي، فقد أصبح نقطة محورية وسط التوتر المتزايد بين إيران والغرب.
وقد ارتفع هذا التوتر في 19 يوليو/ تموز، عندما استولت البحرية الإيرانية على ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” أثناء إبحارها غربا عبر المضيق.
وترسو السفينة التي يبلغ وزنها 30 ألف طن الآن بالقرب من “بندر عباس”، رهينة لنزاع بدأ في 4 يوليو/ تموز، عندما صادرت بريطانيا ناقلة إيرانية قيل إنها كانت متجهة إلى سوريا، أثناء عبورها جبل طارق.
وفي واحدة من قراراته الأخيرة كوزير للخارجية، اقترح “جيريمي هانت” تشكيل قوة عمل أوروبية لحماية السفن التجارية في الخليج.
زيادة المخاطر
وتشعر بريطانيا وحلفاؤها بالقلق من تهديد قطاع الأعمال وإمدادات الطاقة. وبالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، ترقى التوترات مع إيران إلى اعتبارها قضية وجودية. وعلى الرغم من بعض الخطابات المتشددة، تشعر دول الخليج بالقلق إزاء سياسة الرئيس “دونالد ترامب”، المتمثلة في فرض “أقصى قدر من الضغط” على إيران. ويهدد الصراع البنية التحتية لهذه الدول، وقد يعوق شحنات النفط والغاز التي تعتمد عليها خزائنها وميزانياتها. وفي هذا يتساءل أحد الدبلوماسيين القطريين، قائلا: “من سيدفع الثمن؟ نحن من سيدفع الثمن”.
وعلى الرغم من كل تهديداتها، لا يمكن لإيران إغلاق مضيق هرمز ببساطة، وهو ممر يعبر خلاله خمس النفط المتداول في العالم، وربع الغاز الطبيعي المسال، لكنها قامت بالفعل برفع تكلفة الشحن التجاري.
وأصبح ميناء “الفجيرة” هدفا في شهر مايو/أيار، عندما تعرضت 4 صهاريج نفط في عرض البحر لثقوب في هياكلها. وكانت إيران المشتبه الرئيسي، على الرغم من أن المحققين لم يلقوا عليها باللوم رسميا. وقد عانت أعمال تموين السفن في “الفجيرة” نتيجة لذلك.
وارتفعت أقساط التأمين على المضيق بمعدل 10%. وبالنسبة لأكبر ناقلات النفط، فقد تضاعفت التكلفة، مع وصول تكلفة العبور الآن إلى ما يصل إلى 500 ألف دولار للتأمين. وقد يقرر بعض الشاحنين عدم المجازفة بالإبحار عبر المضيق. ويعد هذا مصدر قلق لدول الخليج، التي تعتمد على الممر المائي لاستيراد كل شيء، من القمح إلى السيارات. وليس لدى 3 منها، وهي البحرين والكويت وقطر، منفذ آخر إلى البحر.
وتعد البنية التحتية على الأرض عرضة للخطر أيضا. ويقاتل “الحوثيون” التحالــــــف الذي تقوده السعودية في اليمن. لكنهم ضربوا أيضا أهدافا سهلة داخل أراضي الدول الخليجية نفسها. وفي مايو/أيار، أعلن “الحوثيون” مسؤوليتهم عن استهداف خط أنابيب في المملكة العربية السعودية، في حين ألقى مسؤولون أمريكيون اللوم في ذلك الحادث على الميليشيات الشيعية في العراق.
وأعلن “الحوثيون” أنهم استخدموا طائرات بدون طيار بعيدة المدى، والتي يمكنها ضرب حقول النفط أيضا في الإمارات. وفي 3 مناسبات على الأقل منذ مايو/أيار، أطلقت المجموعة صواريخ على المطار الدولي في “أبها”، جنوب السعودية. وقد قتل القصف شخصاً واحداً.
وفي يونيو/حزيران، أطلق “الحوثيون” صاروخا على محطة سعودية كبيرة لتحلية المياه في “الشقيق”. ولقد تسببت في أضرار قليلة، لكنها سلطت الضوء على نقطة ضعف أخرى؛ حيث تحصل المملكة على نحو ثلث من احتياجاتها من مياه الشرب، أي أكثر من مليار متر مكعب في العام، من مثل هذه المنشآت، التي تعد باهظة التكلفة وسهلة الاستهداف. ويشعر القطريون كذلك بالقلق إزاء شركة النقل الجوي الوطنية، التي اضطرت، منذ فرض جيرانها العرب حظرا عليها عام 2017، لتوجيه مئات الرحلات الجوية اليومية عبر إيران. وقد تم إسقاط ما لا يقل عن طائرتين بدون طيار، واحدة أمريكية وأخرى إيرانية، في المنطقة مؤخرا.
دول الخليج تعاني
وتكافح دول الخليج لمواجهة هذه التهديدات. ورغم أنهم أنفقوا عشرات المليارات من الدولارات على مجموعة من الأسلحة من أمريكا وأوروبا، إلا أنها ليست دائما الأسلحة المناسبة. فالدبابات والطائرات المقاتلة لها قيمة محدودة في الصراعات غير المتماثلة. وتعد أساطيل الدول الخليجية صغيرة وتفتقر إلى الخبرة القتالية؛ وهي تتدرب مع الولايات المتحدة وتشتري سفنا جديدة، لكنها تلعب رغم ذلك دورا هامشيا في الأمن الإقليمي. وبعد أعوام من الحديث عن دفاع صاروخي موحد لمجلس التعــــاون الخليجي، لم يتم الوصول إلى شــــــيء، وتبقى الدفاعات الفردية متقطعة وضعيفة. وإذا ضربت الطائرات بدون طيار خط أنابيب النفط في السعودية، فإن ذلك يعني أنها أمضت ساعات في الطيران
دون اكتشافها فوق أجواء المملكة.
ولطالما اعتبرت السعودية إيران عدوا رئيسيا لها، ولا تزال تدعم السياسة الأمريكية على نطاق واسع. لكن المسؤولين في الدول الخليجية الصغيرة غير سعداء، ويشعر المسؤولون في دولة الإمارات بأنهم عالقون. وفي العلن، لا يمكنهم الانفصال عن “ترامب” أو عن حلفائهم السعوديين، لكنهم يبعدون أنفسهم عن المأزق بمهارة. فهم يسحبون القوات من اليمن جزئيا لتخفيف التوترات مع الحوثيين، وبالتالي تجنب التعرض للهجوم. واتخذت أبوظبي موقفا حذرا تجاه إيران، حتى أنهم أشاروا إلى أنها ربما لم تكن مسؤولة عن التخريب في “الفجيرة”. ويقول أحد المسؤولين في دبي: “يمكنهم إغلاق هذا المكان ببعض الصواريخ. نحن بحاجة لحماية مصالحنا الخاصة”.