الخبر وما وراء الخبر

قرار الانسحاب الإماراتي من اليمن اعتراف بالهزيمة أم إعادة تموضع وانتشار؟

31

بعد أكثر من أربع سنوات من مشاركتها في الحرب على اليمن ، وأمام تنامي الإحساس بالتهديد بفعل تطورات الأزمة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية ، تقف الإمارات بصغار وخيبة من انخفاض المكاسب المتوقعة التي كانت تسعى إليها سواء في حربها على اليمن أو من تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن تزايد الخسائر المتحققة التي كانت تهرب منها.

أبرز تطور حصل في الأسبوعين الماضيين قرار الإمارات الانسحاب من المستنقع اليمني لأسباب قال مسؤولون إمارتيون إنها “تكتيكية واستراتيجية”، تمهيداً للانتقال بعد هذه الخطوة، إلى “استراتيجية سلام” لحل الأزمة . الوضع المستجد بين ايران والولايات المتحدة الامريكية

والذي لا تقف تداعياته على طرفيها المباشرين فقط، وارتفاع أسعار النفط، واضطراب طرق إمداداته، وضرب السفن واحتجازها، واسقاط الطائرة الأمريكية، ومكان وقوع الحرب وأهميته بالنسبة إلى الاستقرار والأمن في العالم، كل ذلك يعتبر تغيّراً خطيراً في بيئة الخليج عموماً وقواعد الاشتباك بين أطراف الصراع، واحتمالات التدحرج إلى مواجهات لا تقف عند سقف ومجال محدد .

وبناء عليه يمكن تسجيل الملاحظات الآتية على خلفية القرار الإماراتي بالانسحاب :

1ـ اليأس من تحقيق انتصار ناجز وواقعي بعد اربع سنوات من الحرب .

2ـ الهرب من تبعات الهزيمة .

3ـ الخوف من توسيع “انصار الله واللجان الشعبية” ضرباتهم عبر المسيرات والصواريخ البالستية لتتطال عمق الأراضي الامارتية .

4 ـ الخوف من تضرر حركة الاستثمارات المالية والعقارية فيما لو استمرت الحرب على هذا المنوال .
5ـ الانقسام داخل العوائل الامارتية الحاكمة وخصوصاً بين أبو ظبي ودبي واختلاف المقاربات حول الملف اليمني والإيراني. ففي حين تفضل دبي بشخص الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم الانسحاب والتراجع والتموضع الهاديء لحسابات تتصل بواقع دبي الذي يعتمد وجودها ونموذجها على الاستقرار والجاذبية التجارية، نجد أبو ظبي بشخص الشيخ محمد بن زايد ال نهيان مأخوذاً بالسقف الأمريكي السعودي في التشدد مع الحالة اليمنية ومع التهديدات الايرانية حيث يتمنى ان تخوض الولايات المتحدة الامريكية حرباً ضد ايران بالوكالة لاعادة رسم المعادلات في المنطقة، لكنه في الوقت ذاته يخشى من تدحرج الأمور الى حرب شاملة لا يقوى على تحمل نتائجها على استقرار حكمه .

6 ـ التمايز والاختلاف بين السعودية والامارات حول أهداف العدوان وتضارب المصالح الميدانية حيث عمدت الامارات على سبيل المثال الى سحب قواتها بعيداً عن العاصمة ومن معظم مواقعها في محافظة الحديدة تجنباً لمزيد من الخسائر البشرية والمادية، وفي الوقت الذي تعتبر الامارات أنّ معركتها في اليمن معركة نفوذ وسيطرة على باب المندب وميناء عدن وموانىء بحر العرب النفطية في الجنوب ، تعتبر السعودية أنّ معركتها هي معركة وجود وعمق أمني واستراتيجي وايديولوجي .

7 ـ فشل المبادرات الأممية يضع الإمارات بين خيارين الأول الاستمرار في الحرب دون أفق واضح واستنزاف بشري وسياسي واقتصادي مؤلم ، والثاني الانسحاب للحد من الخسائر، والتموضع في سياق تسوية تحفظ لها بعض المكاسب وتحمي جزءًا من دورها في اليمن.

8 ـ جذب اهتمام الإيرانيين للعب دور في التهدئة والتسوية تسمح من جانب آخر بفتح كوة في جدار الأزمة الإيرانية الأمريكية على قاعدة نخرج من اليمن في مقابل التفاوض من جديد مع الإدارة الأمريكية حول النقاط ١٢ التي وضعها وزير الخارجية مايك بومبيو لرفع العقوبات.

9 ـ اقتناع الإماراتيين أنّ أمريكا لا تريد الحرب بل تخشاها، وتسعى عبر وسطاء لتخفيض التوتر، فالأولى لها حينئذ أن تنخرط في مبادرات السلم لا في مناورات الحرب .

10 ـ خشية الإمارات من أن يؤدي تكرار الصدامات في مياهها الإقليمية إلى الانزلاق في مواجهات محدودة أو واسعة وأنها لو استمرت على موقفها وتموضعها ستتحمل الأضرار والثمن الغالي في استقرارها وأمنها.

خلاصة: يمكن أن يكون الموقف والقرار الإماراتي تعبيراً عن الانزياح في موازين القوى داخل اليمن ومحاولة من الإمارات الهروب من إعلان هزيمة حتمية لقوى تحالف العدوان. فضلاً عن صراع الأجنحة بين العوائل الحاكمة وتحسسهم حراجة التوازن القائم بين إيران والولايات المتحدة

في لحظة صراعية لا تحتمل المغامرات. نعم هي خطوة احتجاج وامتعاض وخوف وقلق وخشية من الآتي الذي يتطلب مراجعة نقدية لحسابات الربح والخسارة وحسابات الحرب والتسوية . الإمارات في موقف حرج وموقفها بالانسحاب زادها حراجة أيضا فلا هي قادرة على الاستمرار في الحرب ولا التراجع عنها ولا التموضع بالطريقة التي تريدها هي تبدو منطقية لحلفائها في لحظة استقطاب واحتشاد لمواجهة القوى المنافسة.