الخبر وما وراء الخبر

 الرؤية الاقتصادية في محاضرات السيد القائد الرمضانية (معالجات قرانية لمشكلة الفقر)

42

أطل السيد القائد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي حفظه الله في كل ليالي شهر رمضان المبارك لهذا العام 1440هـ بمحاضرات قيمة تتناول لب الدين وجوهره، ونعمة الهداية، ونعمة القرآن الكريم وما تضمنه من توجيهات الهية، متعلقة بالمعاملات والقيم الإنسانية والأخلاقية والنفسية،

ومن عبق محاضرته الرمضانية؛ يقدم السيد القائد رؤية اقتصادية متكاملة ويبين مجالات بناء الأمة، البناء الصحيح والقوي في المجالات الاقتصادية والتجارية والزراعية بما يجعلها أمة قادرة على مواجهة اعدائها المتربصين بها، إذ تابع محاضراته الملايين من الناس الطامعين إلى الأمن والاستقرار والحياة المليئة بالعدل والمساواة بعيدا عن قوى التسلط والتجبر..

ونحن بعون الله سنتاول جوانب رؤية السيد القائد الاقتصادية التي وردت في تلك المحاضرات ضمن سلسة مواضيع متتالية.

الرؤية القرآنية لمعالجة مشكلة الفقر:

يقدم القرآن الكريم معالجات مهمة جداً، وأساسية وفعّالة ومؤثرة ومفيدة لمشكلة الفقر بما يساهم بالتخفيف منه، وتحد من البؤس والعناء والشقاء والفقر، ويبين السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في المحاضرة الثالثة عشره أبرز المعالجات القرآنية لمشكلة الفقر، تتمثل المعالجة الأولى في معالجة الواقع النفسي للإنسان، فيما تتضمن المعالجة الثانية في الإغاثة الخيرية، وفيما يلي تفصيل ذلك:

معالجة الواقع النفسي للإنسان:

يقدم القرآن الكريم معالجات مهمة جداً، وأساسية وفعّالة ومؤثرة ومفيدة لمشكلة الفقر بما يساهم بالتخفيف منه، وتحد من البؤس والعناء والشقاء والفقر، وعندما يقول الله سبحانه وتعالى في الآية المباركة {وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم خَشيَةَ إِملاقٍ ۖ نَحنُ نَرزُقُهُم وَإِيّاكُم} [الإسراء: 31] فهو يقدم أول معالجة مهمة جداً وهي المعالجة للواقع النفسي، ويؤكد السيد القائد بأن العامل النفسي المتمثل بالقلق من الفقر، أو حالة اليأس وانعدام الأمل تمثل مشكلة بحد ذاتها، وأن الإنسان إذا امتلك الأمل والثقة بالله سبحانه وتعالى والاطمئنان النفسي تجاه الرزق هذا سيساعده لأن ينطلق في ميدان العمل للأخذ بالأسباب من واقع نفسي متوازن ومطمئن.

إن الخشية والخوف من الفقر يعد عامل نفسي بحد ذاته يؤثر على الكثير من الناس ويدفعهم إلى ارتكاب تصرفات إجرامية وأفعال محرمة في كثيرة من الحالات، ويبين السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن حالة القلق، واليأس، والاضطراب النفسي الشديد، والضغط النفسي الشديد جميعها تؤثر على الكثير من الناس وبالذات إذا كانت طبيعة الأسرة مقلقة، وأنه عندما يعيش البعض من الناس في هذا الجو الضاغط، والمقلق، والمزعج، فإنه قد يندفع بغية توفير المال وتوفير المتطلبات التي تطالب بها أسرته، فيقوم بفعل أي شيء حتى ولو كان جريمة، أو خيانة، أو فعلا محرماً.

وهنا يؤكد السيد القائد بأن هذه حالة خطيرة جداً، ويبين أن المعالجة الأولى للفقر في الإسلام، وفي القرآن الكريم تأتي إلى الواقع النفسي وهذه معالجة في غاية الأهمية، ويقدم التشخيص الدقيق لذلك، حيث يؤكد أنه في حال اجراء استقصاءً لكثير من الجرائم والخيانات والتصرفات المحرمة التي ارُتكبت سيكون الهدف من ورائها الحصول على المال، أو الحصول على متطلبات مادية معينة، ويبين أن أول وأكبر عامل فيها هو القلق والاضطراب والضغط النفسي، واليأس الذي لدى البعض فيتجه إلى وسائل وبدائل محرمة.

وفي خضم ذلك يطرح السيد القائد المعالجات القرآنية الناجعة حيال ذلك، ويؤكد أن الانسان المؤمن يحظى في القرآن الكريم برعاية وهداية واسعة، وأن جانب منها يتجه إلى هذا الجانب النفسي الحساس، ويبين أن الله جل شأنه عندما قال {نَحنُ نَرزُقُهُم وَإِيّاكُم} [الإسراء: 31] فإنه يعطي طمأنة كبيرة للإنسان، لاسيما وأن الله جل شأنه قد تكفل بالرزق للإنسان وبالتالي لا يحمل هذه الهموم وكأنه هو الرزاق من يرزق نفسه وأسرته، وأن الله سبحانه وتعالى، الكريم، الغني، الحميد، الوهاب، المنان، ذو الفضل الواسع هو من يرزقك ويرزق الآخرين.

ويخاطب السيد القائد الانسان بأن لا يقلق نفسه بشكل زائد، وألا يزهق نفسه بالهم والحسرات، بل يطمئن ويأخذ بالأسباب الصحيحة، التي تكون أسباباً رحمته الله وفضله، ونيل رضوانه والخير منه، ويؤكد السيد القائد أن في القرآن الكريم الوعد الإلهي المقترن بالتقوى قال تعالى:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا (2) وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، وقول الله سبحانه وتعالى {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق: 7) فالقرآن يعزز الأمل والاطمئنان والثقة بالله سبحانه وتعالى.

ويبين السيد القائد أن من اسماء الله الحسنى الكريم ،الرزاق والمنان والوهاب، وهو تعالى الذي تكفل برزق عباده، ويشدد السيد القائد بأن المجتمع بحاجة الى العودة والرجوع الى الله بالدعاء والتوبة وب=التقوى والاستقامة على نهجه والالتزام بتوجيهاته وفق الضوابط التي حددها من حلال وحرام، ويؤكد ان من أسباب الرزق هي التقوى التي تجلب البركة وسعة الرزق في المعاملات فيما بين الناس وفيما يتعلق بالجانب المادي، ويعزز السيد القائد ذلك بالقول أن الإنسان الذي يعيش الأمل والثقة بالله سبحانه وتعالى يجعله محط رعاية وفضل من الله، بأن يرحمه ويغيثه ويعينه الله، وأن الله عز وجل لا يترك من يثق به ويتوكل عليه ويأمل فضله ويرجو رحمته.

الإغاثة الخيرية:

في خضم حديثه عن المعالجات القرآنية لمشكلة الفقر، يبين السيد القائد أن المعالجة الثانية في الإسلام هي الإغاثة الخيرية، وأن الله سبحانه وتعالى جعل في الجانب الخيري عناوين متعددة، البعض منها إلزامية، والبعض منها تطوعية، ويشير الى أن الحالة الإلزامية تتمثل في الزكاة التي هي حالة إسعافيه للفقير، وقد تفيد في كثير من الحالات بأكثر من حادثة إسعافيه وجرعة إغاثية إلى كونها أيضا تمثل عاملاً مساعداً لبناء واقعه الاقتصادي من جديد ليستطيع أن يتخلص من البؤس الشديد والعناء الكبير من الفقر.

كما يشير السيد القائد الى أن الصدقة هي عنوان تطوعي فيه أجر وفضل وقربة عظيمة إلى الله سبحانه وتعالى، وتعد سبباً في أن يحصل الإنسان على سعة الرزق، حيث انها سبب من أسباب البركات، وأن الرزق يستنزل بالصدقة.

وفي سياق ذلك، يبين السيد القائد أن الحالة التكافلية والتضامنية بين أبناء المجتمع هامه جداً، ويؤكد أن المجتمع المسلم يجب أن يكون مجتمعا متراحما ومتعاونا، يغيث بعضه بعضاً، وأن لا يتفرج الناس على البؤس في اوساطهم ، ويشدد على رعاية القريب وتعاون الجار مع جاره، والصاحب مع زميله، والحث على الإحسان كعنوان عام، من خلال الاحسان بين أبناء المجتمع بعضهم البعض وأن يغيث ذو السعة الملهوف والفقير والمحتاج، في مختلف الظروف والحالات، يقول الله تعالى {وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 195) ويؤكد السيد القائد أن هذه الروحية يجب أن تكون روحية عامة فيما أبناء المجتمع المسلم.