الفشل السعودي امتداد طبيعي للفشل الإسرائيلي
لا تزال التطورات الإقليمية تُرخي بظلالها على الشرق الأوسط لترسم معادلات جديدة.
المعادلات الجديدة تشي بتغيّر الواقع الذي كان سائداً منذ بدء الاحتلال العثماني، مروراً بالاحتلالين البريطاني والفرنسي وصولاً إلى الهيمنة الأمريكية.
المُستشرِق الإسرائيليّ “د. يارون فريدمان” تطرّق إلى هذه المستجدات مشيراً إلى أنّ الحرب في اليمن تبدو وكأنّها أزمةً بعيدةً عن “إسرائيل” وليست ذات صلة كما كانت، لكنها يجب أنْ تكون ذات أهمية كبيرة لأسباب مختلفة، فـ”إسرائيل” والسعوديّة، الحليفان الرئيسان لواشنطن في المنطقة تُواجهان كلٌّ على حدّةٍ بفرعين من إيران، حزب الله والحوثيين، حيثُ تتلقيان التمويل والتدريب والتسليح من إيران، والكفاح ضدّهما يستغرق وقتاً طويلاً، ولا يُمكِن أنْ ينتهي بضربةٍ واحدةٍ، فـ”إسرائيل” تشنّ حرباً على حزب الله منذ 36 عاماً، ولا يمكن رؤية النهاية في أي مكانٍ، فهل تستطيع السعودية أنْ تنجح حيث فشل الكيان؟، على حدّ تعبيره.
وقد زعم المستشرق الإسرائيلي أنّ تحويل اليمن إلى قاعدةٍ إيرانيّةٍ لم يُهدد السعودية فحسب، بل يهدد كامل طريق تجارة النفط الذي يمرّ عبر عدن وباب المندب في اتجاه البحر الأحمر، مضيفاً: أصبحت الحرب في اليمن مشكلةً مُزمنةً في السعودية، فبعد كلّ قصفٍ سعوديٍّ جاء الردّ بإطلاق العشرات من الصواريخ قصيرة المدى والصواريخ الباليستية بعيدة المدى على أراضيها، خاصّةً في منطقتي نجران وجازان الجنوبيتين، وأثارت مجموعة صواريخ الحوثيين قلقاً كبيراً في السعودية.
في المقابل، أضاف: “كان صمود حزب الله في حرب لبنان الثانية بمثابة نصر له لأنّ إسرائيل لم تقدر على دحره، كما أنّه مع استمرار الحرب، وكذلك الكوارث والخطأ في إصابة الضحايا المدنيين، كل ذلك ساعد على تحويل الحوثيين إلى ضحايا في أعين العالم”. ليخلص إلى نتيجة مفادها: مشكلة السعودية هي مشكلة “إسرائيل”.
لا نختلف مع المستشرق الإسرائيلي بأن مشكلة السعودية اليوم هي مشكلة الكيان الإسرائيلي من ناحية الاعتداء على شعب أعزل.
ولكن رغم اختلافنا السياسي الكبير مع السعوديّة، فإنه لا مجال للمقارنة بينها وبين الكيان الإسرائيلي، فالسعودية دولة عربية مسلمة قائمة بحدّ ذاتها، مشكلتنا هي الأسلوب الذي اعتمده الأمير محمد بن سلمان منذ وصوله إلى القيادة، وأما الكيان الإسرائيلي فهو كيان محتل غاصب، لا يمتلك شرعية البقاء، وقد ارتكب من المجازر بحقّ الشعوب العربية والإسلاميّة ما جعله بالفعل غدّة سرطانيّة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: حاول المستشرق الإسرائيلي التركيز على العجز السعودي في اليمن، وتقديم هذا البلد المعتدي على شعب بأسره كجهة مظلومة معتدى عليها متناسياً المجازر، وهذا الأسلوب يتقن الإسرائيليون ممارسته تماماً كما في كل الحروب والمجازر التي يرتكبونها. والسبب في هذا التركيز هو محاولة التقرّب من السعودي الذي يعاني من الضعف حالياً، وبالتالي يريد أن يصدّق السعوديون هذا الشق، لكي يزرع في لا وعيهم أن الكيان الإسرائيلي يعاني من الأمر ذاته فهو معتدى عليه.
لذلك، لا نرى كلام المستشرق بعيداً عن مسار التطبيع، بل يسعى من خلال هذا الأمر لتعزيز مسار التطبيع وهو ما جاهر به في كلامه.
ثانياً: إن المسار القائم يؤكد أن خيار المقاومة هو الخيار الأنسب للشعوب، فقد نجحت تجربة حزب الله في صدّ العدوان الإسرائيلي وترسيخ معادلة ردع جديدة فشلت كل الدول العربية في ترسيخها خلال حروب العام 1967 و1973.
في المقابل، نجح الشعب اليمني في مواجهة العدوان السعودي رغم كل الدعم الذي حظي به إقليمياً ودولياً.
ثالثاً: قال المستشرق الإسرائيلي إن السعودية والكيان هما أقوى حلفاء واشنطن في المنطقة وهذا صحيح، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على أن الأمريكي يسعى للسيطرة على شعوب المنطقة عبر أدواته الإقليمية.
يسعى الأمريكي لتأمين مصالحه عبر الأدوات الإقليمية، فتجربة العراق أثبتت حجم التكاليف الباهظة التي ستدفعها واشنطن في حال قرّرت الدخول في حرب مباشرة، لذلك اليوم تسعى لتأمين مصالحها عبر هذه الأدوات، وفي الوقت عينه تشغّل مصانع الأسلحة التي تمتلكها واشنطن من خلال هذه الحروب لاسيما أنه ممنوع على حلفائها التسلّح بسلاح روسي أو صيني، وأما نحن فندفع الدماء.
رابعاً: لا يخفي هذا المحور حصوله على دعم إيران، ولذلك تحاول السعودية والكيان الإسرائيلي شيطنة حركات المقاومة من خلال “إيران فوبيا”، ولكن السؤال: هل قامت إيران منذ أن تأسست بالاعتداء على أي دول عربية أو غير عربية؟ ألم تتحمّل أعباء الحرب المفروضة والتي حظي فيها صدام بدعم أمريكي وسعودي؟
نعم، فشل الكيان الإسرائيلي خلال تجربة الـ36 عاماً مع حزب الله الذي نجح في ترسيخ معادلة ردع كبرى، وهذا ما نشاهد معالمه اليوم في اليمن.