الخبر وما وراء الخبر

عودةٌ مرحَّبٌ بها ولكن!

26

ذمار نيوز || مقالات 11 ذو القعدة 1440هـ الموافق 14 يوليو 2019م

بقلم /د. أحمد الصعدي

يتوالى هذه الأيامُ وصولُ عائدين من جبهات خدمة العدوان والغزو والاحتلال إلى صنعاء، وهذه الأخبارُ مرحَّبٌ بها على المستوى الرسمي والشعبي. يلقى العائدون الترحيبَ والاحترامَ ويُمنَحون الأمانَ؛ تجسيداً لقرار العفو العام وللتعهدات والدعوات التي ما انفكت توجهُها صنعاء، وهنا تثبت قيادتُنا الوطنيةُ بصدقِها في احترام ما تتعهّد به وما تبرمه من اتّفاقات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وفي الوفاء بمتطلباته، تثبت إمكانية خوض الحرب وَالسياسة مقرونتين بمستوىً عالٍ من الأخلاق. وفي هذه الممارسةِ غير المألوفة سابقاً ما يدُلُّ على تأثير الأخلاق القرآنية، فقد كان التنكُّرُ للعهود والاتّفاقات ديدنَ الحكام، وليست اتّفاقاتُ الوحدة عام 1990 والنكث بها بغائبةٍ عن ذاكرة اليمنيين، ونضيف إلى ذلك الغدر الذي راح ضحيتَه 183 فرداً من أعضاء الجبهة الوطنية الديمقراطية الذين عادوا إلى صنعاء وبعض المحافظات عام 1982 بناءً على اتّفاق بين قيادتَي الشطرَين وتعهد النظام الحاكم في الشمال بعدم المَسِّ بهم.

ومما يُلفِتَ النظرَ في ما يقوله بعض العائدين عن دوافع اتخاذه قرار مغادرة صفوف مرتزِقة العدوان أنه فعل ذلك بعد أن اقتنع بعدم جدية التحالف، ولاحظ سوءَ معاملته وعدم احترامه لمن يقاتلون في صفه! تقولُ النتيجةُ المنطقية من هذه المقدمة: إن تحالُفَ العدوان لو تحسنّت ظروفُه في الجبهات، وحسّن معاملته لمرتزِقته فإن حليمةَ قد تعودُ لعادتها القديمة، إلا أننا لا نذهب وراء ما يشير إليه هذا التفسير بل نرى أن ذكرَ مبررات ركيكة بل وسخيفة أحياناً لترك مقاتل خندقه في صَـفّ العدوان قد سبقتها دوافعُ ومبرراتُ أكثر ركاكة وسخافة دفعت به لاختيار الطريق التي قرر العودةَ عنها أخيراً.

الخيانةُ الوطنيةُ -يا هؤلاء- ليست مجردَ رأي مخالف أَو سوء تقدير شخصي أَو هفوة سلوكية بل أكبر الجرائم التي تستحقُّ أقصى العقوبات وفقاً للقانون إلا أنها بسطت في العقود الماضية إذَا تعلق الأمر بالسيادة الوطنية وضخمت إذَا دعت الحاجة السياسية الداخلية لاستخدامها لمعاقبة وتشويه المعارضين، وهذا ما لا يجوز أن يستمرَّ.

إن كُلَّ مَن انضم إلى صَـفّ العدوان الذي استهدف وما يزال احتلالُ اليمن وتمزيقُه قد وقع في جُرم خيانة الوطن؛ لذلك فالاعتذارُ الصريحُ للشعب المكلوم والمحاصَر والمجوَّع، وللوطن الجريح المنتهكة سيادتُه والمحتلّةُ أراضيه هو ما يجبُ أن يفعلَه كُـلّ عائد من صَفِّ العدوان ومرتزِقته، إذَا كان صادقاً ومتحلياً بالشجاعة.

لهذا يمكننا أن نقولَ للعائدين مرحباً بكم، ولكن اعتذروا لشعبِكم ولوطنِكم على ما فعلتم بحقه وعلى ما فعله ويفعلُه العدوانُ الهمجي الذي كنتم تخدمونه وتتمنون له النصر!