الخبر وما وراء الخبر

 البداية الأولى لترديد الصّرخة الأولى في وجه المستكبرين

203

اعداد الأستاذ المجاهد / فاضل محسن الشرقي

(أقول لكم أيُّها الأخوة: إصرخوا. ألستم تملكون صرخة أن تنادوا [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام[ أليست هذه الصرخة ممكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟ بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد – بإذن الله – ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده, بل وفي أماكن أخرى, وستجدون من يصرخ معكم – إن شاء الله – في مناطق أخرى: ]الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام[هذه الصرخة أليست سهلة كل واحد بإمكانه أن يعملها وأن يقولها؟ إنها من وجهة نظر الأمريكيين – اليهود والنصارى – تشكل خطورة بالغة عليهم. لنقل لأنفسنا عندما نقول ماذا نعمل؟ هكذا إعمل وهو اضعف الإيمان أن تعمل هكذا, في إجتماعاتنا, بعد صلاة الجمعة, وستعرفون أنها صرخة مؤثرة, كيف سينطلق المنافقون هنا وهناك والمرجفون هنا وهناك ليخوّفونكم, يتساءلون: ماذا؟ ما هذا؟. (محاضرة الصرخة في وجه المستكبرين).

هكذا ظهر السّيد/ حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) في محاضرة الصّرخة في وجه المستكبرين, وهو يتلوا هذا المقطع على حشد كبير من المؤمنين المجاهدين, ثم رفع السّيد يده الطّاهرة الشّريفة, وردّد هذا الشّعار, وردّدته معه تلك الجموع المحتشدة , وقد كانت هذه أوّل انطلاقة لترديد هذا الشّعار العظيم في قاعة مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام) في مرّان – صعدة– بتاريخ 17/ 1/ 2002م كما هو موضّح في محاضرة (الصّرخة في وجه المستكبرين).
إذاً كانت هذه هي البداية الأولى لترديد الشّعار (الصّرخة في وجه المستكبرين), وقد مرّ عليه إلى الآن عقد ونصف العقد من الزّمن, كلّها محفوفة بالصّراعات الدّامية, والحروب, والاعتقالات, والسّجون, تضحية مع الشّعار في سبيل الله سبحانه وتعالى, وموقفاً قوّيّاً في زمن بلا مواقف, زمن يسوده الخنوع, والصّمت, والرّهبة, والرّغبة لغير الله سبحانه وتعالى, وفي مسيرة الشّعار ثمّت ما يجب التّنبّه له, والتّوقف عنده …سيرة عطرة سجّلها أنصار الله منذ الانطلاقة الأولى للشّعار, نقف فيها مع أهمّ المحطّات, ونعرّج على أبرزها, إلاّ أنّه يجب التّنبيه أوّلاً على أنّ الشّعار كموقف وسلاح برز من بين ثقافة عالية تشبّعت بروح القرآن الكريم وانبلج من بين ثناياها المقدّسة, إذ لم يكن منفصلاً أبداً عن هذه الثّقافة القرآنيّة التي تضمنّتها سلسلة طويلة من الدّروس والمحاضرات للشّهيد القائد السّيد/ حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” تحت عنوان (دروس من هدي القرآن الكريم) .

*أ- البداية الأولى:*
على هذا كانت البداية مع السّيد الشّهيد القائد المؤسس نفسه كما يظهر في محاضرة (الصّرخة في وجه المستكبرين), وقد أكّد السّيد مراراً وتكراراً على أنّ الشّعار موقف قويّ من أعداء الله, وتحرّك ضروريّ في مواجهة المشروع الأمريكيّ والإسرائيليّ في المنطقة, كونه أفضل عمل يرضي الله في هذه المرحلة, وفعلاً لبّى من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه دعوة السّيد هذه, وبدأ الشّعار يردّد في كلّ محاضرة, وكل اجتماع, وقد ظهر الشّعار في مقاطع متعدّدة من كلّ محاضرات السّيد ودروسه, وفي البداية كانت محاضرات السّيد متوفّرة على أشرطت الكاسيت الصّوتيّة, ويسمع دويّ الشّعار يردّد أثناء الدّروس والمحاضرات, وانتشرت الصّرخة (الشّعار) أوّلاً في مناطق بلاد (خولان ابن عامر) وبالذات في منطقة (مرّان) محافظة “صعدة” وأخذ يتوسّع تدريجيّاً بشكل متسارع, ولقي ترحيباً حارّا في أكثر من مكان ومنطقة.
*ب- أساليب ووسائل متعدّدة:*

تطوّرت أساليب رفع الشّعار ونشره بين الفينة والأخرى, ففي البداية كان يردّد في الاجتماعات العامّة, والمحاضرات, في المدارس والمساجد, ثم وجّه السّيد بطباعة المحاضرات وسرعة توزيعها مقروءة في شكل ملازم كما هي عليه اليوم, كما وجّه بترديد الشّعار في كلّ اجتماع, وبعد صلاة الجمعة من كل أسبوع, وانتشر الشّعار انتشار النّار في الهشيم, وحرص السّيد على إرسال المبلّغين والمنذرين إلى كلّ منطقة وقرية, لتبصيرهم وتوعيتهم بأهميّة الشّعار وفحواه, وتعميم ثقافته الثّقافة القرآنيّة (الملازم والدّروس) إلى كلّ مكان ممكن, وتحرّك الشّباب وبذلوا قصارى جهودهم في سبيل ذلك ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد, عندما احتدم الخلاف وبلغ أُشدّه بين المعارض والمنكر له, وبين المحبّ والموالي للشّعار طبعاً, وبدء الشّعار يُردّد بعد خطبتي الجمعة من كلّ أسبوع في أكثر من منطقة, وكان أبناء مناطق وقرى خولان ابن عامر ممن حازوا فضيلة السّبق, وتفانوا في سبيل ذلك, حصلة معارضة شديدة من قبل بعض الشخصيّات الاجتماعيّة المرتبطة بالسّلطات, وبالمصالح, ومن قبل أجهزة الدّولة وموظفيها ونضراً لسطحيّة النّاس, وضعف وعيهم, وعدم إدراكهم لأهميّة هكذا مواقف, باعتبارها مواقف غريبة عليهم وجديدة.

أصرّ أنصار الشّعار أو المكبّرون كما كانوا يسمّونهم على موقفهم, وظهروا أقوياء المنطق, والحجة, والبرهان, بما أعيا كلّ بيان ومنطق, عندها وجّه السّيد بطباعة الشّعار في ملصقات ورقيّة صغيرة الحجم, ومتوسّطة, وكبيرة, ولافتات قماشيّة كُتب عليها الشّعار بالنّمط الذي أختاره السيد وحدّده, وكما هو عليه اليوم.
عندها طبع الشّعار وانتشر بشكل غير مسبوق, وتهافت عليه النّاس يلصّقونه في براقع جنابيّهم, وعلى أسلحتهم, وسياراتهم, وجدران منازلهم, ومساجدهم, ومقتنياتهم الشّخصيّة حيث حذّر السّيد ومنع من وضع هذه الملصقات على حقّ الغير والأماكن الخاصّة احتراماً للنّهج السّلمي, وحرّيّة التّعبير عن الرّأي, واحترام الآخرين, وتنوّعت الوسائل, والأساليب وفق نمط محّدد وموحّد, وطُبع الشّعار على ملابس الصّدر, الجسميّة الدّاخلية, وعلى الولاّعات, والأقلام, والميداليّات, وجداول الحصص المدرسيّة, والدّفاتر, وكانت تتطبعها آنذاك “مكتبة الوحدة” في مدينة صعدة, وتبيعها لمن أحبّ اقتنائها فقط, دون أن يُفرض على أحد, ثمّ تطوّر العمل وارتقى بأسلوب سريع وحكيم, ووجّه السّيد بكتابة عبارات الشّعار الخمس على الجدران, والخطوط, والأحجار, والجبال, وفي كلّ مكان أمكن, يترافق معه توعية قرآنيّة, ونشر, وتوزيع الدّروس والمحاضرات (الملازم) على كلّ النّاس, وكلّ فئات وطبقات المجتمع دون تمييز, سنّة, وشيعة, وموظّفين, ومسؤولين, في كلّ قطاعات الدّولة, وضبّاط, ومثقّفين, وعلماء, وسياسييّن….الخ, وأحرز الشّعار نموّاً مطّرداً, وتقدّماً ملحوظاً, مع توسّع ترديد الشّعار في المساجد بعد صلاة الجمعة, وفي الاجتماعات, عندها قرّرت السّلطة الدّخول في المواجهة المباشرة, لتقيد حركة الشّعار, والحدّ من نفوذة.
ج- المواجهة المباشرة:

بعد أن عجزت السّلطة, عبر أدواتها الإعلاميّة والدّعائيّة, ونشاطها الاستخباراتيّ المكثّف من زرع الفتنة, والعداوة, والقتال بين أبناء المجتمع الواحد, والقبيلة الواحدة, للصّد عن سبيل الله, وتحريضهم المتواصل ضدّ المكبّرين, قرّرت التّدخل المباشر, وكثّفت عبر محافظها في صعدة آن ذاك يحيي على العمريّ, وجهاز الأمن السياسيّ, والأجهزة الأمنيّة, والعسكريّة من النّشاط المعادي للشّعار, وأعلنت حالة الإستنفار, ووجّهت حتّى المكاتب المدنيّة والخدميّة للتّحرك ضدّ الشّعار, وانتشرت فرق مكثفة في محافظة صعدة لطمس ومسح عبارات الشّعار في كلّ شوارع المحافظة, وطلائها بالمعجون البلاستيكيّ والبوية, بما فيها الله أكبر, النّصر للإسلام, جاء ذلك بعد زيارة قام بها السّفير الأمريكي (آد مند هول) لمحافظة صعدة, وأبدى غضبه واستيائه من توسّع حركة الشّعار المناهض لسياسة بلده العدوانيّة, فحصل عكس النتيجة المرجوّة حيث استاء النّاس من هذا التّصرف الأرعن, وكَسبَ الشّعار الكثير من المؤيّدين والأنصار, وأعاد المجاهدون كتابة العبارات بشكل أوسع ممّا كان عليه, وظهر أعداء الشّعار عاجزين في هذا الميدان, جاءت هذه الأحداث بالتّزامن مع العدوان العسكريّ الأمريكيّ على الشّعب العراقيّ في العام2003م, وخرجت المظاهرات, والمسيرات الشّعبية المندّدة بهذا العدوان, في كلّ المحافظات اليمنيّة, وقد ظهر الشّعار يتقدّم هذه الجموع, ويرفرف فوق السّاحات, ويعلوا في كلّ المظاهرات في كلّ مدن اليمن, وكسب الشّعار شرعيّة أقوى, وبرز الموقف الوحيد, والتحرك الأمثل في الاتجاه الصحيح المناهض لأمريكا وإسرائيل, وفي المقابل توسّع الشّعار, وتمدّد إلى أغلب المساجد في محافظة صعدة, وكان جامع الإمام الهادي(عليه السلام) محطّ رحال المكبّرين هذه المرّة, إضافة إلى بعض المساجد داخل المدينة القديمة, وما أن يكمل الخطيب خطبتيّ الجمعة حتّى تصدح الحناجر, وتعلوا قبضاة الأباة بالصّرخة, مردّدين الشّعار [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام[, وكانت هذه قفزة نوعيّة للشّعار, وشجاعة عالية في أداء الواجب الدّيني, حينها تلقّت قيادة المحافظة التّوجيهات العلياء بالحسم السّريع, وإحكام القبضة الأمنّية, والعسكريّة, والبوليسيّة على جامع الإمام الهادي (عليه السلام) بالمحافظة, وصدرت التّوجيهات باعتقال كلّ من يردّد الشّعار, أو يحمله, ويناصره, وتوجّهت قوّة أمنيّة مدعومة بعناصر الأمن السّياسيّ لتفتيش كلّ المصلين أثناء دخولهم الجامع, واعتقال من يشتبه فيه ممّن يردّد الصّرخة, أو يحمل مصحفاً, أو شعاراً, وفعلاً حصلت الاعتقالات إلى سجن الأمن السياسي في كلّ جمعة, إلاّ أنّ ذلك لم يكن خياراً مجدياً, ولا عملاً ناجحاً مع نوعيّة راقية وعالية, ممّن يبلّغون رسالات الله ويخشونه, ولا يخشون أحداً إلاّ الله, ممّن لا يخافون في الله لومة لائم.

استمرّ المجاهدون في ترديد الشّعار كلّ جمعة ,واستمرّ التّدفق إلى جامع الهادي من كلّ حدب وصوب, فيما الاعتقالات مستمرّة, حتّى أكتظّ سجن الأمن السّياسيّ بمجاميع كبيرة من المكبّرين, رغم الاعتداء الفظيع الذي كان يمارس بحقهم داخل الجامع في بيت الله وسط جموع المصلين, وداخل أقبية الأمن السّياسيّ, حتّى أصيب بعضهم من شدّة التّعذيب بالمرض والشّلل.
حينها ومع اقتراب موعد الحجّ, قرّر الرئيس السابق (صالح) أن يحجّ إلى صعدة أوّلاً, ثمّ يتوجّه بعدها إلى بيت الله العتيق عبر منفذ البقع الحدوديّ, مصطحباً معه الشيخ عبدالله ابن حسين الأحمر, وعبدالكريم الارياني, وعبد المجيد الزنداني, وتعمّد النزول في يوم الجمعة, وقرّر الصّلاة في جامع الإمام الهادي لفرض هيبته وجبروته, لعلّ ذلك يحول بين المكبّرين, ورفع الشّعار في ظل حظرته… في تلك الأثناء ساد لغط واسع بين صفوف المواطنين في محافظة صعدة متسائلين ماذا سيصنع المكبرون هذه المرّة؟.
علم الجميع بخبر صلاة (صالح) في جامع الإمام الهادي, واحتشد الآلاف لأداء الصّلاة, ومراقبة الموقف, ولم يكن أحدٌ أسرع إلى الجامع من المكبّرين, وشهد الجامع أكبر عدد في حينه من أصحاب الصّرخة, أو أصحاب الشّعار كما كانوا يسمّونهم, وما أن أكمل الخطيب خطبته حتّي دوّت صرخة مجلجلة كادت أن تطير بلب “صالح” وزبانيّته”, كنت أنا في الصّفوف الأمامية الأولى, ورأيت “صالح “وقد أنتفض من مكانه خائفاً فزعاً, وأحاطت به حراسته من كلّ مكان, وما أن سلّم الإمام من الصّلاة حتّي ولّى هارباً دون أن يحسن السّلام من البوابة الخاصّة, وانتصر الشّعار على الطاغوت في حظرته, وأمام ناضريه, وتناقل النّاس خبر الصرخة باندهاش, وإعجاب بقوة المكبرين, وصدقهم, وصلابتهم.

ذهب صالح للغداء في منزل الشّيخ/ فارس مناع, وعقد بعده لقاء بالسّلطة المحليّة, ومسؤوليّ المحافظة, والمشايخ, والشخصيّات الإجتماعيّة, وناقش معهم موضوع الشّعار, وضرورة القضاء عليه, وإسكات الصّرخة, قرّر الجميع حينها أنّ الموضوع ليس أكثر من تحدّي, ومغامرة, وعناد, وأنّه لو يُطلق سراح المعتقلين, ويكفّ عن حملة الاعتقالات, لتوقّف الشّعار تلقائيّاً, قرّر (صالح) إطلاق سراح المعتقلين, وإيقاف الاعتقالات, وتوجّه محافظ المحافظة, ومدير الأمن السياسي, وبعض المشايخ والمسؤولين للقاء المساجين, وإطلاق سراحهم, مقابل تعهّدات خطيّة بعدم العودة الى ترديد الشّعار مرةً أخرى, ليُواجهوا بالرّفض الشّديد, وتفضيل البقاء في السّجن على التّعهد, حينها لم يكن بدّ من اطلاق سراحهم, بدون قيد أو شرط, وخرج المساجين أشدّ قوّةً, وصلابةً من ذي قبل, وباءة كلّ جهود المنع بالخيبة والخسران.
حينها كان الشّعار قد بدء يردّده الطّلاب في المدارس, وانتقلت الحرب إلى ساحة التّربية والتّعليم, وفُصل الطّلاب من المدارس, وأُوقفت مرتّبات المدرّسين للضّغط عليهم, كلّ ذلك حصل, ولكن دون جدوى, ومع هذا كلّه كانت توجيهات السّيد ودروسه تواكب الحدث لحظة بلحظة, مما يزيد في تبصرة النّاس, وتوعيتهم, ومواجهة كلّ المؤامرات, والمخطّطات, والضّغوطات بنفس قرآنيّ وأسلوب محمديّ, وعلت راية الشّعار, وقبضات المجاهدين الأبرار, ودوّت صرخاتهم في كلّ مكان.

المرحلة الثّانية : في الوقت الّذي اكتسح فيه الشّعار السّاحة في محافظة صعدة, كان منزل (السّيد) بمنطقة مرّان يستقبل وفود الزّوار يوميّاً, القادمين من محافظات مختلفة, من سياسيّين, وعلماء, وقضاة, ودعاة, وشخصيّات اجتماعيّة, ويسحرهم (السّيد) بأخلاقه العظيمة, وتواضعه الجمّ, وفهمه العميق الذي آتاه الله للقرآن الكريم, ولا يعودون من عنده إلاّ بقناعة راسخة رسوخ الجبال الرواسي.
واصل الشّعار مسيرته باتجاه كلّ شيء ممكن, المدرسة, والمسجد, البيت, والشارع, الأشجار, والأحجار, السّهل, والجبل, كلّ شيء هنا يتكلّم, وله لسان, وشعار الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل, يتردّد في كلّ مكان.
أمام هذا التّقدم السّريع والانتصارات السّاحقة, كانت العيون الإقليميّة والدّوليّة ترصد الأحداث, وتقرأ الأخبار أوّلاً بأول, حينها كانت “صنعاء” العاصمة على موعد مع الصّرخة في وجه المستكبرين, وبدأ الشّعار يردّد في الجامع الكبير بصنعاء, حيث السّفارة الأمريكيّة, والتّمثيل الدّبلوماسيّ العالميّ, وأصبح اليمن مناهضاً للسّياسة الأمريكيّة والإسرائيليّة, وهذا ما لا تقبل به السّلطة بحال من الأحوال, حيث وضعت الرّئاسة الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة في حالة التأهب, والاستنفار لمواجهة الصّرخة, ومحاولة وأدها في مرحلتها الثّانية, وأحكمت أجهزة الأمن القومي والسّياسي سيطرتهما على ساحة الجامع لكبير بصنعاء, وجعلت منه مسرحاً لأجهزتها القمعيّة, ومقرّاً دائماً لعناصرها, لتبوء مرّة أخرى كلّ تلك المحاولات بالفشل الذّريع, ويستمرّ المجاهدون بالتّوافد على الجامع الكبير كلّ يوم الجمعة, من كل أسبوع, رغم الاعتقالات, والاعتداءات المستمرّة, إلاّ أنّ المجاهدين لم يزدادوا من كلّ ذلك إلاّ قوّة وصلابة, وعزماً لا يلين, مرّة أشهر عدّة, وعدد المعتقلين على ذمّة الشّعار يزداد يوماً بعد آخر, مما أضطرّ السّلطات لتوزيع المجاهدين على سجون الأمن السّياسيّ بالمحافظات, ليصل عدد المكبّرين إلى قرابة الألف, وبدأت بعض الصّحف المحليّة, والإقليميّة, والدّولية, تتناول أخبار المعتقلين كلّ أسبوع, وتنشر أسمائهم على صدر صفحاتها.
الغضب الأمريكيّ من تنامي العداء الدّيني في المساجد اليمنيّة يزداد يوماً بعد آخر, فيما السّلطات تحاول استخدام كلّ الأوراق في سبيل الحدّ من الشّعار وإنهائه, بما فيها الورقة الدّينيّة, ودفعت ببعض العلماء وخدعتهم, للإفتاء بحرمة ترديد الشّعار في المساجد, واستقدمت عدداً من العلماء, والدعاة, والخطباء إلى السّجون لمحاورة الشّباب, وإقناعهم ببطلان الشّعار, وثنيهم عنه, مستعينة بعلماء ودعاة من خارج اليمن, أمثال الدّاعية المصريّ “عمر خالد”, لتتبخّر كلّ تلك المحاولات, وتبوء بالفشل مرّة تلوا أخرى, عندها قرّرت السّلطات الإفراج عن المعتقلين, مقابل التّوقيع على تعهدات خطيّة بعدم ترديد الشّعار واتّباع السّيد حسين, ونشر الثّقافة القرآنيّة, إلاّ أنّها اصطدمت برجال أقوياء صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وظلّ الشّباب على موقفهم يصدحون بالشّعار ليلاً ونهاراً داخل السّجون, والمعتقلات, فقرّرت السّلطات التّضيق عليهم داخل السجون, وتعذيبهم معنويّاً وجسديّاً, والتّقليل من الغذاء, ومنع الدّواء, والزّيارة, واستخدام العنف المفرط, والقنابل الغازيّة, وبقي الشّباب على عهدهم ووعدهم, مهما كان حجم الضّغوط والتّحديات.

وعلى أرض الميدان كان الشّعار يكتسح السّاحة بخطوات حكيمة ومتسارعة, والمكبرون يتواجدون بكثرة في كلّ مكان, بما فيه العاصمة صنعاء, وأخذت الصّرخة منحاً تصعيديّاً آخر, حيث انتشرت اللاّفتات القماشيّة الّتي كُتب عليها الشّعار فوق أسطح البيوت, ويعتلي الشّباب أسطح المنازل السّاعة التّاسعة مساءً, ويصرخون بالشّعار دون خوف أو وجل.

التّهديد والوعيد:
لم تقتنع الولايات المتّحدة الأمريكيّة بخطوات النّظام في اليمن, وكلّ ما قام به في سبيلها محاولاً إنهاء الصّرخة, وتكميم الأفواه, لذا صعّدت من لهجت احتجاجها مع الحكومة اليمنيّة, وقد نشرت مجلّة “المجلّة” اللندنية في حينه في عددين متتابعين اخبار الشّعار, وذكرت أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة تقدّمت بمذكرتيّ احتجاج للحكومة اليمنيّة تشكوا فيها من تنامي العداء الدّيني في المساجد اليمنية, وفي بداية العام 2004م عقدت وزارة الأوقاف دورة تدريبيّة لخطباء المساجد في محافظة صعدة, محذرةً من الغلوّ والتّطرف الديني, وقد حرصت على تضمين فريقها بعضاً من علماء الزيديّة, فيما كان الغرض شيئاً آخر, وعقد وزير الأوقاف حينها لقاءً خاصاً مع قيادة المحافظة, وبعض علماء الزيدية بمحافظة صعدة حضره من حضره منهم, وطلب منهم التّوقيع على بيان إدانة للسّيد/ حسين بدر الدين الحوثي, تحت عنوان النّقد والتّبين, وغرّهم واستدرجهم إلى ذلك, ليطير بعد التّوقيعات مباشرة إلى العاصمة صنعاء, معرّجا على بعض العلماء في صنعاء ليضيف توقيعاتهم إلى ورقة البيان المزعوم, ليتفاجأ موقعو البيان بنشره في جريدة “الثورة” الرّسمية, وقراءته من إذاعة صنعاء, تحت عنوان “علماء الزيديّة يعلنون برآءتهم من الحوثي وأتباعه”, ويحذّرون من أفكاره, فَهمَ من فَهم أنّ هذا كان بمثابة إعلان الحرب على السيّد, والتي باتت إرهاصاتها تلوح في الأفق.

وفي الميدان كان رسلاء من الرّئيس السّابق (صالح) قد وجههم للقاء السّيد/ حسين وإبلاغه رسائل التّهديد والوعيد بالحرب, ما لم يعلن توقّفه عن الشّعار, وممارسة النّشاط الدّيني القرآني, استعان السّيد بالله, وتوكّل عليه, ولم تأخذه في الله لومة لآئم, ووضّح, وبين لهم, وللرّئيس بما فيه الكفاية, وقرر مواصلة السّير واثقاً بالنّصر والتأييد من الله المعين, ووجّه للرئيس رسالةً خطيّة يطمئنه فيها من سلامة الموقف, وصدق النّوايا, وهذا نصّها:
(فخامة الأخ علي عبدالله صالح الأكرم السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
وصل إلينا الوالد غالب المؤيد, والأخ يحي بدرالدين الحوثي, والأخ الشيخ صالح علي الوجمان, وتمّ التّحدث معهم في أمور كثيرة, ومنها ما ظهر منكم من انزعاج منّا, وقد أثار هذا استغرابنا, لأنني متأكد أنّه لم يحصل من جانبي ما يثير لديكم هذا الشعور, وما أعمله إنّما هو انطلاق من الواجب الدّيني والوطني ضدّ أعداء الدّين والأمّة أمريكا وإسرائيل, فلا تصغوا لتهويل المغرضين والمنافقين, واطمئنوا من جانبنا فنحن لا نكيد لكم, ولا نتآمر ضدّكم, وماضينا وحاضرنا يشهد بهذا, ويفضح المغرضين, وعند لقائنا بكم إن شاء الله سيتمّ التّحدث معكم في الأمور التي تهمّكم, وتهمّ الجميع, والإخوان سوف يوضحون لكم تفاصيل حديثنا معهم, والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم/حسين بدر الدين الحوثي 8 ربيع الأول 1425ه)

كانت اللجان تعود بقناعة تامّة بصحة موقف السّيد, وسداد رأيه, وحكمته, لكن للأسف لم يكن أحد منهم ليجرؤ على قول الحقيقة, وكشفها للعيان, فيما الرّئيس يستبدل رسلاء بآخرين, حينها بعث الرّئيس رسالة عبر أحد معاونيه موجّهة إلى علماء الزيدية يبلّغهم فيها غضب الرّئيس, وسخطه, وانزعاجه ممّا يقوم به السّيد/ حسين بدرالدين, وترديد أنصاره للشّعار في المساجد, وبالذّات الجامع الكبير بصنعاء, ويطلب منهم سرعة التّحرّك لإقناع السّيد بضرورة التّوقّف, وسيكون هذا زيادة لهم في رصيدهم لدى السّلطة, ما لم فإنّ الدّولة ستُوقف السّيد/ عند حدّه, وستضرب بيد من حديد, وقد أعذر من أنذر, هكذا كان فحوى الرسالة, يومها أذكر أنّي كنت في زيارة مع بعض الإخوان للسّيد العلاّمة/ بدر الدين الحوثي (رحمه الله) بمنطقة آل الصيفي, وبينما نحن جلوساً عنده إذ دخل علينا أحد أقربائه, وسأله هل وصلتك الرّسالة الموجهة من الرّئيس لعلماء الزيدية؟ ثمّ استدرك قائلاً: لكن صح أنت ما هم معطين لك شيء, وأخرجها من جيبه, قال له العلاّمة الرّاحل اقرأها فقرأها علينا, فقال: السّيد الرّاحل “رضوان الله عليه” (ينزلوا يلتمسوا الهدى والنّور بدلاً من الصدّ عن الحق).
علم الجميع بخبر الرّسالة, وبيان العلماء, وتحضير السّلطة للحرب والعدوان, وتحرّك المرجفون في المدينة في كلّ مكان, وأعدّوا العُدّة, وبقيَ السّيد على ما كان عليه, ومعه من معه من المؤمنين الصّادقين الواثقين بالله رب العالمين

د- الحرب الأولى:

وفي يوم 17/ 6/ 2004م شنّت السّلطة عدوانها المباشر على كلّ المناطق المعادية لأمريكا وإسرائيل على أساس الشّعار, وتفجّر الوضع العسكريّ الظّالم, وتصدّى السّيد/ لهذا العدوان الهادف إلى إسكات النّاس عن الشّعار, وتكميم أفواههم عن الصّرخة في وجه المستكبرين, وأصدر (السّيد) بيانه الشهير الذي بين فيه أنّ هذه الحرب تأتي طاعة للأمريكيّين, بغرض إسكات النّاس عن الشّعار حيث قال فيه: (أيها الأخوة المؤمنون إعلموا يقينا أنكم تجاهدون في سبيل الله, وأنتم تواجهون هؤلاء المعتدين الظالمين, الذين يحاربوننا بمختلف الأسلحة لصدنا عن سبيل الله, وتذكير عباد الله بكتابه المجيد القرآن الكريم, وإسكاتنا عن الهتاف بهذا الشعار العظيم:
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام[
ضد أمريكا وإسرائيل التي تشن حربا صريحة ضد الإسلام والمسلمين, وكلنا نعلم كما يعلم أيضا من شن هذه الحرب علينا أننا لم نعمل شيئا غير هذا, وعملنا واضح منذ أكثر من سنتين ونصف, وأنهم الذين هاجمونا إلي ديارنا وبدئوا بالضرب علينا).
وأكّد السّيد/ حسين (رضوان الله عليه) في مقابلاته, وتصريحاته الإعلاميّة أثناء الحرب الأولى على أنّ الحرب ما قامت إلاّ بتوجيهات أمريكيّة بسبب الشّعار, ويقول في اتصال هاتفيّ مع إذاعة ال (بي بي سي): (هذا شيء فرض علينا فرض علينا هذا حرب بتوجيهات أمريكية شنوها علينا بتوجيهات أمريكية ورغبة أمريكية, واسترضاء أمريكي من جانب السلطة), ويضيف السّيد: (الحرب هذا علينا إمتداد واستمرار لمحاربتهم لنا كتوجه مناهض لأمريكا وإسرائيل يقوم على أساس القرآن الكريم – ويخاطب المذيعة- عرفتي؟ هم منذ سنتين لا حظي الحرب هذه التي شنوها علينا هي إستمرار وإمتداد لمحاربة منذ سنتين بدأت بشكل سجون مستمرة كل جمعة لدينا في السجون نحو ثمانمائة شخص على الأقل في سجونهم بسبب الهتاف بشعار “الله أكبر, الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل, اللعنة على اليهود, النصر للإسلام”) ويضيف السّيد: (الحرب هذه ليست جديدة هي بسبب مناهضتنا لأمريكا وإسرائيل المتمثلة بالهتاف بهذا الشعار ومقاطعة البضائع وتذكير الناس بالقرآن الكريم هذا كل ما نعمله) وعندما سألته المذيعة لماذا لم يذهب لمفاوضة الرّئيس وقد دعاك للحوار؟ أجاب عليها: (لم يحصل هذا, حصل قبل الحملة العسكرية هذه بنحو شهرين أن أرسل إلي شخص يقول لي بأن نتوقف عن هذا الشعار عن الهتاف بهذا الشعار وإلا فسيسلط علينا من لا يرحمنا هذا الذي حصل), وأكّد السّيد أنّ الموضوع الذي يتحرّك فيه هو موضوع فكريّ أساساً, تثقيف ومواقف طبيعيّة وسلميّة تتمثّل في شعارات, وفي مقاطعة البضائع الأمريكيّة والإسرائيليّة, وتذكير تثقيفيّ للنّاس بالقرآن الكريم ليس أكثر, وقال: (أنا لا أفرض هذا الشعار على أحد نحن ندعو إلى رفع هذا الشعار ولا نفرضه على أحد ولا نصدر أحكام تكفيرية ولا تفسيقية على من لا يرفعوه).
وفي مداخلة له مع قناة أبو ظبي أكّد السّيد على نفس القضيّة قائلاً: (نحن نذكّر الناس والتذكير ليس معناه مجرد أن نذكر أن هناك عدو فقط بل يجب أن تكون هناك رؤية تقدم للناس رؤية عملية ليتحركوا فيها على هذا الأساس كان أمامنا قضيتان: رفع شعار: الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام والقضية الثانية مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية والحث عليها كواجب).
واليوم ها هو قدّ تحقّق ما كان يدعو إليه السّيد, ويؤكّد عليه, وها هو الشّعار يدوّي في كلّ أرجاء اليمن, وأصبح ظاهراً, معروفاً, مشهوراً على مستوى العالم كلّه, وعلت رايته في كلّ مكان, وفعلاً حصل أن صرخ به أناس في مناطق عدّة كما قال السّيد ذات يوم.

*مقتطفات من كتاب “قراءة في المشروع القرآني”.