الخبر وما وراء الخبر

 دور الهيمنة الاقتصادية في تطبيق صفقة القرن

40

بقلم / علي ابراهيم مطر*

تعاني معظم الدول العربية من اقتصاديات سيئة، نتيجة أسباب متعددة على رأسها تفشي الفساد وسوء الإدارة وعدم الإصلاح الإداري. تجعلها هذه الأسباب تذهب نحو الاقتراض بشكل دائم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المؤسستين الماليتين الدوليتين اللتين تحولتا إلى سيف مسلط على رقاب الدول التي تعاني من مديونية عالية، ومنها لبنان ومصر والأردن وغيرها، ما يجعل سلطاتها مهددة بالابتزاز السياسي الدائم من قبل الولايات المتحدة الأميركية، التي تعتبر الطرف المسيطر على هذه المؤسسات.
تتحكم العلاقات الاقتصادية الدولية اليوم بالعلاقات السياسية في الكثير من الأحيان، وتخضع الدول لشروط الدائنين عادة. ومن أغرب الشروط التي وضعها الدائنون مثلاً ما وضعه البنك الدولي عند طلب الأردن قرضاً لتمويل بناء سد على نهر الأردن، فقد اشترط البنك موافقة إسرائيل على بناء السد وتعهدها بعدم تدميره، وهو ما منع إتمام القرض أو إتمام بناء السد. وربما حدث أمر شبيه بذلك مع مصر عند طلبها تمويل بناء السد العالي من البنك الدولي في الستينيات، حيث كان هناك شرط ضمني بضرورة موافقة الولايات المتحدة الأميركية، وهو الشرط الذي لم يتوفر، وبذلك لم يمول البنك بناء السد العالي.

هذا الأسلوب تتبعه واشنطن حالياً مع الدول العربية التي تلحظها صفقة القرن، المعلن عنها من قبل صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير، والتي تبدأ من خلال مؤتمر المنامة الاقتصادي، حيث تنطلق خطة كوشنير من الخطة الاقتصادية لتصل إلى تسوية سياسية تفرضها واشنطن، تصبح إسرائيل من خلالها دولة معترفاً بها، فيما تكون فلسطين مجرد إقليم داخل هذه الدولة.
وتقوم هذه الخطة على دفع 50 مليار دورلار، على شكل استثمارات ودعم اقتصادي بين فلسطين ولبنان ومصر والأردن، تنقسم هذه الأموال إلى 25 مليار تستخدم بين الضفة وغزة، و9 مليارات تذهب إلى مصر، فيما تذهب 5 مليارات إلى الأردن، أما نصيب لبنان وفق خطة كوشنير فهو 6 مليارات دولار. والملفت أن هذه الأموال التي لن تكون دفعة واحدة بل تقسم على 10 سنوات، يتم تأمينها عبر دول مثل السعودية والإمارات.

هكذا تنطلق صفقة القرن من الوضع الاقتصادي، لشراء ذمم الدول العربية التي تعاني من مديونيات عالية وإنتاج متدنٍّ، وعدم وجود قطاعات اقتصادية منتجة ومتوازية ما يجعلها تابعة لسياسات واشنطن، التي تسعى لإغراق الدول بالديون لتهيمن عليها عبر هذه المؤسسات. تبلغ مديونيات مصر الخارجية نحو 92.64 مليار دولار، وقد استدانت في الأونة الأخير 15 مليار دولار، مقسمة بين 12 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، و3 مليارات من البنك الدولي، فيما يبلغ حجم الدين في الأردن 40 مليار دولار، وهو ما يساوي تقريبا إجمالي الناتج المحلي، ويعول الأردن على المساعدات التي يحصل عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، وحصل الأردن من البنك الدولي على ما يقارب ملياري دولار مؤخراً، وما يقارب مليار دولار من صندوق النقد الدولي. تستغل الإدارة الأميركية وضع هذه الدول التي أصبحت مرتهنة ومهيمناً عليها بطريقة غير مباشرة عبر القروض الدولية لتجعلها أحد أطراف صفقة القرن في مقابل التصدق عليها ببضعة مليارات لتحسين اقتصادها واستثماراتها.

تريد واشنطن عبر هذه الصفقة شراء ذمم الدول العربية على حساب تصفية القضية الفلسطينية، على الرغم من المخاطر الكثيرة التي تنطوي على هذا العمل، علماً أن الخسائر التي ستتحملها ستكون أكبر بكثير من المليارات التي ستأخذها. وتسعى الإدارة الأميركية إلى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط وفق رؤيتها للشرق الأوسط الكبير، وبالتالي تقسيم الدول العربية من خلال هذه الصفقة، وفي مقدمة ذلك مصادرة أراض من فلسطين ومصر والأردن لإعادة ترتيب هذه المناطق وبناء الدولة الإسرائيلية المزعومة، وتحمل هذه الصفقة مخاطر متعددة أبرزها:
– تهويد مدينة القدس والسيطرة الكاملة على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
-ضم الضفة الغربية المحتلة تحت السيادة الصهيونية، والسيطرة الفعلية على المساحة الأكبر منها، وإنهاء فكرة قيام “الدولة الفلسطينية” المستقلة.
– إلغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وإسقاط حق العودة.
– ترسيخ الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
– تسريع وتيرة تطبيع العلاقات الرسمية بكافة أشكالها بين الكيان الصهيوني والدول العربية، والتخلص من قوى المقاومة.
– ستكون مصر إحدى الدول الخاسرة في هذه الصفقة حيث تسعى واشنطن إلى سلخ سيناء من الأراضي المصرية، حتى لا تشكل هذه المنطقة عائقاً أمام عملية التوسع الصهيوني لإقامة إسرائيل الكبرى، إذ تنص الصفقة على نقل سكان غزة اليها، هذا فضلاً عن أن الأردن سيكون الخاسر الآخر من خلال مصادرة أراض تابعة له وضمها للكيان الصهيوني.

-أما المخاطر المحدقة من هذه الصفقة بلبنان فهي محاولة فرض التوطين بعد أن يتم حرمان الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، لكن لبنان يؤكد على أنه لا تجزئة أو تقسيم أو توطين، ويشدد على دعم حق العودة والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وسائر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

إذاً، عبر التمهيد الاقتصادي تسعى واشنطن إلى فرض تسوية سياسية جديدة، تعطي فلسطين من خلالها للكيان الصهيوني، من خلال توريط مصر والسعودية والإمارات والمغرب والأردن ودول عربية أخرى في صفقة القرن لإعطاء مشروعية للاحتلال الإسرائيلي، وتوفير الغطاء السياسي والإعلامي لأكبر جريمة في تاريخ القضية الفلسطينية بإنهاء الوجود الفلسطيني، مقابل بضعة مليارات لا تكفي لسد ديون بلد واحد من هذه البلدان.
*العهد الاخباري