الخبر وما وراء الخبر

 عن الدلالات الهامة لإسقاط إيران للطائرة الأمريكية والرسائل التي أرادت توجيهها

49

بقلم / محمد مصطفى العمراني

اسقطت القوات الإيرانية بالأمس طائرة أمريكية مسيرة انطلقت من قاعدة الظفرة الجوية بالإمارات واستخدمت تقنية التخفي لكن المنظومة الصاروخية الإيرانية أسقطت هذه الطائرة عندما اخترقت مجالها الجوي وحلقت فوق محافظة هرمزكان الإيرانية هو الأمر الذي فاقم من حدة التوتر العسكري بين واشنطن وطهران بالخليج ودفع الرئيس الأمريكي ترامب للقول في تغريدة له بأن ” إيران ارتكبت خطأ جسيما وأن الرد عليها سيكون خلال الساعات القادمة” ، في هذا التحليل سنحاول التفصيل في دلالات وتداعيات هذا التطور العسكري الخطير وهل سيؤدي إلى اندلاع الحرب في الخليج أم سيتم احتواء هذا التطورات وتجنح واشنطن وطهران للتهدئة والحوار .
1- تدرك إيران تداعيات قيامها بقصف واسقاط طائرة أمريكية في ظل أجواء مشحونة بالتصعيد والتوتر ولكن مبادرتها بقصف هذه الطائرة يؤكد استعدادها لخوض الحرب وجاهزيتها له على كافة المستويات واستعدادها لتحمل العواقب فإيران وبحسب المسؤولين تعتبر التصدي لأي اختراق لمجالها الجوي من الثوابت وهي لن تفرط في ثوابتها وتعتبر اختراق ثوابتها خط أحمر ولن تقبل به مهما كان الثمن .
2 – قيام القوات الإيرانية باستهداف هذه الطائرة الأمريكية رغم ارتفاعها بأكثر من 50 الف قدم واصابتها بدقة يؤكد ان إيران باتت تمتلك جاهزية دفاعية فاعلة وعالية الدقة وقادرة على ضرب أهدافها بدقة مهما استخدمت خاصية التخفي أو مهما كان ارتفاعها وهذا مؤشر يؤكد الجاهزية العسكرية العالية للقوات الإيرانية والتطور التقني الذي تمتلكه واليقظة الكبيرة التي تتحلى بها قواتها بحيث صارت ترصد كل شاردة وواردة فوق مياه الخليج وخصوصا فوق مياهها الإقليمية وفوق مضيق هرمز وعلى طول حدودها وهذه رسالة أرادت إيران من خلالها القول للجميع : أحذروا ولا تستهينوا بقدراتنا .

3 – قصف القوات الإيرانية لهذه الطائرة الأمريكية هو رسالة لواشنطن بأننا جاهزون لأن نجعلكم تدفعون الثمن الباهظ وتسددون الفاتورة الغالية لأي تهور أو عدوان على إيران وهذه هي البداية فقط فكيف اذا تطور الأمر إلى حرب شاملة استخدمت فيها إيران كل طاقاتها وقدراتها العسكرية واستنفرت فيها حلفائها في المنطقة ؟!
من المؤكد أن ميزان التفوق العسكري من حيث التقنية والتطور يميل لصالح واشنطن وان إيران ستخسر من مكتسباتها في هذه الحرب المحتملة لكن الخسارة الاكبر ستكون من نصيب واشنطن وحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية والإمارات فإذا كانت إيران قد استطاعت بصاروخ أرض جو من منظومة ” سوم خرداد ” ايرانية الصنع قصف وتدمير هذه الطائرة الأمريكية الباهظة الثمن فمن المؤكد أن صواريخ إيران وحلفائها قادرة على ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة وتدميرها وقتل آلاف الجنود الأمريكيين فيها واعطاب حاملات الطائرات والبوارج الأمريكية في مياه الخليج وضرب المنشآت العسكرية الإسرائيلية وعلى هذا فيجب على واشنطن وخصوم إيران دراسة قدراتها جيدا وإعادة النظر في تقديراتهم وحساباتهم .
4 – قصف القوات الإيرانية لهذه الطائرة هي رسالة ايرانية موجهة ايضا لدول الخليج وفي مقدمتها الإمارات والسعودية مفادها : بأن منشآتكم النفطية والعسكرية ومصالحكم الحيوية ومدنكم تحت مرمى صواريخنا وقادرون على ضربها بدقة عالية وإلحاق أضرار كارثية فيها فمثلما استطاع حلفائنا في الماضي تهديد منشآت النفط السعودية ولذا عليكم ان تعيدوا النظر في دفع واشنطن إلى حرب قد تكون وشيكة مع ايران ستكون عواقبها كارثية بكل المقاييس والمعايير وستكونون أول من يكتوي بنارها ويدفع ثمنها ذلك ان عدة صواريخ ايرانية كفيلة بضرب منظومة الكهرباء في الإمارات واغراقها في ظلام دامس واعادتها عقودا إلى الوراء وحينها قد يموت الآلاف من شدة الحر في هذا الصيف الحارق فراجعوا حساباتكم .

5 – أظهرت هذه الأحداث حيرة الإدارة الأمريكية وانقسامها وتخبط الرئيس الأمريكي ترامب الذي لم يفصح عن الرد الأمريكي على مثل هذه الخطوة الإيرانية وتردده بين جناح يدعو للحرب ويحرض عليه وهو جناح وزير الخارجية مايك بومبيو ومستسار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون وبين جناح يرفض الحرب كما ظهر في موقف رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي والتي دعت إلى خفض التصعيد مع إيران ووعدت ببذل كافة جهودها لتهدئة الأمور وعدم دفع الجناح المتطرف لترامب إلى حافة الحرب مع إيران لادراكها وادراك تيار عريض في البيت الأبيض والنخبة الأمريكية بمخاطر هذه الحرب وتداعياتها السلبية على مصالح واشنطن في المنطقة كما ظهر في ردود الأفعال الدولية المخاوف الدولية من نشوب هذخ الحرب والتحذيرات التي انطلقت من عواصم العالم تحذر من خطر اندلاع مثل هذه الحرب وتداعياتها في منطقة ملتهبة بالحروب والاضطرابات ولا تتحمل المزيد ، صحيح ان ما حدث يمثل جرحا كبيرا لكرامة الأمريكان وكسرا لغرورهم ولكن مغامرتهم بخوض حرب مع إيران قد تكتب نهاية وجودهم في المنطقة .

6- ايران أدارت معركة قصف الطائرة الأمريكية ببراعة فلم تكتف بالتوضيح بأن هذه الطائرة هي طائرة تجسس معادية وقد اخترقت المجال الجوي الإيراني وحلقت فوق الأراضي الإيرانية بل رفعت شكوى للأمم المتحدة ادانت فيها هذا الانتهاك الخطير لمجالها الجوي وطالبت بوقف مثل هذه الانتهاكات كما بعثت برسالة لمجلس الأمن اشتكت فيها من هذا الاستفزاز الامريكي وأكدت ان هذه الطائرة انتهكت مجالها الجوي ومن حقها الدفاع عن مجالها وسيادتها كما تحرك الإعلام الإيراني وبكل اللغات واوضح بالصور والفيديو والخرائط ان هذه الطائرة اخترقت المجال الجوي الإيراني ومن حق ايران التصدي لها وهذا التحرك الإيراني الدبلوماسي والإعلامي هو مؤشر على استعداد إيران لكافة المستجدات والتطورات عسكريا وسياسيا واعلاميا .
7 – اكدت هذه التطورات الأخيرة السيادة الإيرانية الكاملة على مضيق هرمز والجاهزية الإيرانية للتعامل مع اي طارئ في المضيق وبعد اسقاط الطائرة الأمريكية ادرك الجميع ان تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز أو عرقلة الملاحة فيه هي تهديدات جدية وانها قادرة على تنفيذها والتعامل بجدية مع اي هدف طارئ في الخليج والمضيق بل وتمتد قدرات حلفائها إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب وفي حال نشوب حرب مع إيران فإن إيران وحلفائها قادرون على التعامل مع الأهداف العسكرية والتجارية في هذه المضايق والبحار وجاهزون لتبعاتها وتداعياتها وقد أوضحت في مقال سابق كيف ان إيران درست كافة المستجدات في المنطقة جيدا وحولت كافة الحروب التي اندلعت في المنطقة إلى فرص لها وجنت ثمارها وليس بعيدا ان تخرج المنتصر الأكبر في اي حرب قادمة اذ ستثخن جراح خصومها وتدمر مصالحهم وتفاقم خسائرهم ومن المؤكد ان الحرب ستفرض واقعا جديدا ومتغيرات أخرى ولن يستمر حصار إيران وتتواصل العقوبات المفروضة عليها اذ ليس ما قبل الحرب كما بعدها وفوق كل ذي علم عليم .
* باحث في الشأن الإيراني