دور بعض المسلسلات في إفساد القيم
بقلم أ. / عبد العزيز المقالح
تابعت في الأيام الأولى من عيد الفطر السعيد نماذج من المسلسلات التلفزيونية، ولفت انتباهي استهتار كتّابها وممثليها بالقيم الأخلاقية والاجتماعية في تحد سافر للشعور العام. أشدّ ما لفت انتباهي عبارة سخيفة تتكرر على لسان ممثل مشهور تقول “حدَ الله ما بيني وبين الحلال”، وهي محورة عن المقولة المعروفة والسائدة “حد الله ما بيني وبين الحرام”. وعندما يتلقاها المشاهد، والمشاهد الجاهل خاصة، يعتبرها رسالة موجهة له لكي يأخذها في صيغتها المحورة التي تعكس تحلُّل المجتمع من قيمه وأخلاقياته، وهنا يكمن الفساد، أو بالأصح الإفساد، ولا يمكن للجمهور الجاهل أن يدرك أن الكاتب أو الممثل كليهما يسخران أو يحاولان لفت الاهتمام إلى التعابير القديمة السائدة، ذوات المعنى المستفز للعقول والنفوس.
والتركيز في هذا الحديث على هذه العبارة لا يجعلنا نغفل ما هو أكثر سوءاً وإفسادا وانحرافاً بوسائل الاتصال المنتظر منها أن تكون أداة توجيه أو ارتقاء بالذوق وبالأخلاق والمعرفة. وبدلاً عن ذلك نرى أن بعض المؤلفين لهذا النوع من المسلسلات يخرجون عن الأهداف والرسائل الموكلة إليها تصحيح الأخطاء وبناء الإنسان، وبالنظر إلى الاندفاع الذي يمارسه بعض كتّاب المسلسلات أيا كان نوع القضايا التي تطرحها سياسياً واجتماعياً، ومقارنة بما كانت عليه المسلسلات القديمة، التي يعاد بثها بين حين وأخر، فإن الفارق يبدو شاسعاً لا في المضمون فحسب بل وفي الأسلوب أيضاً. حيث كانت الكتابة التزاماً أخلاقياً واجتماعياً، ولم يكن الأمر تابعاً لرقابة خارجية بل رقابة ذاتية تنطلق من شعور أخلاقي وطني، ومن حرص على الارتقاء بوعي المشاهد وإعطائه جرعة كافية من المعرفة.
وقد يزعم البعض أن مناخ الحرية الجديد قد جعل كاتب المسلسل الحديث أكثر انطلاقاً، وعمل على توسيع مساحة التجاوزات، وما هذا الزعم سوى تبرير لا ينفع للمناقشة، فالحرية لا تعني السخرية بوعي المواطن أو اللعب بعواطفه، وأمراض المجتمعات العربية أوسع من أن تحصى، والوقوف عندها وإعادة إخراجها فنياً هي مهمة كل كاتب يرغب في إيجاد ثورة على المفاهيم الفاسدة والاعتقادات المتخلفة التي أفقدت هذه المجتمعات قدرتها على التطور ومنعتها من النهوض. وفي هذا ما يجعل الاستفزاز مقبولاً، وفي الوقت ذاته يجعله رفضاً فنياً وسخرية مبررة وفي إطارها المطلوب.
وهنا تجدر الإشارة إلى الإقبال منقطع النظير على متابعة المسلسلات، والعزوف عن متابعة الأفلام، وذلك لأسباب عديدة منها أن هذه المسلسلات تبني وجودها على ما يضطرب في الواقع من هموم ومشكلات.
وبما أن الجملة أو العبارة السخيفة المشار إليها سابقاً كانت الدافع إلى كتابة هذا الحديث فإن في مقدورنا أن نتذكر الكثير من العبارات التي تم تحويرها للإضحاك أو إثارة مناخ من التنشيط الذهني إلاَّ أنها لم تكن صادقة ولا تستدعي كل هذا القدر من الانزعاج، ولا أشك في أن كاتب المسلسل، ومعه الممثل المشهور الذي ترددت على لسانه تلك العبارة بالغة السوء، قد شعرا بالندم وأدركا مدى الخطأ الذي لحق بالمجتمع، وما قد تؤدي إليه من تقبل سلبي لدى الجمهور البسيط محدود الثقافة والإدراك.