أسراب قاصف وأسرار استهداف المطارات.
ذمار نيوز .| تقرير | فؤاد الجنيد 13 شوال 1440هـ الموافق 17 يونيو، 2019م
في اواخر شهر مارس من العام 2015م، كانت أولى أهداف الضربات الجوية في العدوان على اليمن، متمثلة في تدمير الدفاعات الجوية، وتحييد الطيران اليمني وقدراته، بقصفها الطائرات والمطارات، وكل ما له صلة بالعمليات الجوية؛ إذ كانت الرياض ترى أن معركتها ستكون جوية بإمتياز من خلال ضرب أهداف مرصودة، منها مخازن الأسلحة المختلفة والمعسكرات، ومنصات الصواريخ الباليستية؛ على أن تتشكل قوى برية على الأرض من مرتزقتها خلال فترة القصف التي قدّرتها بـ أسابيع، عندها ستكون قد أنهت معركتها ببساطة، وربحت رهانها الذي غررت به على الدول المتحالفة معها، التي هي نفسها أضحت تعلن انسحابها من يومٍ إلى آخر، وهي ترى هذا التحالف غارقاً في مستنقع لا قرار له، وتدرك أن الخروج منه مكلفٌ جداً، وقد لا يكون قريباً.
استغل العدوان الورقة الجوية استغلالاً خاسراً إلا من جرائم الإبادة الجماعية، فـ لخمسة أعوام متتالية، افرط طيرانه في القصف الممنهج على اليمن، الأرض والإنسان، وافرغ خزينة أهدافه العسكرية السرابية مبكراً، ولم يجد ما يبرر إستمرار عدوانه؛ فجعل من كل المؤسسات الحكومية والخاصة، والمرافق المدنية الحيوية أهدافاً عسكرية، قبل أن يضم المستشفيات والمدارس والطرقات والمصانع إلى لائحة الإستهداف، وحين فشل في تركيع اليمنيين بإرهاب القتل، وسقط رهانه على الحصار أمام الصمود الشعبي الأسطوري، وجد الإنسان اليمني نفسه هدفاً مباشراً يلاحقه في سيارته ومقر عمله، ويتبعه في لحظات فرحه وحزنه بعد أن أصبحت صالات الأعراس ودور العزاء وجبة شهية لانياب القنابل والصواريخ، حتى منزله المتهالك الذي يتوسد المأوى فيه، بات هو الآخر هدفاً لتصفيته، وتغييبه وأسرته في مصير جماعي باذخ القبح، أمام أنظار عالم موبوء بـ “عمى الألوان”، فلا خطوط حمراء تثبط مسار هوسه، ولا قيم الأخلاق والإنسان تكبح جماح حقده وسواد نواياه.
لم يجرؤ العدوان على المغامرة في معركة برية مفتوحة رغم امتلاكه غطاء جوياً يرافق زحوفاته، فأوكل هذه المهمة لمرتزقته من اليمنيين وباقي الدول العربية والأفريقية، فهو يدرك تماماً أن بطاقة العبور في هكذا معركة، ترافقها شهادة وفاة لأجساد قد لا تعود بكامل أعضائها. حتى مدنه الجنوبية التي سيطر الجيش اليمني ولجانه الشعبية على أجزاء منها؛ لم يمنحها جزء من اهتماماته، خصوصاً وقد جرب ذلك مرة فتجندلت جثث جنوده على فروع الشجر ومنعطفات البراري.
من يومها ركز اليمنيون في معركتهم الدفاعية على إحكام السيطرة البرية وصد الزحوفات والإختراقات، والإعتماد هجومياً على استهداف العمق السعودي بالصواريخ الباليستية التي حيرت وحيدت دفاعات العدوان الجوية، وباتت كابوساً يؤرقها ويقضّ مضجعها، ولم تغنها في ذلك أموالها التي اشترت بها المواقف السياسية والإعلامية والدينية، وجلبت بها المرتزقة من كل اصقاع العالم.
إلى جانب الاستهداف الصاروخي الفعال، أضاف اليمنيون سلاح الجو المسيّر إلى واجهة المعركة، وشكّل هذا السلاح ثنائية فعالة مع الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة، إذ يتولى السلاح المسيّر “راصد”، عملية الرصد والمراقبة، وتتكفل الصواريخ بعملية الاستهداف، سواء كانت أهدافاً في الداخل السعودي كما هو حاصل في نجران وجيزان وعسير، أو في الداخل اليمني من تجمعات للمرتزقة، وارتالهم العسكرية ومقرات قياداتهم.
مؤخراً، اوكل هذا الدور الثنائي لسلاح الجو المسيّر بمفرده، فتتولى الطائرات “راصد” و”قاصف” عمليتي الرصد والإستهداف في آنٍ واحد، ولم يعد هذا السلاح مقيد بمسافة محددة، فهو في الوقت الذي يقصف خزانات ارامكو في جيزان، له إمكانية استهداف وقصف أهداف في دبي وأبو ظبي، واليوم اصبحت مطارات العدوان مسرحا مباشرا لعمليات الطيران المسير باريحية مطلقة.
لنقل إذاً، أن المعركة متكافئة استراتيجياً بصرف النظر عن فارق الإمكانات، فمقابل امتلاك قوى العدوان لاحدث الأسلحة وافتكها، يمتلك اليمنيون مقاتلاً قوياً صلباً وواعياً، متسلح بعقيدته، ومتبندق بقضيته، ومنطلق بمظلوميته، فتسقط أمامه كل فقاعات الهالة العسكرية العالمية، ويبقى الخيار السياسي مطروحاً للوقت. وبين محاولات “جريفيث” الحثيثة وعرقلة العدوان لأي تقارب سياسي يلوح في الأفق المظلم، تتجه الأوضاع في اليمن نحو منعطف مجهول، ومصير غريب الملامح، وتفترش تقاسيمها على أرضية مترهلة أسوأ منها حالاً، تمسي على متغيرات التصعيد السياسي والعسكري، وتصحو على تجاعيد الكارثة الإنسانية، ونتوءات المأساة اليمنية في صباحاتها المعقدة. تطورٌ هنا، وآخرٌ هناك، وبينهما تفقد بوصلة الأحداث قبلتها، ويفرغ بنك المناورة خزينته من الأهداف في سراب التخمينات، ويستند الجميع على جدار “لعل” وعمود “عسى”، ولا مبتدأ وخبر لكليهما.