الخبر وما وراء الخبر

محمد عبد الرحمن الرباعي صوت السلام… وداعية الديمقراطية.

62

ذمار نيوز | مقالات 9 شوال 1440هـ الموافق 13 يونيو 2019م

بقلم د. | أحمد صالح النهمي.

كان لقائي الأول بفقيد اليمن الكبير الأستاذ محمد عبد الرحمن الرباعي “1930 ـــ 2019م” في المؤتمر العام الثاني لاتحاد القوى الشعبية في ظل الجمهورية اليمنية الذي انعقد بالعاصمة صنعاء في نوفمبر عام 2000م، وانتخب فيه الأستاذ الرباعي أمينا عاما للاتحاد، ومنذ ذلك التاريخ ظل التواصل بالأستاذ الرباعي مستمرا بصورة أو بأخرى، نتعلم دروسا جديدة من مواقفه النضالية الصلبة وسلوكه السياسي الشجاع.

لم تكد تمضي فترة قليلة على انتخاب الأستاذ الرباعي أمينا عاما للاتحاد حتى استطاع أن يلقي بظلاله على أحزاب المعارضة اليمنية والحياة السياسية في الوطن بعامة صانعا من خلال اتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى تحولا مفصليا في المشهد السياسي ومسارات أحزاب المعارضة اليمنية، فقد جعل من مقر حزب اتحاد القوى الشعبية منتدى سياسيا يتقاطر إلى ندواته قيادات الأحزاب على اختلافها، وعمل مع صديقه القيادي الاشتراكي البارز الشهيد جار الله عمر، على إعادة صياغة القواسم المشتركة بين الأحزاب السياسية المتباينة، إدراكا منهما بأن المصلحة العليا للوطن تقتضي خلق توازن سياسي من خلال تشكيل معارضة سياسية قوية تستطيع أن تكبح جموح السلطة التي كانت تعيش حالة من جنون العظمة بعد تخلصها النسبي من حزب الإصلاح شريكها السابق في إقصاء الحزب الاشتراكي وانتصارها في حرب 94م، وتوجت جهودهما بإعلان تشكيل تكتل اللقاء المشترك في لحظة سياسية فارقة ، وبالإجماع أوكلت إلى الأستاذ الرباعي رئاسة تكتل اللقاء المشترك تقديرا لرصيده النضالي الحافل بالمواقف المبدئية الشجاعة، وخبرته السياسية المتراكمة التي تمتد منذ خمسينيات القرن الماضي.

على صعيد آخر كان الأستاذ محمد الرباعي يقود في الوقت نفسه من خلال صحيفة الشورى لسان حال اتحاد القوى الشعبية خطابا إعلاميا مغايرا للخطاب الإعلامي السائد الذي يدور حول قضايا هامشية بسقف محدد سلفا لا يكاد يقترب من الخطوط الحمراء لعرش “الحاكم بأمره” ومصالح خاصته المحيطة ببلاط حكمه، فكانت صحيفة الشورى هي المنبر الإعلامي الذي استطاع بصلابة أن يتجاوز محاذير السلطة وخطوطها الحمراء فتناولت بسقف مفتوح أبرز الملفات السياسية مثل “ملف التوريث” وتجار ومسئولون” ونهب حقول النفط والغاز، ورفض الحروب على صعدة، ومظلومية القضية الجنوبية وغيرها من الملفات التي جعلت صحيفة الشورى الأكثر قراءة وتداولا وانتشارا بين صحف السلطة والمعارضة في طول البلاد وعرضها.

لم تحتمل سلطة “صالح” هذا التحول المفصلي الذي قاده الأستاذ الرباعي من خلال اتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى، فاستولت بقوتها الباشطة على المقر المركزي لاتحاد القوى الشعبية بصنعاء ومقر صحيفة الشورى، ونهبت ــ جهارا نهارا ـــ ممتلكات الحزب والصحيفة” وما زالت منهوبة حتى اللحظة”، واستنسخت الحزب والصحيفة، وسخرت أجهزتها الأمنية في اعتقال نشطاء الاتحاد وإرهاب أعضائه، ونال”الشهيد عبد الكريم الخيواني” رئيس تحرير صحيفة الشورى قسطا وافرا من السجن والاعتقال، واعتقل الأستاذ علي حسين الديلمي عضو الأمانة العامة للاتحاد مرات عديدة في صنعاء، وفي محافظة حجة اعتقل الكاتب والشاعر عادل شلي رئيس فرع الاتحاد بحجة لمدة طويلة، واعتقل كاتب هذه السطور في ذمار، وتعرض آخرون للسجن والاعتقال في محافظات أخرى، كما سخرت السلطة الأقلام المأجورة للنيل من الاتحاد وتشويه قادته، ونال الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير والدكتور المتوكل نصيبا وافرا من هذه الحملة السلطوية الظالمة في مسرحية هزلية ستظل شاهدة على عظمة الحزب وقادته وغباء السلطة وأقلامها المنافقة.

كانت السلطة تعيش نشوة انتصار سياسي وهمي على اتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى باحتلال مقراتهما ونهب ممتلكاتهما واستنساخهما، وتستمرئ اعتقال نشطائه، وتشويه رموزه، وكان الأستاذ الرباعي يحدثنا عن أهمية هذه التضحيات في تأسيس وعي الجماهير السياسي بالحقوق والحريات والمواطنة والعقد الاجتماعي وكأنه كان ينظر بعين الغيب الى فاعليتها في تخليق أبرز الأحداث السياسية في تاريخ اليمن المعاصر أعني بذلك ثورة الشباب السلمية في 11 فبراير 2011م التي كان يمكن ـــ لولا المؤامرات الداخلية والخارجية عليها ـــ أن تشكل بوابة العبور نحو بناء دولة اليمن المدنية الديمقراطية العادلة.

رحم الله الفقيد “الرباعي” فقد عاش حياته مناضلا سياسيا يمتلك فائض شجاعة نادرة مكنته من مواجهة الاستبداد المتغلب بالقوة قديما وحديثا بصورتيه الإمامية والجمهورية ، داعيا إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية رافضا بشدة التدخل الخارجي في الشأن اليمني، وحين تدق طبول الحرب هنا أو هناك كان يسارع إلى إطفائها، وإعلان موقفه الرافض لها جملة وتفصيلا، بكل أشكالها، ابتداء من حروب الجمهوريين والملكيين، ومرورا بالحروب بين شطري الوطن في سبعينيات القرن الماضي، وحرب صيف 94م، وحتى الحرب الإقليمية التي فرضت عل

ى اليمن وما زالت حتى اليوم، فالحروب محارق التنمية وعنوان التخلف والرجعية، و الفقر والجهل والمرض.