خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في ذكرى المولد النبوي الشريف للعام 1434 هـ
-
حضورُكم الكبير هذا في هذا المقام العظيم، واليوم المشهود دليلُ حبٍّ، وولاء ووفاءٍ لرسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله
-
أحذر كُلّ من تُسَوِّل له نفسه أو تدفعُه شياطينه، لارتكاب أية حماقة، أو التورط في أي عدوان
-
حاضرون لمواجهة أي عدوان، واثقون بنصر الله خير الناصرين
في مثلِ هذا الأيام من العام قبل الماضي 1434هـ أحيى كافةُ أبناء الشعب الـيَـمَـني في وطن الإيمان والحكمة.. يمن الأوس والخزرج، يمن الأنصار، يمن الفاتحين الذين حملوا رايةَ الإسْـلَام ولواءَ الفتوح في صدر الإسْـلَام، وقوّضوا الامبراطوريات الظالمة – ذكرى مولد خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله-، على نحوٍّ متميز وبحضور كبير فاق كُلّ التوقعات جسّد أصالة وهُوية الشعب الـيَـمَـني، بما ينبئ عن عظيم محبته وأكيد مودته وارتباطهِ الوجداني والإيماني الراسخ لرسول البشرية محمدٍ صلوات ربي وسلم عليه وآله.
وفي المناسبة التي أقيمت في العاصمة صنعاء بالتزامن مع فعالية أخرى في محافظة صعدة خاطَبَ السيدُ عبدالملك بدرالدين الحوثي، الحشودَ المشاركة مثمناً تفاعلهم وجهودهم لإحياء هكذا مناسبة قائلاً: أحييكم أيها الشرفاء الأوفياء، وأحيي الجماهير الوفية المحتشدة في صنعاء من المؤمنين والمؤمنات، وأحيي فيكم جميعاً هذه الروحية العالية، والإستجابة المشرِّفة، فحضورُكم الكبيرُ هذا في هذا المقام العظيم، واليوم المشهود دليلُ حبٍّ، وولاء ووفاءٍ لرسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله، في مرحلةٍ غابت هذه المسألة عن أولوياَّت البعض، الذين يتحرجون من إقامة هذه المناسبة حتى لا يستاء منهم الأمريكيون.
وأكد السيد القائد أن لهذه المناسبة دلالتَها المهمة، وعطاءَها الكبير، فهي احتفاءٌ وتقديرٌ للنعمة الإلهية، واعتزازٌ وتشرُّفٌ بها، مذكراً بقوله الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
معتبراً مناسبةَ إحياء المولد النبوي الشريف، بمثابة رمزٌ لأصالة الأُمَّــة وهويتها، واستقلالها، وركيزةٌ أساسيةٌ فارِقةٌ لمواجهة كُلّ محاولات التذويب للأمة، وطمس هُويتها من قبل أعدائها، وهي مناسبةٌ للوَحدة الإسْـلَامية، واستذكار القواسم المشتركة والكلمة السواء بين كُلّ المسلمين، فالرسولُ محمد صلى الله عليه وآله ليس رمزاً خاصاً بمذهب، أو طائفة، أو عِرق، أو بلد، وهي ذكرى وتذكير بالنبيّ الخاتم وبمقامه، وبرسالته، وتعزيز الإرتباط به وبرسالته، ومُنطلقٌ مهمٌ لتغيير الواقع السيئ والمرير والمهين الذي تعيشه الأُمَّــة، وإصلاحِ الخلل، وتصحيح الوضع الذي تعيشه الأُمَّــة الإسْـلَامية.
مُشيراً إلَـى محاولات قوى الاستكبار والهيمنة لترويض الأُمَّــة على الصمت تجاه قضاياها الكبرى، قائلاً: إن هذا ما يريدونه لأمتنا، يريدون لهذه الأُمَّــة أن تكون أمةً صامتةً، عاجزةً، مستسلمةً، ليس لها موقف تجاه أية إساءة أو خطر يحيط بها، معناه أن لا يبقى للأمة ما يثيرها أو يحركها أو يدفعها لاتخاذ قرارات أو تبني مواقفَ، إذا سكتت الأُمَّــة حتى عن الإساءات إلَـى رسول الله، إلَـى نبيها ورمزها، فأيةُ موقف يمكن أن تتبناه تجاهَ أي حدث آخر، أو أية مشكلةٍ أخرى، معناه قتل لضمير الأُمَّــة؟!.
داعياً بهذه المناسبة والذكرى العزيزة كُلّ المسلمين إلَـى الوقوف بحزْم وجدٍّ ضد محاولات الترويض للأمة على التغاضي عن كُلّ تلك الإساءات، وأن نستلهم جميعاً من هذه الذكرى قُدسية الأنبياء ومقامهم العظيم. لافتاً إلَـى أن الرسالة الإلهية مشروعُ عدل، وخيرٍ، وعزٍّ، وشرف، وثمرتها سعادة البشرية في الدنيا والآخرة، وسموُّ الإنسان لأداء دوره الحضاري في الأرض، على أساسٍ من القيم والأخلاق.
وقال السيدُ عبدالملك الحوثي مخاطباً الجماهير الغفيرة المشاركة في المناسبة: إن أولَ ما يُستهدَفُ الإنسان في وعيه، ومفاهيمه، حيث تسعى قوى الظلم والظلام والطغيان من أولياء الشيطان إلَـى خداع الناس وتضليلهم ليتحققَ لها من خلال ذلك السيطرة عليهم.
وأردف قائلاً: لولا ذلك لم يتمكنوا أبداً من استحكام ظلمهم وطغيانهم، وفي زمننا هذا أصبحت للقوى الظلامية إمكانياتٌ هائلةٌ لتضليل الناس، وصناعة الرأي العام والتحكُّم به، وترسيخ قناعات باطلة وأفكار مسمومة، وآراء مُضِلَّة، وبأساليب شيطانية، وبكل الوسائل الإعلامية من قنوات فضائية، وإذاعات، وصحافة وغيرها، والوسائل التثقيفية والتعليمية من مدارسَ وجامعات ومناهج دراسية، فتغلبوا واستحوذوا على معظمها، بما يضلل الناس ويهيئ لهم الأجواءَ للهيمنة والسيطرة تفكير ورؤية الناس وقناعاتهم، ومفاهيمهم مفتاحٌ للسيطرةِ التامةِ عليهم، وفرضِ حالةِ التقبل لباطلهم وجرائمهم.
واستنكر السيد الاستهدافَ المتعمدَ للرسول محمد صلى الله عليه وآله، من قبَل تلك القوى، مؤكداً أن ذلك استهدافٌ للأمة في أهم ركائز قوتها المعنوية، وفي دينها، واستهانةٌ بها، واحتقارٌ لمئات الملايين من المسلمين في كُلّ الدول الإسْـلَامية.
مشدداً على ضرورة أن تتوحدَ كلمة المسلمين، وأن يتحركوا في موقفٍ موحَّدٍ للضغط في اتجاه وقف نشر ما يسيء إلَـى رسول الله وإلى الأنبياء عموماً، ولا يحق لأحد أن يتذرَّع بمزاعم الحرية لتبرير السماح بنشر تلك الإساءات، ومَن يتذرعون بذلك هم من يمنعون من انتقاد جرائم الإسرائيليين المجرمين ويعاقبون عليها بتهمة ما يسمونه معاداة السامية.
لافتاً إلَـى إنَّ من أهم ما نحرصُ عليه ونريده من الاحتفالِ بهذه المناسبة وإحياء هذه الذكرى، هو الرد الجماهيري، والموقف المسئول تجاه الإساءات الموجّهة من شر البرية، ومن السيئين المجرمين إلَـى رسول الله محمدٍ خاتم الأنبياء، والتي هي إساءةٌ للإنسانية بكلها، وللأنبياء بأجمعهم، ولشرف الرسالة، فإذا كان للإنسانية أن تُحترم، فإنَّ الأنبياء وهم أشرف البشر وأكمل الناس إنسانيةً أولى بالإحترام.
مُشيراً إلَـى إنَّ الواقع العالمي الذي تقودُه قوى الطغيان، وتصنعه قوى الطغيان وفي مقدمتها أمريكا والذي غابت عنه القيم، وغاب فيه الارتباطُ بالأنبياء، شاهدٌ على حاجة البشرية إلَـى التغيير والعودة إلَـى القيم، وإعادة دَور التأسِّي والإقتداء بأنبياء الله، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله، وتعزيز الارتباطِ بأنبياء الله، وأن الأمل كبير رغم التحديات الكبيرة الموجودة، وأن تباشير التغيير باتت واضحة، ولقد كان انتصارُ شعبنا الفلسطيني في غزة في الحرب الأخيرة بمجاهديه ومقاومته على الطغيان الإسرائيلي، بالرغم مما يمتلكه العدو الإسرائيلي من إمكانيات هائلة، ودعم أمريكي مفتوح، كان هذا الانتصارُ أحدَ هذه التباشير.
واستطرد مبيناً بقوله: إن من تباشير التغيير استمرارَ الروحية الثورية في البلدان التي شهدت ثوراتٍ شعبيةً، وتطلَّعَ الشعوبُ فيها إلَـى تحقيق أهداف ثورتها، وما على الشعوب إلا الثقة بالله، والثقة بقوة وفاعلية وأثر تحرّكها الثوري، الذي أسقط فراعنة، وزلزل كيانات الطاغوت، ولا أخطر على الشعوب من الشعور باليأس، أو التراجُع نتيجة مللٍ أو فتور، أو انخداعٍ بتغييرات شكلية قبل أن تتحققَ الأهداف المعلنة المحقة والعادلة للثورات الشعبية.
وأوضح قائلًا: وفي ثورة شعبنا الـيَـمَـني المسلم فإن أكبر عائق أمام نجاح الثورة لحد الآن هو الدور الخارجي ومعه مراكز القوى النافذة في النظام من الداخل، فأمريكا التي تدَّعي الحرية هي اليوم أكبر مَن يقف ضد خيارات الشعوب، وهي أكبر من حمت الاستبداد في المنطقة العربية ودعمت وساندت الأنظمةَ والحكومات الجائرة، التي تحتمي بها مراكز القوى التي تسعى للحيلولة دون التغيير الحقيقي، وتعقد معها الصفقات التي بها باعوا البلد واستقلاله وكرامة الشعب.
واصفاً هذا الثنائيَّ بين الخارج وعملائه في الداخل من أقطاب النظام الظالم بمراكز القوى فيه التي لم تتغير وإنما تُعزز موقعها بتلك الصفقات، هو مصدر شرٍّ وضُرٍّ على الشعب الـيَـمَـني، ولا يمكن أن يكونَ مصدراً لتغيير الواقع السيئ لقولة تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).
وأشار السيد إلَـى من يتأمل الواقعَ في عصرنا سوف يدرك مدى معاناة البشرية من هوان الاستعبادِ وقهر التسلط والهيمنةِ والتحكمِ بمصائر الشعوب، ويدرك عظمة الرسالة الإلهية التي تُحرر البشرية إذا عادت إلَـى قيمها ومبادئها المُثلى، قال الله تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، فمن يَسلُبُ الناس حريتهم هو الطاغوتُ الذي يفرض إرادته الظالمة وسيطرته بغير الحق عليهم وعلى مصائرهم، ويصادر إرادتهم المنبثقةَ عن إنسانيتهم وكرامتهم.
وأضاف “إن الحريةَ لا تعني تجرُّد الإنسان عن مكارم الأخلاق والقيمِ المثلى وخلعهِ لرداء إنسانيته، لا.. الحرية تَرَفُّعٌ وسموٌّ عن كُلّ مظاهر الانحطاط، والحرية إباءٌ وشموخٌ في مواجهة الاستعباد والقهر، والحرية سلوكٌ نبيلٌ وتحرُّرٌ من أسر الهَوَى والمُيول الفاسدة، هذه هي الحرية التي أتى بها الأنبياء”.
مؤكداً على ضرورة استمرار الثورة الشعبية وأنه لا بديلَ عنها، حتى تحقيق أهدافها، لا يمكن أبداً أن ينخدعَ الشعبُ ويتصور أن الحوار الوطني سيكون بديلاً عن الثورة، بدون الثورة سيكون حواراً شكلياً يمررون من خلاله ما يريدون بما يضرب الثورة الشعبية ويلغي كُلّ أهدافها المهمة التي ثار الشعب من أجلها.
وقال: نحن مستمرون في هذه الثورة بإذن الله مع كُلّ الأحرار والشرفاء من واقع الشعور بالمسئولية، ومن واقع الحرص على مصلحة شعبنا المظلوم.
داعياً إلَـى ضرورة أن يتخذ الشعب الـيَـمَـني المسلم موقفاً موحداً للضغط على ما يسمى بحكومة الوفاق لرفع الغطاء السياسي عن الوجود العسكري الأمريكي في البلد، وعن عمليات القصف الجوي الأمريكي، وتدخلات السفير الأمريكي السافرة في شئون البلد، مثل زيارته أبين، وحديثه عن تغيير عقيدة الجيش وشكل النظام القادم، والتدخل في شأن الحوار الوطني، وإساءته إلَـى إخواننا الجنوبيين الشرفاء، وعقده لمؤتمرات صحفية يتدخل فيها بشكل سافر في شئون البلد، إضافة إلَـى النشاط الأمريكي الإستخباراتي المكثف، ونشر المخدرات وشبكات الدعارة والفساد الأخلاقي.
وأكد السيد في خطابه أنَّ سعيَ أمريكا لبناء قواعد عسكرية في الـيَـمَـن ليس أبداً لأجل ما تسميه أمريكا مكافحة إرهاب، وليس لهدفٍ محدود، فلها في الـيَـمَـن من يخدمها من القوى السياسية العميلة الموالية لها، والتي لا تتورَّعُ عن فعل أي شيء تريده منها أمريكا، ولها من الجنرالات في مؤسسة الجيش والأمن، مع احترامي لكل الشرفاء، ولكن هناك جنرالات دمويون مجرمون، لا يتورعون عن فعل أي شيء تريده منهم أمريكا، قتل، أو تدمير، أو اغتيالات، أو أي جريمة، لم يكفها ذلك.
داعياً بهذه المناسبة العظيمة كُلَّ أبناء الشعب إلَـى التَوَحُّد في مواجهة هذه الأخطار على استقلال البلد، وكرامة الشعب، والتي تُمثل خطراً كبيراً على الـيَـمَـنيين في كُلّ شيء، على الدين والدنيا، والأمن والاستقرار، والحاضر والمستقبل، ومن هذا اليوم العظيم نتعلم كيف نحافظُ على الثوابت والقيم والأولويات دونَ التفريط فيها لاعتبارات شخصية أو فئوية أو حزبية.
وحذَّرَ السيد عبدالملك في ختام خطابه كُلّ من تُسَوِّل له نفسه أو تدفعُه شياطينه، من ارتكاب أية حماقة، أو التورط في أي عدوان.
قائلاً: نحن كما في الماضي بالاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه حاضرون لمواجهة أي عدوان، واثقون بنصر الله خير الناصرين، ومتطلعون دائماً إلَـى الوعد الإلهي الصادق الذي لا يتبدل ولا يتغير بظهور دينه الحق، ورسالته العادلة، واضمحلال وانهزام قوى الشر والطغيان، كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون).
*يمانيون