الخبر وما وراء الخبر

المقاطعة الاقتصادية: جبهة وعي وثمرة دين.

929

ذمار نيوز | خاص | تقرير : فؤاد الجنيد 26 شعبان 1440هـ الموافق 1 مايو، 2019م

لم تكن المقاطعة يوما ما ترفا أو استعراضا وهواية، ولا سلوكا تقوده العاطفة والحسابات المتخمة بالمصالح والرهانات، بل خياراً بديهياً لرفض تمويل اقتصاد دولة مجرمة محتلة، ونظام دموي قاتل استفحل سرطانه في كل الجسد العربي والإسلامي المقاوم، حتى ولو تسبب ذلك الخيار بخسائر اقتصادية على شعوب حرة فرض عليها التأريخ والواقع أن تحمل الهوية الإسلامية العزيزة تحت مجنزرات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وأن تشارك في انعاش اقتصاد هذين الكيانين بقصد أو بدونه، وأن تعيش على صناعات يتم تصديرها منهما ويتوجب اليوم مقاطعتها. وتبقى المقاطعة سلوكاً مقاوماً ولو رمزياً حتى تصبح خطوة في مشروع سياسي مقاوم، وحتى يتوفر البديل الاقتصادي العربي، والبرنامج الذي يستطيع استثمار المقاطعة بنتائج سياسية، والتاريخ مليء بنماذج المقاطعة الاقتصادية، التي لم تنجح إلا حين كانت بنداً رئيسيا في كتاب النضال الوطني بأوسع معانيه، وهذا ما يفعله أنصار الله في رحاب المسيرة القرآنية السامية.

لماذا المقاطعة

ليس مستحيلا أن ينتصر شعبا مقاوما مظلوما في مواجهة تل ابيب وواشنطن، أقطاب الكفر العالمي اقتصادياً، فهؤلاء كشروا انيابهم ووضعوا الشعوب رهينة بضائعهم ومنتجاتهم دون رقيب، فسلطة الكيان الصهيوني الغاصب، عندما توصَف بأنها رأس حربة الاستعمار الغربي في المنطقة العربية، إنما يعني ذلك أنها مؤسسة ضخمة ومهولة بمعايير غربية بامتياز، خصوصاً في بنيتها الاقتصادية الرأسمالية، وهذا يتطلب مقاطعة منتَجاتها، بغض النظر عن القدرة على جعل المقاطعة مستدامة من عدمها، فهي دولة عبرية كانت ولادتها الدموية واستمرار حياتها على حساب حياة شعوب أصلية وممتلكاتها واقتصادها، ومقاطعتها اقتصاديا واجب ديني وأخلاقي يقره الشعور الإنساني البدائي والمجرد من الحسابات القومية والنضالية، فهو إحساس فطري يقوده وعي بضرورة مقاطعة هذا الكيان، نظاما ودولة واقتصادا وشعبا.

ثقافة المقاطعة

تعد المقاطعة الاقتصادية رفضا منهجيا وامتناعا طوعيا عن استهلاك منتجات شركات دول معادية، أو إقامة أي علاقات اقتصادية معها، في إطار الضغط عليها أو إرغامها على الاستجابة لمطالب محددة، كتغيير مواقفها وسياساتها تجاه سيادة الأوطان وحياة الشعوب، وحقوق الإنسان والتوقف عن قتله وسفك دمه وحصاره، وانهاء احتلال أرض ما، أو وقف العدوان عليه. اليوم تعيش اليمن اسوأ واضخم عدوان على مر التأريخ استخدم فيه كل أوراق الدمار والخراب ووسائل التجويع والتركيع وسياسات الإذلال والإستعباد، متبجحا بماله ومستندا على اقتصاده الذي ترعاه الشعوب في تداول سلعاته ومنتجاته، وفي المقاطعة موقفا هاما وضروريا، بل أن عدم المقاطعة يعد مشاركة حقيقية في قتل اليمنيين واستمرار العدوان البربري على الوطن بكل فئاته ومكوناته.

سلاح الضغط والردع

تعد المقاطعة الاقتصادية سلاح ردع فعّال في مواجهة العدو وتطويع إرادته، لما تستطيع إلحاقه به من أضرار اقتصادية، كتراجع حجم المبيعات والصادرات، وما يترتب على ذلك من آثار سياسية واجتماعية. ولسلاحي المال والاقتصاد بالغ الأثر في العالم المعاصر، وللعامل الاقتصادي أهمية منقطعة النظير في العلاقات الدولية، وليس لزاما على المقاطعة أن تؤتي أكلها -بالضرورة- في كل الحالات بسرعة قياسية، بل أن حجم تأثيرها يظل مرتبطا بالقدرة على التعبئة الجماهيرية الواسعة وعلى طول النفس، كما يرتبط تأثيرها بقوة الطرف الآخر وقابليته للرضوخ، ومع ذلك، فإنها تبقى تعبيرا مدنيا عن موقف وقناعة، وشكلا من أشكال الاحتجاج والجهاد والنضال السلمي، واستثمارا لحق تكفله جميع القوانين في اختيار ما نستهلكه وما نمتنع عن استهلاكه في سبيل قضية نؤمن بها بالرغم من كل التحديات والعقبات التي يمكن أن تحول دون تحقيق أهداف هذه المقاطعة.