مبادرة سلام من صنعاء
ذمار نيوز | مقالات 24 شعبان 1440هـ الموافق 29 ابريل 2019م
بقلم / إبراهيم سنجاب*
في حواره الأول مع فضائية عربية، ذهب السيد عبدالملك الحوثي بعقولِ متابعيه هنا في اليمن وهناك في المحيط العربي والإقليمي والعالمي، وبعث برسائله للداخل والخارج ببساطة ووضوح كما هي عادته –لا تنظير ولا تقعير– وكما هو مظهره في كُــلّ مرة.
قد لا يلمحُ الكثيرون مبادرةَ السلام التي أطلقها بين طيّات حواره، وقد لا يلمحُ البعضُ أنه وضع أسسَ التعامل مع دول الجوار (التحالف) في مرحلة قادمة سواء استمرت المواجهاتُ المسلحة أَو توقفت في أي وقت من الأوقات. لكن كُــلَّ مَن تابع الحوار سمع ورأى وتأكّــــد وتعلم أن هناك مشروعاً وطنياً بأُسُسٍ واضحة للتعامل مع شركاء الوطن وفقاً للمبادئ الثلاثة التي يقوم عليها مجتمع قبلي ما زال محافظاً كاليمن، الوطن والدين والقبيلة.
الزعيم عبدُالملك الذى تُنسي طلتُه على محبيه قسوةَ آلامهم؛ بسَببِ الجوع والمرض والحصار، وتزيحُ عنهم آثارَ ما ترتكبُه أجهزةُ مخابرات العالم التي لا ترحم من جرائمَ ممنهجة تستهدفُ تدميرَ نفسية اليمني وضرب مبادئه ومعتقداته ونمط معيشته، بينما تواصل وسائل الإعلام حول العالم حملاتِها التي لا تهدأ، عبثاً في عقول اليمنيين الصامدين حتى الذين مع العدوان سواء من المنافقين أَو الخونة أَو المغرّر بهم. أما مرتزِقة العواصم فقل فيهم ما شئت فهم عملاءُ لمخابرات العالم ووجوه مظلمة على شاشات فضائياته، يقولون ما لا يفعلون ويحرضون على الموت مقابل دراهمَ معدودة، يعتقدون أنهم ناجون!.
حتى عندما يحدُثُ التوافقُ على مخرَجٍ مهما كان ضيقاً للأزمة اليمنية، وعندما يعود الأبطال من الجبهات وسيعودون، لن يكونَ الغد كالأمس. وعندما تخمد نيران الحقد والاستكبار وستخمد، لن يكونَ مَن شارك في الصبر كمن تاجر به. باختصار لن يكونَ من باع كمن اشترى. باختصار لن يكون من أوقد النار كمن ضحى بحياته لإطفائها. ويكفي الخونة والمنافقين والمرتزِقة والعملاء والمغرّر بهم ما لحقهم من عار الترحيبِ بالأجنبي أياً ما يكونُ لونُ بشرته، وأياً ما تكون أهدافُه وغاياتُه، وأياً ما يكون مستوى تصنيف جرائمه الأَخْــلَاقية ضد الإنْسَانية.
ظهر زعيمُ الأنصار هادئاً لَبِقًا متكلماً متحدثاً محدداً لأهدافه من الحوار، ورغم تعدد المحاور التي طافت بعقول متابعيه، إلا أنه -من وجهة نظري- كان حواراً من أجل طرح مبادرة سلام مكتملة، فيها ما يقبله اليمنيون لإنهاء الحرب وما سيقبلونه مستقبلاً، وفيها إشارةٌ لسقف التنازلات التي يمكنُ التفاوُضُ بشأنها والأوراق التي لا يمكنُ التخلي عنها مطلقاً حتى لو بلغت الحرب مداها سواء الزمني أَو المادي والمعنوي.
إذن نحن الآن أمام موقف واضح على المستوى المحلى بالرغبة في إنهاء الأعمال القتالية والجلوس على مائدة تفاوض على مبدأ الشراكة، ونحن الآن أمام موقف أوضح من الحفاظ على حقوق الجوار الإقليمي سواء مع السعوديّة أَو الإمارات أَو على مستوى دول حوض البحر الأحمر العربية.
في كلامِه عن علاقة أمريكا بإسرائيل، وأمريكا وإسرائيل بالأنظمة العربية، كان زعيم الأنصار أكثر وُضُوحاً، هم أحرار في علاقاتهم ولكن لن يفرضوا هذه العلاقة على اليمن، أما إيرانُ فقد كان كلامُه تنكيتاً وتبكيتاً للعرب، كيف تخلوا عن قضية فلسطين التي زعموا أنها قضيتهم المركزية منذ نكبة 48 بحيث تظهر إيران وكأنها المدافع الأول إن لم يكن الوحيد عن الحق الفلسطيني؟! ومن هنا جاء تأييده بوضوح لموقف إيران من العداء الأمريكي الذى يرتدي ثوباً عربياً، ومن حزب الله الذى يدافع عن لبنان وفلسطين معا.
ومن هنا نلمح أنه جرت مفاوضاتٌ لا يعلم هادي منصور ولا حركات الجنوب عنها شيئاً، وغير تلك المفاوضات التي يقودُها المبعوث الدولي مارتن غريفيث، مفاوضاتٌ ليست على الحديدة ومطار صنعاء والحصار فقط ولكن مفاوضات حول شكل ودور الدولة اليمنية إذَا توقف العدوان بأوامرَ أمريكية، وفي الحوار أراد سيد الأنصار أن يلمح إليها ويؤكّــــد على نقاطٍ معينة أثيرت وما زالت مفتوحةً ربما للتفاوض وربما لاستئنافِ القتال بشكل أكبرَ وأوسعَ لأسبابٍ لا تتعلقُ باليمن فقط، ولكن تتعلق بترتيباتٍ محلية يمنية وإقليمية عربية ودولية.