الخبر وما وراء الخبر

المبادرات الوطنية للرئيس الشهيد صالح الصماد

42

بقلم / أنس القاضي

مضامين خطابات الرئيس الصماد، عن الدولة الوطنية كمحددات مشروع أو كموضوعات برنامج سياسي، تعد مصدراً أمنياً لعكس رؤية أنصار الله لعلاقتهم مع الدولة اليمنية والفضاء العام وليس هناك تناقص بين وطنية الرؤية ووطنية وعمومية شخصية رئيس الجمهورية الشهيد صالح علي الصماد، وببين اعتبار رؤيته تعبر عن موقف تنظيم معين “أنصار الله” فالشكل البرامجي السياسي هو مستوى راق من تقديم الذات للآخرين، وعبر الصماد قدم أنصار الله برنامجهم ونموذجهم الوطني ، فإلى جانب الابداع الفكري الذاتي للصماد وتساميه السلوكي الذي جسد الوطنية كانسان ومناضل ومجاهد وطني ، إلا أنه يجب الا يغيب عن اذهاننا بأن مضامين خطاباته ،هي أيضا رؤية قوى ثورة 21 سبتمبر.

ومن بين كثير من القضايا الهامة اتي تناولها الرئيس الصماد في خطاباته وسعى لها عمليا منذ توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى إلى يوم استشهاده نجد بأن الدعوة إلى الاخوة اليمنية وتقديم المبادرات الوطنية لحل الازمة اليمنية بما يكفل الشراكة والتعاون والديمقراطية بين أطياف الشعب اليمني وقد أكد على هذا في خطاب تأدية القسم الدستوري أمام البرلمان حيث قال بالنص الحرفي ما يلي:

“نؤكد أن اليمن دولة مستقلة ذات نظام جمهوري ووطن قومي لكل اليمنيين ،يخضعون فيه لحكم النظام والقانون ودولة تسعى لأن تكون علاقاتها الثنائية مع دول الجوار ومحيطها العربي والإسلامي وجميع دول العالم قائمة على أساس الندية والاحترام المتبادل واحترام السيادة والتعاون وتبادل المنافع الاقتصادية وتعزيز الامن والسلم الدوليين، لكنها لن تكون ولاية داعشية ولا امارة سعودية ولا ذات ولاءات شرقية أو غربية بل يمنية خالصة”.

تقر علوم الاجتماع بأنه كلما كانت مساهمة الجماهير أكثر فاعلية في التاريخ برزت الضرورة للقادة الأفذاذ المجربين، وغدت أكثر الحاحا وقد كان الرئيس الشهيد صالح الصماد هو الاجدر بتحقيق الضرورة التاريخية في ظهور قائد يمني محنك يتفاعل من موقعه ومسؤوليته في رئاسة الجمهورية، مع تصاعد النشاط الجماهيري التحرري، ويستوعب اندفاعاته الثورية ويعالج ما يرافق الحراك الجماهيري من مشاكل، وما يتهدد الوضع السياسي بين المكونات والواقع القبلي من مؤامرت واستهدافات تدبرها قوى العدوان ومرتزقتها اليمنيون ،وبرز الرئيس الشهيد صالح الصماد في تعامله الحكيم مع ازمة الثاني من ديسمبر 2017م كقائد وطني أمين على حياة واستقرار الشعب اليمني بمختلف مكوناته وأطيافه.

لقد تطلب التاريخ من الرئيس الصماد حل كل هذه المهام بطريقة واعية وبمسؤولية كبيرة، كقائد وطني ومناضل ثوري له الاسهام الكبير المعمد بالدم المقدس في صياغة التاريخ والمستقبل اليمني.

وتمثل التوجيهات السياسية التي صاغها رئيس الجمهورية الشهيد صالح علي الصماد وأمر بها وأعلنها في خطاباته والمتعلقة بتنمية المجتمع والصمود الوطني والبناء المؤسسي، والدعوة إلى الشراكة والديمقراطية الوطنيتين والانفتاح على القوى السياسية اليمنية وحل الخلافات اليمنية بعيداً عن تدخلات دول العدوان ،تمثل رأسمالا سياسيا هاما ،يجب المحافظة عليه وتنميته وفاء للشهيد وضرورة لمواصلة درب التحرر الوطني على قاعدة “يد تحمي ويد تبني”.

تظهر قوى ثورة21 سبتمبر في خطابات الرئيس الشهيد الصماد امتداداً للحركة الوطنية اليمنية كما هي حقاً في الوقع يأتي هذا الفهم في خطابات الصماد من خلال تقديمه لملامح مشروع بناء الدولة وواجبات أجهزتها ودوره كأعلى مسؤول فيها كدولة جمهورية ديمقراطية كاملة السيادة وطنية خالصة ، تحمي مكتسبات الثورة اليمنية التاريخية السبتمبرية الاكتوبرية من المعتدين ،ووطن قومي لكل اليمنين ولهذا أكد الرئيس الشهيد الصماد في مختلف خطاباته على توجهاته نحو الشراكة وتقديم مبادرات السلام والتفاهم مع القوى اليمنية لسحب البساط من تحت تحالف العدوان وتأكيده أن يكون من موقعه في رئاسة الجمهورية مظلة للجميع بتعددهم وتنوعهم.

لا يكاد يخلو خطاب للرئيس الشهيد صالح الصماد يدعو فيه القوى السياسية اليمنية إلى الشراكة الوطنية ،التي هي امتداد للإيمان بالشعب ودوره في صناعة التاريخ وحقه في التطور والاستقلال، هذه الشراكة التي هي أحد ثوابت اتفاق السلم والشراكة والذي كان الصماد أحد صناعة والذي أكد لمختلف القوى اليمنية بأن ثورة 21سبتمر لم تأت حاقدة ومنتقمه من أحد كما فعل الاخوان المسلمون في مصر.

والشراكة الوطنية هي في ذات الوقت ليست مجرد قناعة بل ضرورة موضوعية يتطلبها الواقع الداخلي اليمني من أجل خوض معركة مواجهة العدوان بكل اقتدار ومن أجل سحب الذرائع عن دول التحالف المعتدية، وموضوعيتها وضرورتها هي التي رسختها كقناعة سياسية، وانطلاقاً من هذه الثوابت والحاجات الملحة ظل الرئيس الشهيد صالح الصماد يدعو إلى الشراكة الوطنيةـ وبمسؤولية وطنية عالية من موقعه كرئيس للجمهورية ممهدا الطريق والسبل أمام مختلف القوى اليمنية إلى الالتحاق بالصف الوطني، وقدم من أجل ذلك العديد من المبادرات وأصدر قانون العفو العام كإبداء لحسن النية ودعا مخلصاً كل القوى اليمنية إلى الحوار الوطني وإلى تقديم مخاوفها من أجل نجاح الشراكة وعودتهم إلى الصف الوطني، مستشعراً مسؤوليته تجاه المرتزقة اليمنيين والأسف على مصيرهم.

حيث جاء في خطاب الرئيس الشهيد صالح الصماد في مناسبة العيد الـ53 لثورة أكتوبر ما يلي:

“إننا ونظراً لما سبق ذكره من إخفاق العدوان السعودي الأمريكي في تحقيق أهدافه واستعانته بكثير من المغرر بهم ناسف ونتألم أن يكونوا دروعاً للجيش السعودي الأمريكي على الحدود وندعو من بقي فيهم ذرة من وطنية وكرامة أن يعودوا إلى رشدهم وأن يفيقوا من سكرة المال السعودي وأن يستشعروا إلى أين سيصل بهم قادتهم الذين يتاجرون بدمائهم وماذا سيكتب عنهم التاريخ لأبنائهم والأجيال القادمة أين سقطوا وأين سفكت دماؤهم وهم يقاتلون على أراضي المستعمر المحتل الذي فتك بالآلاف من أبناء شعبهم ودمر كل مقومات الحياة في اليمن”.

استوعب الرئيس الصماد المسؤولية التاريخية والظرف التاريخي الذي يمر به الشعب اليمني، والذي يحتاج فيه إلى كل الطاقات اليمنية وإلى وحدة الصوف المحلية وتماسك الجبهة الوطنية، من أجل الدفاع عن وطن كل اليمنيين، وعن مستقبل الشعب وسيادته ووحدة أراضيه الجمهورية، وبذل كل جهوده من أجل استنهاض وطنية عموم القوى اليمنية للقيام بمسؤوليتها في الدفاع عن الوطن اليمني، مؤكداً على الحقيقة التاريخية، وهي أن العدوان لا يستهدف مكوناً بذاته وفصيلاً بعينه؛ بل يستهدف الوطن اليمني وسيادته ووحدته وحضارته، مستدلاً بواقع المشاريع الضيقة المنافية للوطنية اليمنية للوطنية وللشراكة والديمقراطية والتي ظهرت إبان العدوان وفي مناطق سيطرته.

أثبت التعامل مع ازمة الانقلاب الخياني الفاشل في ديسمبر – الذي قام به علي عبدالله صالح مع فصيل من المؤتمر – صدق دعوات الصماد إلى الشراكة، كما أثبت في هذه الأزمة وهو يديرها مقدراً المسؤولية الوطنية، وتعامل كرئيس لكل اليمنيين، فحين اشتدت الأزمة بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، اجتمع مع الإعلاميين من المؤتمر وأنصار الله من أجل التقارب، وذكرهم بالصراع الرئيسي مع العدوان الذي هو أساس التحالف ومحذراً من تبعات المهاترات الإعلامية داعياً إلى الابتعاد عن المهاترات الإعلامية والتمسك بمبدأ الشراكة.

وفي ذروة أزمة 24 أغسطس 2017م في احتفال المؤتمر بذكرى تأسيسه زار المحتفلين وخفف من الاحتقان السياسي والأمني، بعد انتهاء الازمة، شدد الرئيس صالح الصماد على أن المساس بالشراكة والتماسك الداخلي خط أحمر، وفي هذه المرحلة التي تبدو في ظاهرها مع انتهاء الازمة انتصاراً لأنصار الله، ودعا الرئيس الصماد كل القوى اليمنية إلى الحوار والتمسك به بصفته أسلوباً حضارياً، وإلى الشراكة الوطنية، حيث قال:.

” في سياق وقف العدوان ندعو جميع الأطراف والقوى والأحزاب الوطنية إلى الحوار والتفاهم بما يؤدي إلى انفراجه الوضع الداخلي وتحقيق الاستقرار وتفويت الفرصة على دول العدوان بما في ذلك إخوتنا في المحافظات الجنوبية، وفي هذا السياق نعاهد جميع أبناء شعبنا أننا لن نكون إلا مظلة لجميع أبناء الشعب من مختلف التيارات والتكوينات والتوجهات السياسية والدينية يجمعنا الوطن، والحفاظ على كرامته واستقلاله والدفاع عن مقدراته وكرامة أبنائه لا نميز أحدا أيا كان توجهه وانتماؤه ما دام في صف الوطن” وإننا جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات”.

وحذر من أي تجاوزات وانتقامات ضد حزب المؤتمر الشعبي العام وقياداته الحزبية مؤكداً أن صنعاء عاصمة كل اليمنيين فيها التنوع والتعدد الذي يجب حمايته، وأن الدولة ستحمي الجميع دون تمييز.

في التعامل مع القضية الجنوبية، أبدى الرئيس الصماد مسؤولية عالية في استيعاب الحقوق والمتطلبات الاجتماعية لأبناء المحافظات الجنوبية، وفي التمسك بالوحدة اليمنية أحد مكتسبات الثورة وحاجة الشعب، مبينا أن العيب ليس في الوحدة ذاتها، ومعترفا بالأخطاء التي أدت إلى إخفاق التجربة فواقعيا ليس لدى الرئيس الصماد ولا أنصار الله أي مصالح مادية مترتبة على حرب 94 ومرتبطة ببقاء واقع الوحدة المشوه السائد.. مما يجعلهم أكثر القوى اليمنية الفاعلة مقدرة على إنصاف أبناء المحافظات الجنوبية وحل هذه القضية حلا عادلا.

وجاء في كلمة الرئيس الشهيد صالح الصماد في مناسبة العيد الوطني الـ27 للجمهورية اليمنية: “لقد مر سبعة وعشرون عاما منذ استعاد شعبنا وحدته المباركة، وهي فترة ليست بالقصيرة أو الهينة، جرت خلالها مياه كثيرة في عمر الوحدة، صاحبتها سلسلة من الإنجازات والإخفاقات والتحولات التي ألقت بظلالها الكثيفة على مجمل التفاعلات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية في البلاد منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، غير أن الوحدة اليمنية في خضم كل هذه التحولات ظلت الثابت الوحيد الذي لم يتزعزع عند اليمنيين، والمنجز العظيم الذي سيظل اليمنيون يفخرون دوما بأنهم حققوه ودافعوا عنه وحافظوا عليه، ومع إدراكنا لحجم التعقيدات التي أحاطت بقضية الوحدة اليمنية والمضاعفات السياسية والنفسية والاجتماعية لها، ندرك ويدرك شعبنا المؤامرات التي يخطط لها تحالف العدوان، وتتكشف يوما بعد يوم ضد وحدة الشعب اليمني شماله وجنوبه لتفكيكه إلى دويلات وكانتونات متناحرة، وأحب أن أذكر كم أيها الشعب الكريم، أن السعودية كانت هي العدو الأول للوحدة اليمنية، وهي من ساعد على نمو الإخفاقات التي ظن اليمنيون أنها بسبب الوحدة، وكانت الداعم الأساسي للشخصيات والقيادات التي أساءت إلى إخوتنا في الجنوب، وهم يعلمون ذلك.

ولأول مرة منذ حرب صيف 94م يعترف رئيس يمني بالظلم الذي لحق بأهالي المحافظات الجنوبية، ويكفل الحق الديمقراطي في التعبير عن مواقفهم وآرائهم وتنظيم أنفسهم، بما لا يتعارض مع قناعات السواد الأعظم من الشعب أي الأغلبية كما تنبه الرئيس الصماد بأن مشاريع العدوان لا يقتصر خطرها على الوحدة اليمنية، بل يمتد إلى ضرب الوحدة الجنوبية التي تحققت عقب ثورة 14 أكتوبر، إذ تسعى دول العدوان اليوم إلى تفكيك الجنوب اليمني وإعادته إلى التقسيمات التي كانت سائدة إبان الاستعمار البريطاني.

وفي خطاباته المتواصلة قدم الرئيس الشهيد صالح الصماد، النصح لأبناء المحافظات الجنوبية منوها إلى مشروع العدوان وممارساته التي تهدف إلى تصفية الجنوب من أبنائه الأشداء وتسليمه إلى القاعدة وداعش، نافيا أن يكون التدخل الأحنبي من حيث جوهره الاستعماري جاء من أجل مساعدة قطاع من الشعب اليمني، وهذه المسألة المنطقية يثبتها بواقع الاحتلال الإماراتي لجزيرة سقطرى داعيا الجنوبيين إلى العودة إلى الصف الوطني مؤكدا أن صدور القوى الوطنية في صنعاء مفتوحة لأبناء الجنوب اليمني، لحل القضايا على أساس وطني يمني عادل بعيد عن أطماع دول العدوان الأجنبية.

ومما جاء في كلمته في العيد الرابع والخمسين لثورة 14 أكتوبر المجيدة: “إنني بهذه المناسبة أتوجه بالخطاب إلى كل أبناء اليمن وأخص بالذكر إخوتنا أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية نحن كنا ولا زلنا نمد لكم يد السلام والمصالحة ومعالجة مشاكلكم التي حصلت تعالوا لنحل مشاكلنا بعيدا عن أهداف ونوايا تحالف العدوان التي أصبحت واضحة وضوح الشمس مهما تغابيتهم ومهما أنكرتم”.

وقد أبدى الرئيس الصماد اهتماما كبيرا بالمؤامرات التي تهدف إلى إحراق أبناء المحافظات الجنوبية في معارك لا طائل منها وليس لها علاقة بالقضية الجنوبية اليمنية، بل تأتي في إطار خدمة الأهداف الاستعمارية الأمريكية التي تهدد الوطن اليمني ككل، وليس أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية منه فقط.