الشهيدُ الشاهد (1): البداياتُ التي انطلق منها الشهيدُ القائد السيد حسين
بقلم / أم مصطفى محمد
إنَّ تأريخَ كُــلّ أُمَّـة هو ذاكرتها التي يعتمد عليها أبناؤها لتلمس معالم مستقبلهم وهذا التأريخ لا يصوغُه إلا العظماءُ الذين وقفوا حياتهم لخدمة مجتمعاتهم ونهضتها؛ لذا كان التعرف على سيرة هؤلاء العظماء أساسا لاستلهام الدروس والعبر منها ولا سيما في المراحل المفصلية من حياة الأمم والشعوب وقد أشار القُــرْآن الكريم إلى ذلك بتعبير (الأُسوة الحسَنة)، حَيثُ يقول تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، فالتأريخُ الإسْلَامي حافلٌ بتلك النماذج والقدوات الذين على رأسهم الرسولُ الأعظم صلى اللهُ عليه وآله وسلم وأهل البيت الاطهار عليهم السلام، وكذا أصحابهم الأخيار والعلماء الأفذاذ والشهداء الأبرار، والقائمة تطول حتى عصرنا الراهن الذي يتألق فيه اسمُ مؤسّس المسيرة القُــرْآنية ورائدها ومؤسّس قواعدها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوانُ الله عليه الذي استطاع أن يقودَ ثورةً تحمل لواء الإسْلَام المحمدي الأصيل ليدكَّ بها حصونَ الاستكبار والصهيونية وليسقط فكرا فاسدا نخر في جسد شعبنا طويلاً فأثّر على قيمنا وثقافاتنا وأَخْلَاقنا وعقيدتنا، فوقف أمامه ذلك المؤمن المخلص وأعطى لنا درسا في أن التمسك بتعاليم الإسْلَام المحمدي الأصيل والعمل وفقها هو السلاح الأقوى الذي لا يستطيع أي سلاح أن يقهره أبداً، فكانت تلك العقيدة الراسخة والإيْمَان العظيم والهمة العالية والبصيرة النافذة التي تمتع بها الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي هي المشعل الذي أضاء الطريق للمؤمنين الغيورين على دينهم ووطنهم وحريتهم فقدموا قوافل الشهداء والجرحى في هذا الطريق.
إن بلادَنا الحبيب بجميع طوائفه بحاجة هذه الأَيَّـام أكثر من أي وقت مضى إلى دراسة تأريخ قضايا هذه المسيرة في مختلف الجوانب الدينية والسياسيّة والاجتماعية والاقتصادية من خلال سيرة مؤسّسها وقائدها لنستمد منها الشجاعة والصبر أمام ما نواجهه من عدوان، ولنعرف مدى معاناته التي عاشها من أجل أن نحيا حياة كريمة، فنصون هذه المسيرة ونحفظها ونضحي من أجلها بأنفسنا ونشكر الله تعالى على هذه النعمة الكبرى التي أنعمها علينا خَاصَّـة وعلى المسلمين المستضعفين عامة، ولتبقى هذه الرايةُ خفّاقةً على رؤوسنا عزًّا وفخرًا، ولتكونَ لنا بمثابة السد المنيع الذي يحمينا من أعدائنا الصهاينة والأمريكان، ولتكون دولتنا هي الدولة الكريمة التي يعز بها الله الإسْلَام وأهله ويذل بها النفاق وأهلَه وينصر بنا الشعوب المستضعفة ويخرجهم من ظلمات الجور إلى نور العدل والحق.
لقد تأمّل الشهيدُ القائد السيد حسين كَثيراً في واقع الأُمَّـة وبدأ يبحث ويدقق مستفيداً من تجارب الماضي، ومن خـلال غوصه في أعماق القُــرْآن الكريم عرف الــداء الذي فتك بجسد الأُمَّـة والذي طرحها أرضاً تئن تحت أقدام اليـهود والنصــارى، وهذا الداء كان يتمثل في الثقافــات المغلوطة والعقائد الباطلة التي يسعى أعداء الدين لنشرها، ولذلك نجد أن الشهيد القائد كان يحرص على توضيح هذه الحقيقة رغم ما تعرض له من أذىً طوالَ مسيرة حياته لكنه رضوانُ الله تعالى عليه كان عظيمَ الثقة بالله بأنه ناصرُه؛ كونه على الحق، فقد كانت تربطه بالله علاقة قوية يذكرنا دائما بالمتقين الذين وصفهم الإمام علي عليه السلام بقوله: (عَظُمَ الخَالِقُ في أنفسِهم فصَغُرَ ما دونَه في أعيُنِهم).
لقد كان -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- يعرفُ أن من أكبر أزمات الأُمَّـة أنها لا تثقُ بالله كما ينبغي؛ فلذلك نجدُه في محاضراته يبين أسباب أزمة الثقة هذه، ولعلَّ أعظم موقف دَلذَ على ثقته العالية بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنه في الحرب الأولى وهو محاصر، وصلت إليه رسالة من الكتلة البرلمانية للمؤتمر طلبوا منه فيها أن يبعَثَ برسالة استغاثة إلى الطاغية علي صالح، يطالبه فيها بوقف الحرب باعتباره أحد مواطنيه، وهم مستعدون أن يفعلوا هذه الاستغاثة في البرلمان، وعندما وصلت هذه الرسالة إلى السيد حسين رمى بها وقال: (سنستغيثُ بالله القوي العزيز).