الخبر وما وراء الخبر

من تل أبيب إلى سلفيت.. رسائل الجيل الجديد

44

إيهاب شوقي*

رغم أن التاريخ البطولي الطويل للمقاومة في فلسطين يزخر بعمليات نوعية وبطولية، استطاعت الحفاظ على زخم القضية، وكانت بجانب الصمود الشعبي والإرادة المتوارثة عبر الأجيال، وأن تحمي القضية من عمليات التصفية الدؤوبة، إلا أن العمليتين الأخيرتين، المتمثلتين في قصف تل أبيب، وعملية سلفيت، كان لهما وقع مختلف وأهمية مضافة.
كما إن للعمليتين رسائل ودلالات، وربما الأهمية والدلالات، بحاجة إلى مزيد من إلقاء الضوء:

من حيث الأهمية:

– جاءت العمليتان في توقيت سياسي صعب، يشهد محاولات مكثفة لتصفية القضية، وعلى رأس التصفية جاءت محاولات انتزاع القدس، وبدا أن محاولات انتزاعه بشكل علني وفج وغير مسبوق، تحوّل لعمل روتيني دون زخم متسق مع خطورة الخطوة، وظهر معه تواطؤ رسمي كبير، وعجز سياسي انسحب على النخب والقوى السياسية ايضا، فجاءت العمليات لتضع حدا لهذه الحالة، وتبدأ حالة جديدة مفادها ولادة زخم جديد.

– جاءت العمليتان أيضا بالتزامن مع ضغوط سياسية واقتصادية على فصائل المقاومة، ومحاولات مستمرة ومكثفة لعقد هدنة طويلة المدى، استغلالا للظروف الاقتصادية الضاغطة والاوضاع المزرية التي وصلت إليها حال الفلسطينيين نتيجة الحصار، فكرست العمليتان حقيقة غابت عن الصهاينة، وهي أن الشعوب الحرة، منتجة وولادة لحركات ومقاومين، على استعداد لتسلم راية الكفاح اذا ما تعثر حملها من قبل الآخرين، وكذلك تعدد وتنوع رايات الكفاح ومنابره، بما يحطم آمال العدو في الافلات بجريمته عبر محاصرة بعض الفصائل والضغط عليها.

– أهمية مضافة لعملية سلفيت، أنها جاءت من الضفة، بعد محاولات لتكريس صورة ذهنية، مفادها أن غزة فقط هي التي تقاوم، وقد ساعدت ابواق العدو على تكريس هذه الصورة لفصل غزة عن الضفة وتكريس الانقسام والتعامل بالقطعة مع الشعب الفلسطيني، فجاءت العمليتان اللتان تبنتهما حركة وليدة، لتثبتا أن غزة والضفة مقاومتان ولا فصل بينهما.

أما عن الدلالات، فيمكن إلقاء الضوء على ما يلي:

1- العمليتان رغم اختلافهما، من حيث التكتيك الحربي، الا انهما اشتركتا في تكريس الفشل الاستخباراتي والأمني وكذلك الإعلامي للعدو الصهيوني.

فالعملية الأولى اعترف العدو بأنه لم يكن له بها علم أو رصد، كما سارع اعلام العدو لنسبها لغير منفذيها!

والثانية اظهرت فشل العدو في التعامل مع بطل شاب شجاع كانت عمليته أقرب للعمليات الانغماسية، رغم وضوح التخطيط الجيد لها وأن العودة السالمة كانت احدى مفردات خططها، كما أظهرت ايضا فشلا اعلاميا، بارتباك العدو واعلانه عن مقتل البطل عمر ابو ليلى، ثم تراجعه، ناهيك عن الفشل الامني باعتقال افراد اسرته وشباب آخرين تحت دعاوى أنهم مساعدون وغير ذلك.

2- اقتران العمليتين النوعيتين بجهة واحدة وليدة، أعلنت بيانات العمليات كبيانات تأسيسية، يقول إن الشعب الفلسطيني، لن يستسلم، وإن المقاومة متجددة الشباب، وإن الشباب المقاوم الذي ولد في ظروف سياسية صعبة، شهدت قمة الضغط على القضية والمقاومة، وشهدت حروبا مكثفة في لبنان وغزة، واستيطانا مستعرا في الضفة، لم تتغير ثوابته ولم تتبدل روح التضحية والفداء عنده لروح أخرى تكرسها مواقع التواصل الاجتماعي ومعظم وسائل الاعلام العربية، ومعظم المنابر الرسمية والمؤسسات، تحت مسميات حق يراد بها باطل مثل “السلام والتعايش ونبذ الكراهية و.. وكل القيم الفاضلة التي يراد بها أهداف خبيثة تتعلق بتصفية القضية وتحريف طبيعة الصراع وحرف مساراته.

ان هذا الجيل في الضفة، وهذه الحركة الوليدة التي أطلقت على نفسها اسم “حركة المقاومة العربية.. كتيبة العودة”، وجيل مسيرات العودة في غزة والبالونات الحارقة، هو جيل يؤكد أن القضية لن تسقط بالتقادم، وأن كل ثوابت القضية مصانة، بما فيها حق العودة، فما بالنا بالقدس ومركزيته في القضية.

ورغم ان هذا الجيل الفلسطيني الجديد الذي ولد في بداية القرن، وشهد في طفولته كل محاولات التصفية وتمت محاصرة وعيه الوليد بالتضليل والتشويه، الا أنه قد تأثر بما شهده من بطولات المقاومة وحرب تموز وحرب غزة، وقد انحاز للمقاومة ولم ينحز للتضليل المفروض على جيله، ولم يركع للحصار غير المسبوق والظروف الضاغطة والخانقة.
هنيئا للشعب الفلسطيني بتجدد شباب مقاومته، وهنيئا للمقاومة بمواليدها الجُدُد.
*العهد الاخباري