ضربة معلّم: رسائل صواريخ “فجر-5” إلى سماء تل أبيب المحتلّة؟
بزغ “فجر 5” على سماء تل أبيب المحتلّة، صفّارات الإنذار تدوّي ولكن هذه المرّة ليست في مستوطنات غلاف غزة، ليست مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتلّ، ولا حتّى حيفا، بل في جوش دان في تل أبيب المحتلّة.
لكن الردّ الإسرائيلي لم يتعدَّ الخطوط الحمراء رغم أنّ ما حصل بالنسبة للكيان الإسرائيلي تهديد ما فوق استراتيجي أصاب الأمن القومي الإسرائيلي في الصميم.
بعيداً عن الردّ الإسرائيلي “المتّفق عليه” مع الوسيط المصري، وبصرف النظر عن حالة الهلع التي أثارتها صواريخ فجر 5 في تل أبيب ومراكز صنع القرار، فإن ما حصل في الأمس قلب الطاولة رأساً على عقب رغم التوافق على امتصاص الرد الإسرائيلي ومنع الوصول إلى مواجهة مفتوحة.
لا شكّ أن الانتخابات الإسرائيلية قد عزّزت من فرص المواجهة المحدودة وعدم الدخول في حرب مفتوحة، لكن السبب الرئيسي يكمن في العجز الإسرائيلي قبل أيّ أمر آخر.
يدرك نتنياهو جيّداً، ومن خلفه رئيس الأركان الجديد أفيف كوخافي، أن تبعات الدخول في مواجهة مفتوحة مع الفصائل الفلسطينية غير معلومة النتائج، ولعلّ استقالة قائد “سييرت متكال” بسبب فشل الوحدة بخانيونس قبل فترة خير دليل على ذلك، بعبارة أخرى، أثبت ما حصل بالأمس أن الكيان الإسرائيلي غير قادر على خوض حرب ضد غزة، حتى لو كانت المدينة المستهدفة تل أبيب وهو الكيان ذاته الذي كان يشنّ حرباً ضروساً تحت ذريعة أيّ قذيفة قد تسقط على حقل زارعي في سديروت أو أيّ من مستوطنات غلاف غزّة.
إن ما حدث في عزّة والصواريخ التي أطلقت عن “طريق الخطأ” أو بسبب “عطل فنّي” قد حملت رسائل قد لا تكون قادرة على حملها لو كانت مقصودة، يمكن اختصار هذه الرسائل في جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: لقد نفّذت الفصائل الفلسطينية اختباراً عملياً لصواريخها، كما أنّ النفي الذي حصل من مختلف الفصائل، لا يغيّب أن ما حصل كان “ضربة معلّم” بكل المعايير.
من الأمور اللافتة أن النفي لم يقتصر على حماس والجهاد اللذين يمتلكان هذا النوع من الصواريخ، بل طال هذه النفي أيضاً لجان المقاومة الشعبية في رسائل مبطّنة حول امتلاكها هذا المدى، فإذا كانت هذه الفصائل تمتلك هذا المدى، فماذا عن حماس والجهاد الإسلامي؟ وهل سنكون أمام معادلة كتلك التي رفعها السيد نصرالله ” من كريات شمونة إلى إيلات”، ولكنها معكوسة هذه المرّة أي من “إيلات إلى كريات شمونة”؟
ثانياً: لم تختبر هذه الصواريخ مداها الفعلي وقدرتها على استهداف تل أبيب فحسب، بل شكّل هذا الأمر اختباراً حقيقياً لمنظومة القبّة الحديدية التي أثبتت فشلها عملياً بالأمس بعد سنوات على نشر وتعديل وتطوير هذه المنظومة.
اللافت أيضاً أن عملية “فجر 5” هذه تتزامن مع نشر أمريكا منظومتها المتطورة من الصواريخ الدفاعية “ثاد” مؤقتاً في الكيان الإسرائيلي، وهي التي أثبتت بدورها فشلها في حماية الكيان الصهيوني.
ثالثاً: يدرك نتنياهو جيّداً أن رسائل صواريخ فجر 5 هي أبعد بكثير من مسألة الخلل التقني، حيث تتعدّاها إلى الواقع الفلسطيني والتفاوضي وقدرته في الحصول على مكاسب أكبر في تحقيق مصالح شعبه، لعبة الإفقار التي أراد منها الكيان الإسرائيلي إخضاع الشعب الفلسطيني أودت بنتائج عكسية إحداها هي الصواريخ التي استهدفت تل أبيب المحتلّة، وربّما يكون سكاّن تل أبيب أمام مشهد مشابه لما يشهده سكاّن المستوطنات في غلاف غزّة.
لن يترك هذا الأمر أثره على المقاومة والشعب في فلسطين، بل يطول حتى جميع الأنظمة المطبّعة التي تراودها أفكار من قبيل أن “العين لا تقاوم المخرز”.
اليوم، بات بإمكان جميع الأنظمة العربية التي لا تمتلك سوء نيّة تجاه الفلسطينيين أن ترفع من سقف مطالبتها للكيان الإسرائيلي على أساس حلّ الدولتين وفق حدود 1967 رغم قناعتنا مسبقاً بأنه لا يحقّ لأحد التخلي عن شبر واحد من تراب فلسطين، وكذلك رغم القناعة المسبقة بأن الكيان الإسرائيلي لن يرضى بحل الدولتين حتّى على حدود المستوطنات التي تمّ بناؤها عام 2018، بل يريد كل فلسطين.
رابعاً: لقد كسرت حركة حماس الحاجز النفسي لإطلاق الصواريخ على تل أبيب، وفق الصحفي في القناة الإسرائيلية العاشرة تسفيكا يحزكيلي، يعقّب يحزكيلي على سقوط الصواريخ في تل أبيب قائلاً، “لن أندهش إذا أطلقت الصواريخ القادمة نحو مطار بن غوريون”.
لقد بات الكيان الإسرائيلي مجبراً اليوم على الاحتواء، في ظل تآكل الردع الذي عمل على بنائه من العام 1948، ويضيف المحلّل في صحيفة “معاريف” بن كاسبيت، في مقال نُشر اليوم السبت، أن القصف الذي طال “تل أبيب” كان آخر ما يحتاج إليه نتنياهو والوضع الراهن هو “هزيمة إسرائيلية أمام حماس”.
باختصار، ما حصل بالأمس هو صورة مصغّرة عمّا قد نشاهده في أي حرب قادمة حيث ستمطر فصائل المقاومة سماء تل أبيب المحتلة وكل المدن الأخرى بصواريخ فجر 5 وما بعد فجر 5، ربما نكون أمام حرب مفتوحة تلتقي فيها هذه الصواريخ مجدّداً، ولكن هذه المرّة في سماء فلسطين المحتلّة، ربّما حيفا، وربّما ما قبل حيفا أو وما بعدها.
الوقت التحليلي