الخبر وما وراء الخبر

دراسة اقتصادية: الاعتماد على استيراد الغذاء من الخارج يجعل الاقتصاد الوطني عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.

52

ذمار نيوز.|إقتصاد 28 جماد ثاني 1440هـ الموافق 5 مارس، 2019م

ونحن على أعتاب عام زراعي جديد لا يخفى أن هناك تحديات جسيمة فيما يتعلق بتأمين الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي بالاعتماد على الزراعة.. حيث من المعلوم أن اليمن بلد زراعي من الدرجة الأولى من خلال تنوع مناخه وتضاريسه وتربته وتعدد إمكانياته الزراعية والمائية الجوفية والمطرية، ومما لا شك فيه أن استقرار أي بلد وأمنه الغذائي يعتمد بدرجة أساسية على مدى توفر الغذاء بشكل عام إنتاجاً وتخزيناً، وبما يغطي الاحتياجات السكانية لفترات طويلة، واستمرار اعتماد اليمن على الأسواق العالمية في توفير احتياجاته من الغذاء والقمح يجعل الاقتصاد الوطني عرضة لمخاطر تقلبات الأسعار العالمية حاضراً ومستقبلاً وبما أن اليمن وشعبه المظلوم يتعرض لعدوان وحصار اقتصادي شامل سيدخل عامه الخامس نهاية شهر مارس الجاري فإن هناك ضرورة قصوى للتغلب على التحديات الغذائية والأمن الغذائي للبلد من خلال العودة إلى زراعة الأرض كتوجه سياسي عام للدولة والمجتمع وحتى نأكل مما نزرع ولا نخاف ولا نجوع..

المزيد من التفاصيل في السياق التالي:

النمو السكاني
تؤكد الدراسات الزراعية الحديثة أن ارتفاع النمو السكاني بنسبة 1% يؤدي إلى زيادة الاستهلاك الغذائي بمقدار 3.2% واليمن من الدول ذات المعدلات المرتفعة في النمو السكاني، والتي قدرت بمعدل نمو سنوي وصل إلى 3% وخلال السنوات الأخيرة ارتفع عدد السكان بمقدار 6.549 ألف نسمة أي بمعدل زيادة قدرت بـ 32% بين عامي 2005 – 2015م، ويتركز غالبية السكان في المناطق الريفية، والتي تشكل فيها نسبة السكان 61% من إجمالي عدد السكان في مقابل 26% في المناطق الحضرية وتشكل هذه الزيادة الكبيرة في السكان وفي فترة زمنية قصيرة إحدى أهم الأسباب في ارتفاع الطلب المحلي الاستهلاك الغذاء بالذات القمح، ومع تراجع الإنتاج المحلي للقمح تراجع معدل الاكتفاء الذاتي إلى 3%، وارتفعت نسبة ….. القمح من الاستهلاك الكلي إلى أكثر من 96% بحلول عام 2016م.

خيار ضيق الأفق

وتشير الباحثة الاقتصادية أروى أحمد البعداني في دراستها حول زراعة القمح في اليمن، “التحديات والحلول والفرص المتاحة” إلى أن السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة كان لها الأثر البالغ في تدهور الإنتاج المحلي للقمح بصورة خاصة، بالإضافة إلى أن السياسات الحكومية لم تشهد تنفيذ خطط استراتيجية مجدولة زمنياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي بحيث تحشد لها الموارد اللازمة والبرامج المناسبة لتحقيق هذا الغرض بل اكتفت باتباع سياسة تحقيق الاكتفاء من خلال تغطية العجز المالي من الاستيراد الخارجي كخيار استراتيجي ضيق الأفق، متجاهلة بذلك المفهوم الأساسي للاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء والذي يقصد به الاعتماد على الذات في تحقيق حاجات المجتمع من خلال إنتاجه الذاتي، وتوظيف موارده الخاصة، إضافة إلى قيام الحكومات المتعاقبة تنفيذ سياسات اقتصادية استجابة لطلبات المانحين، وخاصة المؤسسات الدولية الرئيسية كشرط للحصول على القروض والمساعدات، أو لغرض تحقيق مواقف سياسية تعبر عن الاستجابة لرغبات القوى العالمية المهيمنة حتى ولو لم تتوافق تلك السياسات مع مصالح البلاد العليا.

برامج عقيمة

وتشير الباحثة الاقتصادية أروى البعداني في دراستها إلى أن من بين تلك السياسات العقيمة التي اتخذتها الحكومات السابقة برنامج الإصلاح الاقتصادي حيث تبنت اليمن منذ 1995 برنامج تثبيت الاقتصاد وإصلاحاً هيكلياً بدعم من صندوق النقد والبنك الدوليين بهدف معالجة الاختلالات الهيكلية واستعادة التوازن الاقتصادي من خلال تنفيذ مجموعة من السياسات والإجراءات في الجوانب المالية والنقدية والإدارية وتهيئة الاقتصاد اليمن للاندماج في الاقتصاد الإقليمي والدولي من خلال تحرير التجارة الخارجية والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وقد استطاع البرنامج تقليص بعض الاختلالات للموازين الاقتصادية الكلية، لكن هذا البرنامج كان له تأثير سلبي في قطاع الزراعة بصورة عامة، وزراعة القمح بصورة خاصة ولعل أهم تلك السياسات وأخطرها سياسة تعويم سعر الصرف والتي كان لها أثر سلبي على قطاع الزراعة ككل، ومنها زراعة القمح محلياً يظهر ذلك بحسب الدراسة من خلل تعقب تطور حجم إنتاج القمح خلال العشر السنوات الأخيرة والذي تقلص فيها الإنتاج المحلي من 161 ألف طن عام 1995م إلى 61 ألف طن عام 2016م ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع تكلفة إنتاج القمح محلياً والتي أصبحت تفوق تكلفة الاستيراد، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكلة إنتاج القمح محلياً، والتي أصبحت تفوق تكلفة الاستيراد مما أدى إلى ضعف القدرة التنافسية للصادرات الزراعية المحلية بشكل عام وزيادة القدرة التنافسية للصادرات الأجنبية، وبالتالي زيادة كمية الواردات من السلع الزراعية خاصة القمح مما أدى إلى تقليل الحافز لدى المنتجين المحليين وبالتالي تراجع الإنتاج المحلي من الغذاء خاصة القمح.

رفع الدعم

وتؤكد البعداني في دراستها أن رفع الدعم الحكومي عن القمح والدقيق أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل متنامٍ ومستمر الأمر الذي شكل عبئاً كبيراً على المستهلك اليمني بالتالي تدهور المستوى الغذائي باعتبار أن الخبز هو الغذاء الرئيسي لكافة السكان، كما أدى رفع الدعم بشكل تدريجي عن المشتقات النفطية خصوصاً الديزل أدى إلى ارتفاع أسعاره بنسبة 158% خاصة بعد رفع الدعم كلياً أواخر العام 2015م بالإضافة إلى حدوث عجز في الكميات في الأسواق المحلية من القمح وبشكل مفاجئ، كل ذلك ساهم في زيادة تكاليف الإنتاج، مما آثار مخاوف لدى المزارعين في مدى جدوى التوسع في زراعة القمح حالياً.

حيازات

وتشير الدراسة فيما يتعلق بالتحديات والحلول الممكنة والفرص المتاحة للزراعة في اليمن إلى أن الحيازة الزراعية والموارد الطبيعية (الأرض الصالحة للزراعة والمياه اللازمة لريها) تتصف بالندرة النسبية حيث تبلغ مساحة اليمن الإجمالية 55.5 مليون هكتار موزعة على النحو التالي 64% أرض غير صالحة للزراعة، 29% مراعٍ دائمة و4% غابات و3% فقط صالحة للزراعة إضافة إلى أن التفاوت الطبيعي في المساحة بين المحافظات، والذي يظهر جلياً عند مقارنة المساحة الكلية، أو المساحة الصالحة للزراعة وبين عدد سكان كل محافظة من جهة وبين حائزيها من جهة أخرى فنجد في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالمية كإب وتعز والتي تشكل حوالي 23% من إجمالي عدد السكان معظمهم يعيشون في المناطق الريفية (82% ،78%) لا تتناسب مع المساحة الصالحة للزراعة حيث قدرت نصيب هاتين المحافظتين 75% و8.3%) على التوالي من إجمالي المساحة الكلية ما عدا محافظة الحديدة والتي تأتي في المرتبة الأولى سواء من حيث المساحة الصالحة للزراعة أو الكلية بنسبة 20% و21% توالياً وتأتي محافظة حجة وصنعاء في المرتبة الثانية بنسبة 9% ثم عمران 7.6% ومارب 7.2% وذمار 7.2% والجوف 6.7% وتأتي صعدة في المرتبة التاسعة بنسبة 3% في حين أقل مساحة من نصيب محافظتي المهرة وعدن 5.25% و5.19% على التوالي .

تفاوت

وبحسب نتائج التعداد الزراعي يظهر وجود تفاوت كبير في توزيع الحيازات الزراعية بين المزارعين حيث يبلغ عدد الحائزين على الفئة أقل من نصف هكتار حوالي 689.397 حائزاً أي بنسبة 58.4% من إجمالي حائزين الجمهورية وتقدر المساحة التي تحوزها بحوالي 122.844 هكتاراً أي بنسبة 7.6% من إجمالي الحائزين في المحافظات يجوزون على أقل من نصف هكتار حيث نستنتج مما سبق أن تشتت الحيازات الزراعية وصغر حجمها من أهم الأسباب وراء تراجع إنتاجية الهكتار الواحد من القمح.

تحديات وحلول
كما تشير الدراسة إلى أن من أهم التحديات التي تواجه زراعة الغذاء والقمح الموارد المائية وتقنين استخدامها والاستمرار في زراعة القات على حساب زراعة المحاصيل الغذائية التي على رأسها الحبوب والقمح.

وخلصت الباحثة الاقتصادية أروى البعداني في دراستها إلى جملة من الحلول والفرص المتاحة لتطوير إنتاج الغذاء والقمح حيث تقول: إن هناك جملة من الإجراءات التي لابد منها لزيادة حجم إنتاج القمح بنسب تحقق زيادة في الاكتفاء الذاتي على اعتبار أن القمح من السلع الاستراتيجية الهامة لتحقيق الأمن الغذائي في البلاد والتي لن تتحقق إلا بوجود إرادة سياسية صادقة تسعى في توجهاتها لتحقيق زيادة في نسب الاكتفاء الذاتي من القمح في البلاد عن طريق دعم المزارعين، وتوفير البذور ذات الجودة والإنتاجية العالية وتوزيعها على المزارعين مجاناً وكذا رفع الوعي لدى المزارعين بأهمية استخدام التقنيات الحديثة في الري للحصول على منتج جيد، ورفع إنتاجية الهكتار وتشجيع التعاونيات الزراعية والجمعيات لتقديم الإرشاد والتدريب والمساندة للمزارعين خاصة فيما يتعلق بالقروض الميسرة.

دعم الشراكة

وتؤكد الدراسة أن هناك أهمية بالغة في دعم الشراكة مع القطاع الخاص بهدف دعم الإنتاج المحلي وذلك بتشجيع الاستثمار في زراعة القمح والحبوب من خلال مصفوفة تحفيز وضمانات حكومية للقطاع الخاص والرأس مال الوطني للاستثمار وزيادة المساحة المزروعة من القمح والحبوب إضافة إلى عمل مصفوفة تشجيعية تشمل الضرائب والجمارك عند استيراد المدخلات والمعدات والآلات الزراعية الحديثة لإنتاج القمح والحبوب الأخرى، وإبرام اتفاقيات وعقود الشراء من الدولة للإنتاج من القمح والحبوب وفق آلية تضمن الربحية والمناسبة للقطاع الخاص وفيما يصب بتحقيق المصلحة العامة معاً.

* نقلا عن صحيفة الثورة