الخبر وما وراء الخبر

منظومة حزب الله الصاروخية: أبعد من معادلة ردع

57

شكّلت المنظومة الصاروخيّة لحزب الله مفاجأة من العيار الثقيل لصنّاع القرار السياسي والأمني في الكيان الإسرائيلي.

شبح هذه المنظومة أرسى معادلة الردع القائمة منذ العام 2006، ما سمح للحزب بتطويرها وصولاً إلى الصواريخ الدقيقة التي تحدّث عنها السيد نصرالله مؤخراً.

ورغم بناء حزب الله لقدراته على أكثر من صعيد، وظهور تحدّيات تشغل الكيان الإسرائيلي بين الفينة والأخرى كقضية السيطرة على الجليل، والأمونيا وديمونا والأنفاق لكن الشبح الصاروخي لا يزال ملازماً للكيان الإسرائيلي منذ حرب لبنان الثانيّة، عسكراً وسياسيين ومستوطنين.

لا يكاد يمرّ أسبوع، إلا ويسلط الكيان الإسرائيلي، سواءً عبر المسؤولين، العسكريين منهم والسياسيين أم عبر وسائل الإعلام، الضوء على ترسانة حزب الله الصاروخيّة، ليس آخرهم الباحث الإسرائيليّ في الشؤون الأمنيّة والعسكريّة، الجنرال احتياط عاموس غلبواع، الذي قال “إننا غير قادرٍين على اعتراض صواريخ حزب الله وصواريخ حماس تصل إلى ما بعد حيفا”.

ما زاد طينة الإسرائيليين بلّة، هو الغموض الذي يلفّ هذا الأمر، ما دفع بنتنياهو للحديث عن صواريخ حزب الله على منبر الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، ليتّضح لاحقاً وبالصوت والصورة زيف ادعاءات نتنياهو بعد المؤتمر الصفي الذي عقده وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بحضور السفراء الأجانب في بيروت.

اليوم، يبدو الكيان الإسرائيلي مربكاً أكثر من أي وقت مضى، فبعد فشل رهانه في إسقاط سوريا، ومحاصرة حزب الله تدريجياً، تبدو مواقف الكيان متذبذبة فتارةً يهدد باستهداف لبنان وأخرى يقول إنه لا يريد الحرب، تارة يتهم قوات اليونيفل بالتقصير، وأخرى يصوّب على إيران وسوريا.

لم تشغل قضّية الصواريخ الإعلام الإسرائيلي والخطوط الساخنة مع واشنطن فحسب، بل إن شرارة هذه الصواريخ قد طالت مراكز صنع القرار الإسرائيلي ذاته حيث بدا الارتباك واضحاً في التعاطي مع هذه القضيّة الاستراتيجية.

أحد هذه النماذج تمثّلت بانتقاد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يدلين، أقوال أدلى بها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو حول وجود عدة عشرات فقط من الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله.

بعيداً عن الخلافات الداخلية التي أشعلتها صواريخ حزب الله في الداخل الإسرائيلي، وبصرف النظر عن حجم الترسانة الصاروخية التي تبدأ من فترة ما قبل الكاتيوشا وتصل إلى ما بعد الدقيقة، تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

أوّلاً: ومن الناحية التقنية أقرّ الكيان الإسرائيلي بعجز الدرع الصاروخيّة متعدّدة السطوح في اعتراض صواريخ حزب الله في سماء فلسطين المحتلّة، بدءاً من كريا شمونة وصولاً إلى إيلات. فقد نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية تقريراً، نقلاً عن دراسة أعدّها قادة عسكريون أمريكيون لمصلحة المركز اليهودي للأمن القومي لأمريكا حيث توقّعت إطلاق حزب الله يومياً ما بين 1000 و 3000 صاروخ، مع الإشارة إلى الصواريخ التي قصفها حزب الله طوال فترة الحرب في العام 2006 حيث قارب عددها الـ4000.

ثانياً: لا تقتصر مسألة العجز الإسرائيلي في مواجهة صواريخ حزب الله على الشقّ التقني، بل هناك عوائق اقتصاديّة أمام هذا الأمر.

إن تكلفة اعتراض صواريخ حزب الله تبلغ 1.3 مليار دولار لليوم الواحد فقط، أي إن أي حرب مشابهة لحرب تموز ستكون تكلفة الاعتراض تفوق الـ40 مليار دولار، فهل الكيان الإسرائيلي قادر على تحمّل هذه الأعباء الضخمة؟.

ثالثاً: لقد رسمت الترسانة الصاروخية لحزب الله، والتي كانت عنواناً للعديد من الدراسات العسكرية والجامعية، صورة مرعبة عن سقوط ناطحات سحاب في تل أبيب وغيرها من المدن الاسرائيلية، ولاسيّما أن العديد من هذه الدراسات قد أكّدت أن نظام “القبّة الحديديّة” سيكون غير قادر على اعتراض كميات الصواريخ التي سيطلقها حزب الله.

تشير إحدى الدراسات إلى أن حزب الله اليوم بات يمتلك قوة نيران أكثر من 95% من الجيوش التقليدية في العالم.

مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية تنقل عن مسؤولين أمنيين تخوّف الإسرائيليين من سيناريو كارثي قد يحصل، يتمثل في تدمير البنية التحتية المدنية والعسكرية للكيان الإسرائيلي وشلّ الحياة اليومية.

رابعاً: لطالما كان الكيان الإسرائيلي يعيش حالة قلق فيما يخص امتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة، ليؤكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حصول الحزب على صواريخ متطوّرة، وأن المهمّة أنجزت، أي إن الصواريخ الدقيقة باتت في جعبة حزب الله، ومهما فعل الكيان الإسرائيلي في سماء سوريا لن ينجح في الحؤول دون وصول الصواريخ الدقيقة إلى الحزب.

اليوم لا توجد نقطة في الكيان الصهيوني لا تطولها صواريخ حزب الله، وجزء من هذه الصواريخ هي صواريخ نقوطيّة، ولطالما حذّر الكيان من امتلاك حزب الله لمثل هذه الصواريخ، والمفاعيل الكارثية لمثل هذا الأمر.

في الخلاصة، ليس من المبالغة القول إن المنظومة الصاروخيّة لحزب الله هي التحوّل الأبرز في الصراع العربي الإسرائيلي، هذه المنظومة القادرة على استهداف المنشآت الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي، لن تؤثر على معادلة الردع فحسب، بل على طبيعة الحرب المرتقبة.