عيسى الليث أسطورة اللحن والإنشاد
بقلم | سام يحيى الهمداني.
التاريخ الأدبي والفني حافلٌ بالكثير من الأدباء ونجوم الفن، أبدعوا فاستحقوا أن يخلدهم التاريخ، صاروا مصدراً للتوثيق تتداولهم الأجيال جيلاً بعد جيل، ففي الفن الشفاهي خلد التاريخ الكثير من نجوم الفن والإبداع،إذ خلد التاريخ(زرياب) صاحب الصوت العذب وطلاقة اللسان وفصاحته، وفي الكتاب المقدس(العهد القديم) توثيق لمزامير داود، وهي عبارة عن مجموعة أناشيد كتبت في تسبيح الله وحمده، وفي الأدب الصوفي إيقاع روحاني تسابق الكثير من المنشدين كلٌ يبرز موهبته في اللحن والإنشاد، فتركوا موروثاً كبيراً في الفن والإبداع.
وللكلمات الصادقة أثرٌ في تخليد الشاعر والمنشد، وتسعى هذه السطور إلى الوقوف عند واحد من أبرز المبدعين في اليمن هو المنشد (عيسى الليث) رائد الإنشاد في الزامل اليمني وفاتح باب الحداثة في اللحن والإنشاد.
– بداية الغيث قطرة.
كانت البداية للمنشد المبدع عيسى الليث قطرة من غيث، ثم تطورت موهبته بتطور وتجدد الأحداث على الواقع، فسرعان ما تخطى إبداعه الحدود والأقاليم، ولمسيرة القرآن دورٌ في صقل موهبته، إذ تشرب ثقافة القرآن وتلى آيات الفن والإبداع، وفي حوار مع المبدع عيسى الليث حاوره ووثقه عبدالخالق الرازحي في صحيفة 26 سبتمبر قال عنه:((صوت ينهمر بعذوبة، يرسم لنفسه طريقاً في الإنشاد اليمني، بنى لنفسه هامة في سحب الإبداع، أستطاع أن يوثق لغة الأصالة التراثية الشعرية في باقة صوتية يشدو بها وتروي مختلف الأذواق والأعمار)).
-أسطورة اللحن والإنشاد.
جعل الزامل الشعبي قيثارة يسمعها الجميع بعد أن كاد يندثر ويصبح مجرداً من التوثيق والتداول، يمتلك موهبة الناقد وحسه الدقيق، فاختيار اللحن المناسب ذائقة نقدية وإبداعية إذ لا تتشابه البنية الإيقاعية بالزوامل، حيث يوجد اختلاف في الوزن والقافية وتراكيب الألفاظ، فما إن تسمع لعيسى الليث يتبادر إلى ذهنك أنه الشاعر والملحن، فيثير فينا الانفعالات والمتعة الفنية، ويشحذ أذهاننا إلى عالمه الإبداعي الخصيب بالجدة والابتكار، فقد هيأته المسيرة القرآنية ليكون منشداً مجدداً، إذ ابتكر الكثير من الألحان التي تعدت حدود الحصر والتي تعكس موهبته الفذة، فلم يقف تلميذاً للتراث الإنشادي، بل صار موسوعة إنشادية تؤهله لأن يكون أستاذاً ومعلماً ورائداً في فن الإنشاد الحماسي.
– الحنجرة الذهبية.
صوته آية الله في هذا الزمن يلامس شعور القريب والبعيد والعدو والصديق، صوته وألحانه الإبداعية والحماسية يتلوها ضوء الصباح، ومائدة المقيل، وقيثارة المساء إنه طفرة في الإبداع والتميز.
إن سر إعجاز القرآن الكريم في بلاغته وقدسيته، وسر إعجاز الزامل اليمني هو صوت عيسى الليث، فعذوبة صوته صدى لروحه التي تجندت للفن والإبداع في مسيرة الحق.
– سلاح الأنصار وشريك ثباتهم.
زوامل عيسى الليث فاتحة يسمعها الأنصار قبل كل هجوم، فهو بهجة النصر وشريك سلاح المجاهد وعتاده، فصوته وألحانه تعزف على أوتار العزة والكرامة، والتضحية والفداء، وتشكل زوامله الحماسية الدعم النفسي والمعنوي للمجاهدين، ولا نبالغ أنها لا تقل أهمية عن إنجازات التصنيع الحربي، فما من جبهة إلا وشارك عيسى الليث فيها بزوامله الصاروخية، أنشد للشهداء بألحان تليق بمقامهم العظيم وتضحياتهم الجسيمة، كما أنشد للجرحى بزوامل لا تقل أهمية وفائدة عن بلسم الجروح، كما أنشد للحشد إلى الجبهات بألحان حماسية تسابق الرياح وتعانق الجبال.
– ختام المقال…للثقافة القرآنية أثرٌ في قوة الزامل اليمني،فقد تجلت في أبهى حلة، كما تجلى الإبداع الشعبي المميز الذي هو صورة تعكس قدرة الشاعر والمنشد اليمني على مواكبة الأحداث والسباق نحو التقدم والتميز والتطور، ناهيك عن توثيق ونقل رسالة الجهاد والدفاع عن الدين والأرض والعرض، بالإضافة إلى معاني العزة والكرامة، والحرية والفداء، والشهادة والحياة، والتولي والسيادة، والصمود والاستبسال، والقضية والوفاء، وفي قالب موسيقي إنشادي وبأداء المبدع عيسى الليث الذي يتناغم صوته بشتى الانفعالات الوجدانية وبألحان تعدت حدود الحصر.