“معركة حجور” في آخر فصولها.. مشروع تأليب القبائل نحو فشل متجدّد
ذمار نيوز.| تقارير | جريدة الأخبار اللبنانية. 15 جماد ثاني 1440هـ الموافق 20 فبراير، 2019م
تتجه القوات الموالية لسلطات صنعاء نحو إنهاء حالة التمرد في منطقة حجور بمحافظة حجة، بعدما استطاعت تقليص نطاق المواجهات واستعادة زمام المبادرة.
وبذلك، يكون «التحالف» قد خسر رهاناً جديداً على مشروع تأليب القبائل على «أنصار الله»، الذي جرى الاشتغال عليه في غير فترة من عمر الحرب، من دون أن يحقق للسعودية أي نتيجة.
في محاولة متكررة لتحقيق اختراق في محافظة حجة غربي اليمن، استغلّ «التحالف» وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، المواجهات التي تجدّدت منتصف الشهر الماضي بين قبيلتَي ذو الدريني وذو النماشية، اللتين تعيشان حرباً ثأرية منذ صيف عام 2012، ليحوّلاها إلى بؤرة صراع مع «أنصار الله» في قلب المحافظة، إلا أن تلك الخطة التي اتضح أنها كانت مرتبة منذ عدة أشهر كُشفت، وهي في طريقها إلى الفشل.
وتجدّدت المواجهات بين القبيلتين المتصارعتين في منطقة العبسية أو حجور في مديرية كشر، التي تقع عند أطراف محافظة حجة وعلى تماس مع مديرية قفلة عذر في محافظة عمران، عقب تمكّن قيادات قبلية بالتعاون مع السلطة المحلية من عقد صلح شامل بين القبيلتين، لكن ذلك الصلح الذي كاد ينهي حرباً أدت إلى مقتل 57 شخصاً، سرعان ما انتكس بتمرّد أحد أطرافه بصورة مفاجئة؛ إذ اعتلى مسلحو قبيلة النماشية الجبال، وقطعوا الطرقات العامة، ونصبوا نقاطاً عسكرية، وشنوا عدة عمليات اختطاف للمارة.
هذه التطورات، التي عمدت وسائل الإعلام الموالية لـ«التحالف» إلى تصديرها، دفعت المجلس السياسي الأعلى إلى تشكيل لجنة لمعالجة الأزمة، إلا أن مساعي اللجنة الرئاسية انهارت مطلع الشهر الجاري، بعدما أعلن أحد المشايخ، ويُدعى أبو مسلم الزعكري، عدم التزام وقف إطلاق النار، وأشهر ولاءه لـ«التحالف»، وطالب الأخير بإسناد جوي، مُعلناً ما سمّاه «مقاومة حجور» ضد «أنصار الله».
وازداد هذا التحول خطورة بمهاجمة مسلّحي حجور الموالين للرياض قرى غير داخلة في نطاق الحرب القبلية، وإقدامهم على إحراق منازل عدد من المنتمين إلى «أنصار الله»، فضلاً عن قطعهم خطوط إمداد الجيش واللجان الشعبية القادمة من محافظتَي صعدة وعمران إلى جبهة حرض الحدودية.
وبإسناد من طيران «التحالف» الذي شنّ عشرات الغارات، وسّعت الجماعات المسلحة بقيادة الزعكري نطاق الهجوم ليشمل القرى المجاورة للعبسية، وصولاً إلى مديرية قارة المجاورة لمديرية كشر في المحافظة نفسها.
ردّ السلطات الأمنية
على إثر ذلك، عقدت اللجنة الأمنية في محافظة حجة، بقيادة المحافظ المحسوب على «أنصار الله» هلال الصوفي، اجتماعاً عاجلاً أواخر الأسبوع الماضي، وأقرّت قيام السلطة المحلية بواجبها في حماية المواطنين، وإنهاء التمرّد، وفرض سيطرة الدولة على أرجاء المحافظة كافة، بعدما تبين وجود دور لـ«التحالف» في تطور الأوضاع في حجور.
وتنفيذاً لتلك التوجيهات، انطلقت حملة أمنية باتجاه مديرية كشر، تمكّنت من فتح طريق الإمدادات العسكرية في سوق العبسية وتأمينها. لكن هذه الخطوة قوبلت بخطوة مضادة من قِبَل مسلحين قبليين في مديرية قفلة عذر، أقدموا الجمعة الماضية على إعادة قطع الطريق من جهتهم، ومنع مرور تعزيزات عسكرية للجيش واللجان إلى جبهة حرض، وهو ما استدعى تعاملاً سريعاً معهم.
نفذ «التحالف» إنزالاً جوياً فجر أمس لإمداد المتمردين بالسلاح والمؤن
كذلك، عملت القوات الأمنية على تحجيم نطاق المواجهات، باستعادة عدد من المناطق والجبال المجاورة للعبسية.
ووفقاً لمصدر محلي تحدث إلى «الأخبار»، فإن «العملية أفضت بعد مواجهات عنيفة إلى تضييق الخناق على المسلحين الموالين للتحالف، من خلال السيطرة على الجبال والقرى المحيطة بمنطقة العبسية، معقل المسلحين».
وأوضح المصدر أن «القوات الأمنية واللجان الشعبية تمكنت من السيطرة على قرى حديدين والقبلة والحوج، وكذلك على عدد من الجبال المحيطة بحجور من ثلاثة اتجاهات». وفي ضوء ذلك، طالب قائد المسلحين المتمردين، «التحالف»، بـ«إغاثة القبائل»، فيما تصاعدت الاتهامات لحكومة هادي بـ«خيانة مقاومة حجور».
وفي الوقت الذي لا تزال فيه المعارك مستعرة في مناطق بني شهر الواقعة في الحدّ الشمالي لحجور، حاول «التحالف» مساندة المسلحين الموالين له جواً أول من أمس، بشنّه غارات متفرقة على مناطق المواجهات، قبل أن ينفذ فجر أمس إنزالاً جوياً استهدف إمدادهم بالسلاح والمؤن، وهو ما حصل بالفعل.
وكان محافظ حجة المُعيَّن من قِبَل هادي، عبد الكريم السنيني، قد طالب «قيادة القوات المشتركة» في جيزان بتكثيف عمليات الدعم اللوجستي والعسكري، وفتح جبهة عبر مديرية مستبا لدعم مسلّحي حجور، إلا أن تلك المطالب يبدو تنفيذها مستحيلاً، خصوصاً أن حجور لا تقع في منطقة تماس مع جيزان، بل تتوسّط جغرافياً محافظات عمران وصعدة وحجة.
المعركة لمّا تنته
مصدر في السلطة المحلية في محافظة حجة يؤكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن مواجهات كشر «شارفت على الانتهاء، ولكنها لا تزال مستمرة، ولا يزال الجيش متمركزاً في جميع التباب والجبال المحيطة بمنطقة العبسية».
ويضيف أن «العملية الأمنية نجحت في تحقيق معظم أهدافها، من وقف تمدد تلك العصابة الإجرامية، وإفشال مخططات العدوان الرامية إلى توسيع نطاق المواجهات، التي حُصِرَت تماماً في أجزاء صغيرة في منطقة العبسية».
ويعزو «تأخر الحسم إلى الحرص على سلامة الأطفال والنساء الذين يحتمي خلفهم عناصر العصابة الإجرامية، وإتاحة المجال لعدد من مشائخ كشر الساعين لفتح الطريق ودفع العناصر الإجرامية إلى تسليم نفسها للدولة».
ويلفت المصدر إلى «قيام قوات الأمن واللجان الشعبية بفتح ممرات آمنة في منطقة العبيسة لخروج الأطفال والنساء»، متابعاً أن «الجهات الأمنية تواصل نداءاتها المتكررة للعناصر الإجرامية لتسليم نفسها». ويختم بأن «مشايخ كشر وأبناءها أصبحوا أكثر إدراكاً ووعياً للمخطط الإجرامي للعدوان، ولذلك توالت مواقفهم الداعمة للدولة، والتي رفعت الغطاء القبلي عن تلك العصابة».
والجدير ذكره أن معركة كشر تزامن اندلاعها مع تقدم القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته في حرض، إلى مفرق عاهم الذي يقع في نطاق مديرية مستبا القريبة من مديرية كشر، إلا أن قوات الجيش واللجان تمكنت من دحر تلك القوات من مفرق عاهم إلى جبل النار وما بعد جبل النار في جيزان على الحدود مع السعودية. ويرى مراقبون أن أحداث حجور، وتجاوب فصيل قبلي معها في عمران، كانت مُخطّطة مسبقاً، إلا أن فشل قوات هادي في الحفاظ على مكاسبها، وتسرّع الموالين للعدوان في حجور، أدّيا إلى انكشاف المخطط وخلاياه النائمة في حجة وعمران.