الراقصون مع داعش في عدن
حمود عبدالله الأهنومي
يأتي اغتيال اللواء جعفر سعد المعيَّن من الفار المجرم هادي محافظاً على عدن ضمن المتوقع والطبيعي، فلا يمكن أن ينتج الحنظل تمرا، ولا أن تزهر وهابية آل سعود حياة سياسية متسامحة، ولا يمكن أن يخْلُص احتلالٌ وميليشياتٌ متناحرة قائمة على الإرهاب التكفيري إلى نتيجة عادلة، إنها المؤامرة الكبرى ضد هذا الوطن وأبنائه ومحافظاته، إنه الاحتلال والغزو حين يطل شؤمه برؤوس مختلفة ويتحرك قبحُه لأجندات عالمية وإقليمية مختلفة، ويتعاظم لؤمه تلبية لرغبات متعددة. نشرت داعش في ولاية عدن فيلما هوليوديا أظهر أسرى من الجيش واللجان الشعبية وهم يقتلون بطرق غاية في البشاعة، أراد الدواعش التعبير بهذه الجريمة عن جرائم أخرى قادمة يدّخرونها لليمنيين، ومنها بالتأكيد اغتيال هذا المحافظ الذي كان في يوم من الأيام رفيقا لمن قاد السيارة المفخخة ضده وهم يقاتلون من كانوا ضمانا لعدن من هذه الفوضى التي يصنعها العدوان بها اليوم، ومن يدري أن السيارة المفخخة تلك قتلت من جاء بها هدية لذلك الداعشي الذي حتما كان ينتمي لعناصر من سموهم (المقاومة)، والذي غدر برفيقه بعد أن كانا في خندق واحد يرضعان سويا من ثدي بقرة الاحتلال والغزو الخليجي والعالمي لقاء ما يقدمانه من خدمات للاحتلال لقتل إخوانهم. لا يمكن لداعش وأختها القاعدة أن تعيشا إلا بدم عبيط، ومفخخات غزيرة، فهم يفخخون كما يتنفسون، وتأتي قنوات العدوان لتكذِّب وتردِّد الكذب حتى يظنوه صدقا؛ لقد قتلوا أمام مرأى العالم العشرات من أسرى الجيش واللجان الشعبية بطرق وحشية لا تصل إليها خواطر الشيطان نفسه، فسكتت زمرة هادي وبحاح، ولما أكل العدوان بعضه سمعناهم يكذبون بكل وقاحة أن هؤلاء هم من بقايا ذلك الجيش واللجان الشعبية؟ وقديما قيل: إذا لم تستح فقل ما شئت، وكن بوقا في إعلام العدوان. ردّدنا مراراً إن الوضع في عدن والجنوب يذهب في اتجاه الإرهاب التكفيري، وكان قد نجح العدوان في استغفال عدد كبير من الناس ليستقطبهم في مواجهة المخلصين لهذا الوطن ولعدن الحبيبة، وهيّأت الأرضية الفكرية والمذهبية التي صنعتها الوهابية السعودية منذ ما بعد حرب94م مجتمعا عدنيا تصدح منابر مساجده بالتكفير صباح مساء، وينعق خطباؤه بما لا يعلمون من الاتهام والتحريض والتكفير، وانحسر التسامح والتنوع من عدن شيئا فشيئا، وزاد الطين بلة العدوان السعودي الأمريكي الذي لعب بورقة الدين والسلفية الوهابية ليجنِّد متحمِّسين في صف المذهبية والمناطقية واستعان بداعش والقاعدة، وسلّحهما وطلب خدماتهما، وأحاطتهما بركات الاحتلال فرادى وجماعات، وإذا بنا نجد عدن المتسامحة والمتنوعة نسخة من قندهار، حيث تكثر مظاهر الوهابية السعودية، بقصر الثياب، وإطلاق اللحى، واستهداف الآخر وهو كل من لم يكن وهابيا وتكفيره وتضليله، فغُزِيَت زوايا الصوفية، وطورد (حبايبها)، وهدمت مساجد الإثني عشرية، واشتعلت تصفية الحسابات بالقتل، وسحل بائعو البسطات لأنهم شماليون، وبدأت عجلة الاغتيالات تجري على قدم وساق، وفي غمرة ذلك أعيد (الدنبوع) ليكون المظلة لممارسة هذه الأعمال التي في بعضها تعبر عن الصراع القائم بين الفصائل المحلية أولا، وبعض قوى العدوان ممثلة في الإمارات والسعودية ثانيا، وتلبي رغبات دفينة لاستهداف عدن والذي من شأنه أن يدمر فرصها الواعدة في التطور والنماء. تكاد تكون عدن اليوم جزءا من قندهار، وتضخ مراكزها العلمية الوهابية التي أنشأتها سلفية السعودية وموّلتها كوادرَ متشددة، وقابلة للانفجار في أي لحظة وفي أي مكان، وتتنافس القاعدة وداعش على الاستثمار والاستقطاب فيها، ويبدو أن منسِّقا إقليميا قسم الكعكة بينهما فأعطى داعش عدن ولحج وشيئا من حضرموت، وأسلم أمْرَ المكلا وأبين وشبوة والبيضاء إلى القاعدة، لكن هل يعقِل المتفرِّجون هناك أن هذه التيارات الوهابية لا يمكنها العيش بسلام، فإذا لم تجد من تقتله، قتلت نفسها على حد عبارة الصحافي اللامع محمد عايش. يوما بعد آخر تكبر المؤامرة ضد عدن والجنوب خصوصا واليمن عموما، ولا أستبعد وجود قرار عالمي بتصفية سلطة داعش في شرق سوريا لجلبها إلى الجنوب، والتي من المؤكد أنها لن تكون بردا وسلاما على إخوتنا المنخدعين بهم هناك، فهم لا يعرفون سوى القتل والتفخيخ والتفجير والاغتيال والتدمير لكل من اختلف معهم أو خالف نظرتهم الوهابية المتشددة، وإذا خلي لهم الجو وأذعن لهم الجميع فإن تشددهم والطبيعة التدميرية لمشروعهم الفكري والسياسي وعلاقاتهم المشبوهة بالعدوان والاستكبار العالمي أسباب كفيلة بإشعال نار الفُرقة والاختلاف في ما بينهم، وأن تصطدم سيارتان مفخختان فهذا يعني تصفية كل من قذف به حظه إلى تلك الطريق الشائكة. للمرة العاشرة نكرّر أن عدن تحت العدوان والاحتلال والمشاريع التدميرية تذهب في الاتجاه المفضي إلى الدماء العبيطة، والأشلاء المتناثرة، والسيارات المفخخة، حيث تصنع عقائد ابن تيمية وابن عبد الوهاب الإرهاب والتكفير والخراب واليباب، وحيث لن تفيد دول العدوان من دعمها لهذا التوجه على المدى الطويل، فـ(على نفسها جنت براقش)، و(آخرة المحنِّش للحنش)، والراقصون مع داعش لا بد أن يُلْدَغوا مرّات ومرات، وإن يكن هناك حسنة فهو أن العدوان ستتمرغ آنافه المقرفة في وحل هذه الوحوش التي رباها في حدائقه الغناء، وحينئذ يود شيوخ الإمارات أنهم ظلوا يغوصون لاصطياد اللؤلؤ من مياه الخليج، ولم يذهبوا إلى اليمن، وقد ذاقوا شيئا من أليم العقاب، وعاقبة البطر والكبر والارتياب. فهل سنعي النعمة التي وفرها لنا الأبطال من أبنائنا الذين يسطرون ملاحم العزة والفخر والمجد والبطولة ضد عدوان يعتبر الأكثر همجية ووحشية وقذارة وخسة على مر التاريخ؟!