الخبر وما وراء الخبر

ابو عبدالله …ذلك المجاهد العظيم

147

بقلم / يحيى حسن الديلمي .

واحداً من أولئك الرجال العظماء الذين أنجبتهم محافظة ذمار الأبية، الذين سجلوا أعظم الدروس والسير البطولية، في مسيرتهم الجهادية، وخطوها بدمائهم على جبين التاريخ، لتكون شاهدةً على أمجاد ماضيهم وتدرسها الأجيال جيلاً بعد جيل ، أنه الشهيد خالد عبدالله حسن مجلي المكنى (أبوعبدالله) أحد أولئك المجاهدين العظماء الذين كانوا مثالاً في الإيمان والشجاعة وجاهدوا بصدق وإخلاص وضحوا بدمائهم الزكية في سبيل الله .

ماذا عساني قائلاً في حقه ياترى ؟ فمهما كتبت عنه سأظل عاجزاً أمام سيرته العظيمة التي تفوح عزة وشموخا وإباء وفي تفاصيلها صدق وإخلاص وثبات، كيف لا .. وهو ذلك الشاب المؤمن التقي، والليث الكاسر بطل الحرب وفارسها، من تعلق بالجهاد منذ الصغر، وعاش شبابه مجاهداً في سبيل الله بعيداً عن الأهواء والملذات، فترك حياة مملؤة بالمغريات والماديات، متجهاً نحو حياة إيمانية، محفوفة بالمكاره والمشقات، يرى فيها السلامة من عذاب الله كحياة الأنبياء وأئمة آل بيت رسول الله عليهم السلام، الذين جاهدوا ولاقوا في سبيل الله أشد العناء، فصبروا وصابروا حتى استشهدوا من أجل دين الله, فقد خرج بالحق ينشد العزة والكرامة للامة، والانتصار لمظلوميتها.

ولد الشهيد سنة ٢٠٠٠م ونشأ وترعرع في كنف والديه ، في أسرة محافظة عرفت بالتواضع والزهد ، في مدينة ذمار، حيث نشأ على الإيمان وتربى على الأخلاق الفاضلة وتعلم تعاليم الدين ومعارفه ، وتلقى تعليمه الأساسي والإعدادي في مدرسة النور ، وقد اتسمت طفولته بالنشاط والحيوية ، فكان يعشق المغامرات والألعاب الرياضية من جري وكرة قدم وكل ما فيه منافسة وتحدي، وكان من بين أقرانه المتميز بسلوكه وصفاته وشخصيته القوية ، وفي أسرته كان جذاباً في سلوكه وتعامله معهم ، حيث كان باراً يحسن إلى والديه ، يوقر الكبير ويعطف على الصغير ، متصلاً اتصالاً قويا مع أقربائه ، ويحظى بدرجة كبيرة من الحب والاحترام بين أسرته .

كان سلام الله عليه ذو أخلاق عالية ، وطباع كريمة ، يتصف بالشجاعة والإقدام ، فكان مضرباً للمثال في شجاعته ورجولته وسمو أخلاقة ، يحمل روحية إيمانية ، دائم الارتباط بالله ، ويحب فعل الخير ، سموح ومتواضع لا يحب الظهور والتلميع ، بسيط لا تجد في حياته أي تكّلف ، يسعى لإصلاح ذات البين ، ويحسن إلى الآخرين ، يتعامل بصدق، ويعمل بإخلاص ، ويعطي بسخاء وكرم ، ولعل هذا الصفات والخصال العظيمة التي كان يتحلى بها قد أكسبته الحب الشديد والشأن العظيم لدى الآخرين وبين رفاقه الذين التمسوا عطائه ، فكل من عرف (أبا عبدالله) أحبه وتعلق به ، وأصابه الحزن والألم الشديد لفراقه .

كان يتمتع بشخصية قيادية، جعلته حاضر البديهة، سريع الفهم، له قدرة على الإقناع، يتخذ القرارات الصائبة، ويحل المشاكل بسهولة، ويؤثر في الآخرين، فقد عرفته هادئ الحركة ، قليل الكلام ، يتحدث إليك بتواضع ووقار، إن سألته يجيبك باختصار، حريصاً جداً على الأسرار، إن ناقشته لا تستطيع أن تحصل منه على أي معلومات إن كانت سرية أو حساسة حتى ولو كنت من أقرب الناس إليه، الكثير يعشق مجالسته والحديث معه، لما يخلقه من أجواء تحقق المتعة والانسجام تتخللها بعضاً من النوادر والطرائف.

ياله من مجاهداً عظيم أبهر الجميع من حوله بشجاعته وصدقه وإخلاصه وتفانيه في الجهاد، حيث كان يتحرك، بوعي وبصيرة، وحنكة عسكرية، وكله صبر وثبات وعزم وإصرار، فيجوب الجبال والوديان والشعاب، لا يكل ولا يمل ، يأنس بالعيش في المتارس والمواقع ، متغلباً على ظروف الطبيعة الصعبة ، والحياة القاسية ، ولديه قدرة كبيرة على التحمل والصبر ، لا يبالي بالتعب والمشقات ، ولا يضعف عند الشدائد ، يعي جيداً معنى التولي لله والتسليم للقيادة تجده مجسداً ذلك ، قولاً وعملاً وسلوك ، أكثر ما يسيئه ويؤلمه هو حدوث الإشكاليات، والتفريط والتنصل عن المسؤولية ، في المهام الجهادية ، فيعمل على معالجة الإشكاليات وسد الثغرات مدركاً بخطورة التفريط .

قضى أيامه مرابطاً في الجبهة بعيداً عن أسرته حتى في مناسبة الاعياد فقد كان يرابط لأكثر من أربعة أشهر وبعدها يأتي لزيارة قصيرة لاتتجاوز الاسبوع ويعود من جديد ، وعندما يأتي من الجيهة يجلس معا والديه ويزور ارحامه ، حيث كان يحرص على زيارة الارحام ، فيناله الدعاء ، ثم يزور روضة الشهداء ، ولأنه لم يكن يأتي لمجرد الزيارة وحسب ، بل كان يأتي في مهام وأعمال أخرى فقد كنت اراه منشغالاً معظم وقته ، لايهدى هاتفه من الاتصالات ، فلم يكن يتوفر لديه القدر الكافي من الوقت في الجلوس معا أسرته ، بل كان يترك البيت طوال يومه ، ولا يعود الا وقت النوم ، وفي بعض الأحيان ينام خارج البيت ، كما كان يقوم بجمع القوافل الغذائية والملابس ، وفي إحدى المرات قام بشراء عدد من المصاحف والمسابح بمجهوده الذاتي ، حيث كان مهتماً بالجانب الايماني لدى المجاهدين ويحرص على توفير احتياجاتهم ، فيبعثها معه لرفاقه المجاهدين الى الجبهة .

كانت زيارته الأخيرة مفاجئة في غير وقتها، لأنها كانت بعد غياب قصير، حيث كانت كل زياراته تأتي بعد غياب لأكثر من أربعة أشهر بعكس الزيارة الأخيرة والتي جاءت ولم يمر على غيابه شهر، فشعرت بانه اللقاء الأخير، وأنهُ قد جاء مودعاً تمهيداً للرحيل من الدنيا إلى جنات الخلود.

لقد كان متعلقاً بالجهاد منذ صغره، وما أن كبر وصار شاباً حتى انطلق إلى ميادين الجهاد، فأنطلق بعزيمة وإصرار، واندفاع شديد، يملؤه شغف الجهاد، رغم المحاولات الكثيرة التي تقنعه بالقعود، إلا أنه صمم وعزم للجهاد، ولم يستطيع أحد أن يقنعه بالقعود، فشد وثاقه للرحيل وودع أهله وتوكل على الله بكل قناعه واعتقاد، يملئ قلبه الثقة بالله، فالتحق بدورة عسكرية تلقى من خلالها التدريبات والدروس والخبرات في المجال العسكري، ومن ثم انطلق إلى جبهات القتال وكله حماس ولهفة واشتياق لخوض المعركة.

بدأ مشواره الجهادي بالمشاركة في النقاط والدوريات الأمنية في المدينة، ثم التحق بدورات ثقافية وعسكرية تحرك بعدها الى الجبهات القتالية، فرابط في العديد من الجبهات القتالية، ابتداءً من شبوة ومارب والبيضاء، وكان يعمل في عدة مجالات، حيث كان يقوم بإيصال المدد إلى المواقع، وإنشاء التحصينات العسكرية، واستقبال الأفراد الجدد والاهتمام بهم، ويقوم بعملية الرصد، ومؤخراً عمل مشرفاً عسكرياً في أحد المربعات، وهناك العديد من الأعمال والمهام التي كان يقوم بها.وهو كما عُرف في الحرب بطل مغوار، مقدام لإيهاب الموت، سجل أروع الأمثلة والروايات وخالدها، في عالم البطولات والمعجزات، ففي جبهة مكيراس، مسرح بطولاته، ومعراج شهادته، حيث تشهد له جبالها وتبابها انه قد نكل بالعدو أشد التنكيل ،وأذاقه الضربات تلو الضربات، فتارة يباغته مقتحماً، وتارة يأتيه متسللاً، وتارة أخرى مهاجما، حتى أذاقهم الويل وأراهم منه ما يكرهون، وما أشجعه عندما كان يخوض غمار الموت مستبسلاً، فيخترق مواقع العدو ويقوم بعملية الرصد لتحركاته، وذلك يعكس مدى شجاعته وإقدامه.

وعن بطولاته في جبهة (ذي ناعم) حيث صدر بإيمانه وشجاعته ملاحم أسطورية وبطولات مروعة، لا يستطيع أن يستوعبها العقل، وذلك عندما هاجم أحد مواقع التكفيريين، مع مجموعة من رفاقه بإمكانيات بسيطة، تمكنوا من خلالها من قتل وجرح عدد منهم وإلحاق الخسائر بهم، وهناك العديد والعديد من المواقف والبطولات المشرفة، التي صدرها الشهيد والتي نعجز عن ذكرها، تحكي عن عظمته وصدقه وإخلاصه وقوة إيمانه بالله، فقد ظل يجاهد إلى أن منحه الله وسام الشهادة في سبيله إكراماً له وإعظاماً لجهوده وبذله وعطاءه.

أستشهد سلام الله عليه يوم الأربعاء بتاريخ ٢٤-١٠-٢٠١٨م، إثر تعرضه لكمين غادر من قبل العناصر التكفيرية في جبهة مكيراس، وهو يستقل دراجة نارية، حيث قاموا بإطلاق النار عليه من الخلف والغدر به، فأصيب بعدة طلقات في مناطق متفرقة في جسمه، على ظهره وقدمه ورأسه الطاهر، فارتقى على إثرها شهيداً وصعدت روحة الطاهرة إلى بارئها، وغدت نوراً ملائكياً يحلق في السماء، مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.