بلاد الحرمين.. إلى أين؟!
بقلم | محمد أمين الحميري
فقهاءُ وعلماءُ السلطة عملوا على تدجين الأُمَّـة طيلة عقود زمنية طويلة، وكم كنا نشاهدُ حينما يحصلُ استنفارٌ منهم؛ للتعبير عن مواقفهم في مختلف القضايا الجزئية أَو حتى الكبيرة تعبيراً ينسجمُ مع أيديولوجياتهم الفكرية، سواء عندنا في اليمن تحت مسمّى هيئة علماء اليمن أَو ما يُعرَفُ برابطة علماء المسلمين العالمية المعروف أبعاد تأسيسها وأهدافها، علاوةً على ما يسمّى بهيئة كبار العلماء في السعوديّة والخالصة لنظام آل سعود، وما تقومُ به من شرعنة لسياساته، (كُلُّ زمنٍ بما يناسبُه).
لنا أن نتأمَّلَ في حال هذه الهيئات، وخَاصَّـةً منذُ بداية دخول المنطقة العربية في أحداثٍ مصيرية حسّاسة، شرعنوا للجماعات التكفيرية الإرهابية في سوريا وعملوا على دعمها، في اليمن وقفوا في صفّ العدوان وإما صامتون ومثبطون، في أرض الحرمين اليوم هناك توجُّهٌ سيءٌ من النظام لتمييع الحياة والمحسوبين على هذه الهيئات في سُبات عميق ولا تسمع لهم حتى همساً، إن لم يكن كثيرٌ منهم في مقدمة المباركين لتوجه النظام؛ باعتبار ما يقومُ به حسب الفلسفة الخاطئة ولي أمر وهو الأعرف بمصلحة المجتمع، حتى لو أحل الحرام وحرم الحلال أمر طبيعي، لا بُدَّ من السمع والطاعة وعدم الخروج عليه.
ومن المصادفات العجيبة أن ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان يصدر مؤخّراً قراراً بتعيين تركي آل الشيخ وزيراً للترفيه (الاسم المدلل للانحلال والعربدة)، وهذا تركي هو حفيد محمد بن عبدالوهّاب الجد، الذي تحالَفَ مع جدِّ بن سلمان عند نشأة الدولة السعوديّة وحصل بينهما اتّفاقٌ حينها، فالحكمُ من نصيب آل سعود والشؤونُ الدينية من مهام بن عبدالوهّاب، اليوم الحفيدان يقومان بتحوّلات تجديدية على طريقتهم في هذا الاتّجاه، اتّجاه الفسق والمجون وإفساد حياة المجتمع بإنشاء منتديات الرقص وسينما الدعارة وجواز شرب الخمور فيها، تحت يافطة الحريات العامة والاستفادة من هذه الأعمال كموارد مهمة في دعم اقتصاد البلاد، وعلى هذا الأساس تكونُ الوهّابيةُ قد ارتأت التحولَ من مسار التطرف والغلو والتشدّد إلى مسار السقوط الأخلاقي، فلا توازن في قاموسها، وبلا شك فكما كان للمسار التطرفي آثارُه السيئة سيكون لهذا المسار آثارُه الكارثية..
الذي يهمنا أين أولئك الذين سمعنها صراخَهم وعويلَهم عند الحديث عن مقدسات الأُمَّـة وضرورة تجنيبها ما يسيء إليها والعمل على التصدي لما يهدّدها، اليوم مكة والمدينة ناقوس الخطر يدقُّ أبوابَها على يد الشابِّ المقامر العابث بن سلمان ومن ورائه الإدارة الأمريكية والموساد الإسرائيلي يشتغلون، وكما استطاعوا أن يخترقوا الأُمَّـةَ طيلةَ عقود بواسطة هذه الأسرة الفاسدة بعناوينَ دينية غير خافية على أحد، ها هم اليوم يستمرون في ذلك تحت عناوين الحرية والترفيه، وما نشاهده اليوم من استقدام للمطربين والفنانين العالميين لإحياء السمرات الغنائية وفتح الباب بمصراعيه أمام شركات الدعارة والعمل على تقديم الرذيلة كقِيَمٍ حضارية هو خيرُ دليل على وجود توجُّه لتطبيع الحياة على هذا النحو ولو كانت ممارسةُ ذلك في مكّة وإقامة سهرات ليلية على بُعد أمتار من الكعبة فهو شيءٌ طبيعي!!
هيا: نريدُ من هؤلاء الذين يقولون عن أنفسهم علماءَ كلمة ولو على الطريق ولو من قبيل النصيحة، طيّب علماء الوهّابية حسب قولكم معذورون، وكُلُّ مَن يكشف حقيقتهم ويبين ما هم عليه من انحراف للأُمَّـة هو مخطئ ومتطاولٌ ولحوم العلماء مسمومة، بزعمكم، طيب ما موقفُكم أنتم في اليمن، أنتم في قطر، أنتم في العراق في سوريا في العالم كله، لماذا هذا التواطؤ؟، ألم تقيموا الدنيا ولم تقعدوها في جانبِ تحريم الغناء والذهاب للاختلاف في حكم مَن يسمعه، هل كافر أم فاسق أم عاصٍ؟، اليوم هناك ما هو أكبر وأشنع، كم سمعنا من خطب ومحاضرات ربما أجهش البعض فيها بالبكاء وهو يستعرض مخاطر آلات اللهو وأن هناك استهدافاً لشباب الأُمَّـة ومجتمعنا الإسْلَامي، ما الذي يحدُثُ في أرض الحرمين؟، كونوا صريحين مع أتباعكم، مع الأُمَّـة، مع أنفسكم أوّلاً وأنكم قد خنتموها.
ألستم تقولون: أرض الحرمين قبلةُ المسلمين وأيُّ استهداف لها هو استهدافٌ للأُمَّـة، ها هي اليوم تُستهدف كما استهدفت طيلة عقود ماضية تحت شعارات ومن خلال أساليبَ مختلفة، فأين أنتم وما موقفكم، أين “وكلمة حَـقّ عند سلطان جائر” واعتبار من يقتل في هذا السبيل شهيداً.
تريدون الحقيقة: لقد أسهمتم إسهاماً كَبيراً في تزييف وعي الأُمَّـة وكنتم شركاءَ لنظام آل سعود والفكر الوهّابي التدميري في إبعاد الأُمَّـة عن إسْلَامها الصافي النقي، إسْلَام العبودية لله وحدَه لا شريك له والتحرّر من الطاغوت وقول كلمة الحق في الوقت والزمن الذي ينبغي، إسْلَام تزكية النفوس وارتباطها الإيْمَــاني الواعي بالله والالتزام بكل القيم الأخلاقية والمُثُل السامية.
عملتم وللأسف على إبعاد الأُمَّـة عن الله وعن الرجوع لكتابه الكريم كمَصْـدَر أساس في التوعية والتبصير ومعرفة الإنسان غايتَه الحقيقية وما له وما عليه على ضوئه وعلى ضوء الاقتداء الصحيح بنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في مختلف شؤون حياته.
قدمتم الإسْلَامَ بصورة مجتزأة، فهو عبارةٌ عن طقوس من قام بها فقد قام بواجبه وزيادة، إسْلَامٌ لا يحُثُّ المسلمَ على القيام بمسؤوليته ولا يدفعُه لليقظة والنهوض، إسْلَامٌ لا يحرّكُ ضميرَه، لا يبعثُ فيه روحَ العزة والغيرة والسعي لإصلاح حياته على أساس هذا الدين الهادي إلى سواء السبيل، إسْلَام لا يحرّكه نحو إقامة العدل ومقاومة الظلم والتصدي للظالمين الذين يغيّرون ويبدّلون كيفما يشاءون.
هذا ليس تجنياً على أحد، هذا واقعٌ مأساوي نعيشُه اليوم، واقعٌ لم نرَ لكم فيه أيَّ دور أو تأثير إيجابي، بالتأكيد الاهتمامُ بكل ما يزكّي نفس المسلم أمرٌ مهم ولا مانع من صرفه عن آلات اللهو، ولا بد من دفعه للحفاظ على الصلاة والصيام وَ… ونوافل العبادات، لكن فريضةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةٌ بمفهومها الشمولي لا تزال غائبةً، هناك تتصُّلٌ عن المسؤولية، وحتى الآن لا تريدون مصارحةَ الأُمَّـة أن ارتباطَكم المالي والفكري بنظام آل سعود هو الذي يجعلُكم تقفون هذه المواقف السلبية.
نعم سيُزعِجُهم أيُّ توجّه يهدفُ لمنصاحتهم ويبينُ ما هم عليه من اعوجاج وستهدّد على إثره مصالحكم، ونعم في الوقت ذاته لا ننكرُ أن هناك جهلاً في أوساطكم وغيابَ وعي؛ بسبَـبِ عليّة القوم فيكم وأسباب أُخْــرَى، وهؤلاء يحتاجون إلى قرب وتوضيح أكثرَ، مع احترامنا وإجلالنا للعلماء الصادقين الربّانيين في الأُمَّـة، وأملُنا منهم أن ترتفعَ أصواتُهم أكثرَ، أن يتواجدوا إلى جانب شعوب أمتهم، وأن يكونوا في الصدارة، في توعيتها، في الإسهام إلى جانب كُلّ الجهود الخيّرة الحريصة على إحداث التغيير وتحقيق التنمية المستدامة لها، بَعيداً عن التبعية لقوى الظلم والاستكبار ووفق منهجية قويمة وتحت قيادة رشيدة وحرية واستقلال وخطط مدروسة هادفة.
لا أنسى أن أذكّرَ أنفسَنا جَميعاً بقول الله (وَقِفُوهُمْ، إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) فمهمٌّ أن نتعلَّمَ بوعي ونعملَ بفاعلية وصدق، فلا أحد معذور في الدنيا والآخرة وخَاصَّـةً عندما تتكشّفُ الحقائقُ وتصبحُ واضحةً كالشمس في رابعة النهار، أَو إيثاره مصالحَه الشخصيةَ على حساب دينه وعقيدته وضميره، هو غيرُ معذور أَيْضاً، وما سيترتبُ على سلوكه هذا من مخاطرَ سيكونُ أشدَّ، نسألُه السلامةَ.