منهجيةُ القرآن وخبراء السياسة
د. عبدالملك عيسى
يحتارُ الأكاديميون وخبراءُ الاستراتيجيا والتكتيك وكذلك السياسيّون والصحفيون في مقارَبة الفكر السياسيّ والتفاوضي الذي يعتمدُه قائدُ الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ففي كُلِّ محطة من محطات مواجهة الحرب العدوانية كانت الخطواتُ التي يقرّرُها السيدُ عبدالملك تواجَهُ بالاستغراب والحيرة وأحياناً التشكيك، وهذا ناتجٌ عن عدة أمور نوجزها في الآتي:
١ – عدمُ فهم نمط التفكير الذي ينطلقُ منه السيدُ القائدُ، فالحساباتُ التي ينطلقُ منها خبراءُ السياسَة منطلقاتٌ معرفية تعودُ إلى المدارس النظرية الغربية، وهي مدارسُ فكريةٌ تقليدية بشرية قاصرة، بينما النمطُ التفكيري للسيد القائد فهو منطلقٌ من منهجية قرآنية ومعادلات إلهية كاملة يؤمنُ بها إيْمَاناً مطلقاً، ويعتقد بأنها سبيلٌ وحيدٌ للنصر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
ففي كُلّ مفصَلٍ من مفاصل المعركة ومنعطفاتها تحكُمُه حركةُ القُـرْآن وأوامرُ القُـرْآن وتوجيهاتُه، ومنها أخيراً اتّفاقية ستوكهولم منطلقاً من قول الله: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وهي معادلةٌ إلهية لا تقبل التشكيكَ، فما عليك كمؤمن إلا الثقةُ بالله العليم الحكيم، وهنا تكمُنُ عظمةُ السيد القائد الذي يثقُ بالله وبمعادلاته الكونية الحاكمة لمصير العباد، بينما أغلبُنا يثقُ في علمه وفهمه وحدود إدراكه.
٢ – نقصُ المعطيات، فأغلبُ هؤلاء الذين يقيسون الأمورَ بأنها فاشلة أَو ناجحة يأتي قياسهم مستنداً إلى حدود معرفتهم ومعلوماتهم ومعطياتهم المحدودة فيقعون في سوء التقدير المعرفي الناتج عن استكمال الذات والثقة الزائدة في النفس بما يصل إلى درجة الغرور وقياس الأمور، بحسب وجهة نظرهم القاصرة، دون أن يعرفوا قصورَ أنفسهم، فيقعون في مغالطات لا يفقهون سببَها.
٣ – غيابُ الثقة بالقيادة، مما يؤدّي الوقوع في إرباك الباطل وتشويهاته، وتتسلل بالتالي إلى النفس تأثيرات الحرب النفسية المدمّرة (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِـمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)، وهنا مكمَنُ الخطورة في عدم الالتزام بالتسلسل الإداري والقيادي والانجرار في نشر الشائعات، وتصبح أقلامُنا جزءاً من أقلام العدوان دون أن نعرفَ خطورةَ ما نُقدِمُ إليه.
يُثبِتُ السيدُ القائدُ صوابيةَ قرارته منذ الحرب الثانية وحتى اليوم، وتتبين الحكمة من ورائها بعد فترة من الزمن، وتنجلي حيرةُ المحتارين وإرباك المربكين؛ لذا يجبُ على مَن يتعاطى هذه الشئون بقلمه أن يتأنّى قليلاً في مقاربتها ويتعاطى معها بحرص شديد وتفكير عميق، فالخفّةُ في التعاطي تُربِكُ وتؤذي، ولا تعطي أيةَ نتيجة مفيدة.