الخبر وما وراء الخبر

تنظيم الدولة “داعش” مشروع إستثماري بأرباح خيالية

108

م. احمد سماره الزعبي

تبدو عمليات التدمير التي ينتهجها تنظيم الدولة “داعش” والجماعات المسلحة الأخرى ، للمنشاّت والمرافق  والأملاك الخاصة والعامة ، وذلك التدمير الذي يرافق العمليات العسكرية للجيوش وقوات التحالف ” صورة ثانوية ” مقارنة بما يقدمه الإعلام عن سير العمليات العسكرية ، وعن اّخر ما تم التعاطي فيه من مبادرات سياسية ومؤتمرات للحل السياسي ، او لدعم أحد الأطراف المشاركة في هذا الجنون الإنساني المسمى ” الحرب على الإرهاب ” .

تبدأ حركة رؤوس الأموال على شكل أعتدة حربية تتدفق على ميادين القتال من مختلف المصادر ، التي تؤدي الى إفراغ مستودعات الدول المصنعة للأسلحة ، وبداية دوران عمليات إنتاج جديدة في المجمعات الصناعية العسكرية ، وتسارع في حركة النقل البري والبحري والجوي ، ونشاط في الصفقات والعمولات الشرعية وغير الشرعية ، وتفشي ظاهرة غسيل الأموال الناتجة عن الصفقات السرية والمشبوهة ، وتبخّر المليارات من الأموال من صناديق الدول الممولة لهذا الطرف او ذاك ، وما يتبعها من زيادة في إنتاج المواد الخام من نفط وغاز في الدول الممولة ، لتغطية صفقات وعمولات الأسلحة ، وأثر ذلك كله على الأسعار العالمية لهذه المواد وتأثيراتها على الاقتصاديات الدولية .

ينشط ويتكاثر في ظل الحرب على الإرهاب ” تجار الحروب ” الذين يزودون الأطراف المتقاتلة بالمواد والاحتياجات الغذائية والدوائية والخدمية ، فالمنطقة التي تقع تحت سيطرة ” داعش ” تحتاج الى تأمين الإحتياجات الأساسية لاستمرار الحياة اليومية ، وتزويد المقاتلين بالأسلحة والألبسة والغذاء والدواء ، وكل هذا يأتي من دول الجوار ، وخاصة تركيا التي تستحوذ على النصيب الأكبر من التجارة البينية مع″ داعش ” ، وأيضا سماسرة النفط الذين يسوقون للمنتجات النفطية من مناطق سيطرة ” داعش ” ، والتي تعود بالملايين من الدولارات على خزينة التنظيم ، وأيضا على خزينة الدول والجماعات التي تشترك معه في التجارة البينية .

تأتي لاحقا للحرب على الإرهاب ” وأحيانا متزامنة معها ” عملية إعادة البناء للمناطق المدمرة ، وهنا يأتي دور الشركات الدولية العابرة للقارات ، في إنشاء البنية التحتية للمناطق المدمرة كالطرق والجسور وشبكة الاتصالات والمطارات ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وجر المياه ، وتشييد الأبنية والمرافق الخاصة والعامة للدولة ، وغالبا ما يتقرر مقدار مشاركة اي دولة في عملية إعادة البناء ، بمدى مساهمتها في الحرب الدائرة ، وتموضعها السياسي والعسكري الى جانب هذا الطرف او ذاك ، ولا يغيب عن الحرب على الإرهاب دور المجمعات الصناعية العسكرية والشركات العابرة للقارات في توجيه السياسات الكبرى في كل مكان ، ودور مراكز الدراسات والأبحاث التابعة لها ، في اختراع وتسعير بؤر النزاع في أرجاء العالم ، والتحكم بمسارات المفاوضات لإطالة أمد الحروب ، وتلعب الجماعات الإرهابية في هذا المجال دور المنشطات شديدة التاثير في تحقيق خطط وأهداف المجمعات الصناعية والشركات العابرة للقارات وما يتبعها من مراكز دراسات وأبحاث .

الضربات العسكرية الروسية لأسطول نقل النفط من مناطق سيطرة ( داعش ) الى تركيا يهدف الى حرمان التنظيم من عائدات النفط ، لكنه في الوقت نفسه ألحق أضرارا فادحة بالجهات التي تشتري هذا النفط ، والتي ستسعى بكافة السبل الى حماية خطوط النقل لضمان تدفقه وتدفق إيراداته أيضا ، كما أن انفجار الطائرة الروسية في شرم الشيخ أدى الى حرمان مصر من عائدات السياحة المالية ، في حين استفادت تركيا من تدفق السياح الروس والغربيين بديلا عن مصر ، قبل أن يحرمها إسقاط الطائرة الروسية من هذه الفائدة .

لا حربا على الإرهاب بدون جهة ممولة ، ولا إمكانية لاستمرار ( داعش ) بدون تمويل ، والمفارقة المحزنة أن العرب هم من يمّول الإرهاب ، وهم أنفسهم من يمّول مكافحته ، ” فالملايين التي تدفعها الأمة في هذا المجال كفيلة بإحداث تنمية عربية شاملة في مختلف الأقطار ” ، لكن الشعوب العربية وهي تنظر الى قياداتها التي تحرمها من الحد الأدنى للعيش بكرامة وإنسانية ، تدفع ثمن هذا … الألوف من القتلى والجرحى والمعاقين ، والدمار الهائل لمقدراتها وموجوداتها واحتياطاتها الاستراتيجية ، وترى قادتها وهم أداة طيعة بيد أعدائها الذين يتصارعون على بلادنا لتحقيق مصالحهم الاستراتيجية وحماية الكيان الصهيوني الغاصب … تنظيم الدولة ” داعش ” … استثمار كارثي على الأمة ، لكنه مشروع استثماري مربح لأعدائها .

كاتب اردني