الديمقراطية الأمريكية بين فنزويلا والسعودية
بقلم / إبراهيم السراجي
استيقظ رجلٌ في فنزويلا وأعلن نفسَه رئيساً للدولة ولم يتأخر الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب سوى دقائقَ معدودةٍ قبل أن يعلنَ اعترافَ بلاده بهذا الرئيس المزعوم وينزعَ الشرعيةَ عن الرئيس الفعلي للبلاد نيكولاس مادورو الذي فاز بانتخابات نزيهة بشهادة العالَم وحصل على 68 % من أصوات شعبه، وبغطرسة معهودةٍ برّرت الإدَارَةُ الأمريكية اعترافَها بالانقلاب الذي خطّطت له بأنه في إطار دعم الديمقراطية في فنزويلا.
بالمقابل تقودُ الولاياتُ المتحدة وأنْظمة العمالة في الخليج حرباً مدمّـرة وإجرامية منذ أربعة أعوام على الشعب اليمني ومقدراته؛ بحُجّة إعادة رئيس انتهت ولايتُه وقدم استقالتَه وكان قد تبوّأ المنصبَ بانتخابات كان مرشحَها الوحيد، في مشهد انتخابي هزلي لم يشهد له العالم مثيلاً.
في الموضوع الفنزويلي وفي تعاظم للغطرسة والحماقة معاً من قبل الأمريكيين، أعلنت الإدَارَةُ الأمريكية دعمَها لما وصفته “الشرعية الجديدة” عبر فرض عقوبات اقتصادية على فنزويلا، هكذا بكل بجاحة، ليتضرّر الملايينُ من أبناء تلك البلاد الذين يعانون من وطأة العقوبات الأمريكية منذ أكثرَ من عشرة أعوام.
في الوقت ذاته، يؤكّـد وزيرُ الخزانة الأمريكية عدمَ استعداد بلاده تقبُّلَ أيةَ خسائرَ مادية نظيرَ “دعمها للديمقراطية” بتأكيده أن من وصفهم بالحلفاء في الشرق الأوسط -أي السعوديين والخليجيين- سيعوّضون أيَّ نقص في سوق النفط قد ينتجُ عن العقوبات الأمريكية على فنزويلا المصدّرة للنفط، كيف لا وقد وافق النظامُ السعودي على رفع إنتاجه؛ استجابةً لأوامر ترامب رغم أن ذلك يتسبّبُ بخسائرَ مباشرة وهائلة على ميزانية السعودية.
لكن ما الذي يجعل الولايات المتحدة تدعمُ انقلاباً بهذا الصورة الفجّة في فنزويلا وتقاتل لأربعة أعوام دعماً لشرعية مزعومة في اليمن؟ الإجابة بكل بساطة هي أن الشرعيةَ بالنسبة للإدَارَة الأمريكية هي المصالحُ الأمريكية ومصالحُ الكيان الصهيوني، فالنظامُ القائمُ في فنزويلا مناهِضٌ للهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني لفلسطين، علاوةً على كونه يحكُمُ بلداً يملكُ أكبرَ احتياطي نفط في العالم.
هذه الحقيقةُ باتت الولايات المتحدة تؤكّـد عليها علناً، ففي ذروة الإدانات التي وجّهت للنظام السعوديّ وخصوصاً ولي العهد محمد بن سلمان على خلفية قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول وتقطيع جثته ووسط غضب الرأي العام الدولي، أصرَّ الرئيسُ الأمريكي ترامب على الدفاع عن ابن سلمان قائلاً في إحدى تبريراته أن دفاعَه عن وليّ العهد السعوديّ يعودُ للخدمات الكبيرة التي قال إن السعودية تقدِّمُها لأمريكا وإسرائيل.
أخيراً وبين تأييد الولايات المتحدة للانقلاب الفاشل في فنزويلا على رئيس منتخَب بديمقراطية وانتخابات نزيهة وبين حمايتها لأكثر الأنْظمة الديكتاتورية القمعية الملكية في السعوديّة ودول الخليج، يبقى هناك مقياسٌ وحيدٌ للشرعية والديمقراطية من المنظور الأمريكي قائم على تقديم الخدمات والخضوع للهيمنة الأمريكية وتأييد الاحتلال الصهيوني؛ ولذلك لا عجبَ أن يرى البيتُ الأبيضُ أن هناك ديمقراطيةً سعوديةً وديكتاتوريةً في فنزويلا!.