الخبر وما وراء الخبر

 دروس من هدي القرآن الكريم

91

معرفة الله-وعده ووعيده-
الدرس الخامس عشر
( 2 )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي بتاريخ: 8/2/2002م اليمن – صعدة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
يقول الله سبحانه وتعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}(الحج:19) ألم يتحدث أيضا عن الترويشة في جهنم؟ شراب جهنم ثم أيضا يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يكونون نظيفين من كل شيء فوق أجسامهم، لكنها ترويشة خطيرة جداً ليس معها [شامبو] ولا معها صابون [لكس] ولا أي شيء من أدوات التجميل. ثوب المجرم فيها كما قال الله في آية أخرى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} (إبراهيم:50) وهنا يصب من فوق رأس المجرم الحميم {يُصْهَرُ بِهِ}(الحج: من الآية20) يذاب {مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}(الحج: من الآية20) إذا واحد منا متروش بماء ساخن وغلِط يبقي في [المغراف] قليل ساخن وصبه فوق ظهره كيف يكون ألمه؟ يقوم من مكانه من حرارة بسيطة.. أما هذه ترويشة خطيرة: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} إذا أنت في الدنيا هنا تغتسل بالماء الساخن يتحمله جسمك من أجل أن تزيل الوسخ عن جسمك، أما تلك الترويشة في جهنم، فإنها تذيب الجلد كله، تذيب الجلد كله، {يُصْهَرُ بِه} يذاب به {مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}(الحج:22). ثيابهم من نار [تفصيل] قطعت لهم ثياب تفصيل، هنا ثياب التفصيل بثلاثة ألف ونحوها [نجوم] هناك ليس الثوب من نوع [نجوم] بل نار. كأنه يقول للشباب، طبعا الشباب يكونون حريصين جدا على ثياب التفصيل من أجل أن يبدو جميلا أمام الآخرين، يعرض عن ذكر الله، وهو يعرض عن مجالس الإرشاد، عن مجالس الهداية، يعرض عن كتاب الله، يعيش في أجواء من العشق، والحب، واتباع الشهوات، فهو من يبحث عن ثياب تفصيل ليبدو شكله جميلا، فيعرف أنه قد يكون من أولئك الذين تفصل لهم ثياب في جهنم {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} ما هذا يعني تفصيل؟. في موضع آخر قال: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} لم ينس القرآن الكريم أن يتحدث حتى ثياب أهل النار، كل شيء ذكره.

هذه التفاصيل قارن بينها وبين أن تطلِّع على تقرير عن مختلف الأسلحة التي تمتلكها أمريكا مثلا، أو إسرائيل [صواريخ بعيدة المدى] [صواريخ تحمل رؤوسا نووية] قنابل [هيدروجينية] [قنابل ذرية] قنابل كذا، وأسلحة متعددة. أليست كلها من تفاصيل ما يمتلكون من وسائل التعذيب للآخرين؟. قارن بينها وبين التفاصيل التي عرضت في القرآن الكريم عن جهنم، ستجد أن هذه هي قد ما يتمناها أهل جهنم، يتمنون في جهنم أن يكون عذابهم من نوع ما تمتلكه أمريكا من أسلحة، وسيعتبرونه حينئذ تخفيفا عظيما، وسيشكرون الله، ويشكرون زبانية جهنم، أن قدموا لهم هذا العذاب الخفيف، اللطيف، البسيط, ويسلمون ذلك العذاب الشديد في جهنم. لا شك أن من هو في جهنم ويقال له سنعذبك بما كان لدى الأمريكيين في الدنيا لرآه هينا، لرآه هينا، وهو هذه الأشياء التي نخاف منها في الدنيا, تصنعه أمريكا، وتراه في التلفزيون عندما ينطلق الصاروخ هذا، أو ترى نماذجا من أسلحتهم، أو ترى عروضا عسكرية من عساكرهم هم أو أي دولة أخرى، فتخاف، أو يكلمونك عن فرق من الجنود تتدرب تدريبا خاصا [كمندوز] أو من يتدربون في معسكرات العمليات الخاصة.. أولئك ليسوا بشيء أمام خزنة جهنم، خزنة جهنم مدربون تدريبا عاليا على تعذيب الناس، ملائكة غلاظ شداد كما قال الله عنهم: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ}(التحريم: من الآية6) وبأيديهم مقامع من حديد تلتهب نارا، كلما حاولت أن تقترب من باب من أبواب جهنم يضربونك بها. هؤلاء هم من يجب أن تخاف منهم، لا أن تخاف من جنود العمليات الخاصة أو من جنود [الكمندوز] أو من أي جندي آخر، باستطاعتك أن تقتله, باستطاعتك أن تضربه كما يضربك، وليس بيده كتلك المقامع التي بيد زبانية جهنم. ألم تتعود الدول على أن تعرض أمام شعوبها فرق من الجنود، تدربوا تدريبا خاصا، ليرعبوا الناس بهم؟! ارجع إلى القرآن الكريم واستعرض الفرق الخاصة المدربة في جهنم. فمن الذي يجب أن تخاف منه زبانية جهنم، أم جنود العمليات الخاصة و [الكمندوز] وغيرها من الفرق الأخرى؟. يقول عن أهلها أيضا: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا}(الحج: من الآية22) قد تسجن في الدنيا في سجن ولا ترى أنك في كل ساعة تسعى إلى باب السجن لتحاول أن تخرج منه، قد تكون في زنزانة، أو في غرفة فتستقر فيها لكن هنا نار ملتهبة، نار شديدة، جسمك كله يلتهب ناراً وتشرب صديداً، وتشرب حميماً، فيقطع أمعاءك، يأتي الفرق داخل جهنم من زبانيتها يصبون فوق رأسك الحميم؛ لأنه هنا يقول: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}(الحج: من الآية19) أنت لا تحاول في جهنم أن تغرف من مائها الساخن وتصبه عليك لكن هناك من يمسكك ويصب الحميم من فوق رأسك [يُصبُّ, فعل مبني للمجهول] أي أن هناك طرفاً آخر هو يصب الحميم من فوق رأسك. هناك داخلها ملائكة غلاظ شداد، يمسكك ويصب من فوق رأسك الحميم,

ويشرِّبك الصديد رغما عنك {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ}(إبراهيم: من الآية17) في السجون هنا في الدنيا يقدمون لك طعاما ويقدمون لك شرابا، أجواء الزنزانة، أجواء السجن كلها باردة، بل قد ترى نفسك بحاجة إلى لحاف، وأنت لا تحاول في كل لحظة أن تتجه نحو باب السجن لتخرج منه. يتمنى الإنسان لو كانت جهنم مثل هذه السجون لرآها أهلها نعمة كبيرة أن تكون جهنم وإن كانوا خالدين فيها أبدا وهي من نوع سجون الدنيا، وفيها وسائل التعذيب التي في السجون هنا في الدنيا لكانت هينة, لكانت هينة.. هنا أهل جهنم يسعى كل واحد منهم يتجه نحو بابها، يريد أن يخرج، هذا نفسه عذاب, يحاول حتى يصل نحو الباب فيجد أبوابا موصدة {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} (البلد:20) مغلقة محكمة الإغلاق {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (الهمزة:9) من ورائها عمد: أعمدة من الحديد، من الجانب هذا إلى الجانب هذا، لا يستطيع أبدا أن يحركها، لا يستطيع أهلها أبدا أن يفتحوها، وهناك بجانب الأبواب من زبانيتها الغلاظ الشداد من يضربونهم بمقامع من حديد. أليس هذا هو تعذيب رهيب؟ حالة من الغم الشديد؟ وهل هو شهر؟ هل هو سنة؟ لنقول لأنفسنا نحن عندما نفكر في أي عمل فتظهر أمام أذهاننا قائمة من السجون، لقد ترى أطول عقوبة أن تسجن عشرين سنة في سجن عادي، أما جهنم فليست سنة ولا سنتين، ولا مائة سنة، ولا ألف سنة، ولا مليار سنة، مليارات السنين لا تنتهي وهذا هو الشيء الذي يرعب الإنسان، والذي يجب أن نخاف منه جميعا: الخلود في جهنم. قالوا أنه لو قيل لأهل جهنم أنكم ستبقون فيها وفي الأرض ما بين السماوات والأرض مليء بحبات الخردل، وفي كل سنة يأتي طائر يأخذ حبة واحدة منها – حبات الخردل حبات صغيرة قد تكون كحبات الدخن أو أصغر – وما بين السماوات والأرض ممتلئ حبات خردل، ويقال لهم ستبقون حتى تنتهي هذه الحبات الخردل لفرحوا, لفرحوا.

وتصور أنت كم سيتسع مثل هذا المجلس من حبات الخردل؟ كم مليارات! تصور أنت كم يتسع هذا الفضاء ما بين السماوات والأرض من حبات الخردل، وفي كل سنة فقط في كل سنة يأخذ طائر حبة واحدة، لفرحوا؛ لأنهم حينئذ سيعلمون أن هناك نهاية، أن هناك نهاية لهذا العذاب وليكن مليارات، مليارات السنيين. أليس هذا الشيء مزعجا شيء مرعب جدا؟ إذا قيل للواحد منا: أنت ستسجن ثلاث سنين، قد يخرج من دين الله ويكفر بالإسلام خوفا من أن يسجن ثلاث سنين، وقد يتخلف عن أي عمل هو مما ينجِّيه من جهنم خوفا من أن يسجن سنة واحدة، أما جهنم فالخلود فيها في حد ذاته هو الشيء الذي يجب أن يزعج كل إنسان مسلم. وتكرر الحديث عن الخلود فيها: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}(النساء: من الآية169) {خَالِدِينَ فِيهَا} تكرر كثيراً. والخلود في جهنم، الزيدية هم الطائفة – أعتقد – الوحيدة الذين يؤمنون بما نص عليه القرآن الكريم من خلود أهل النار في النار, أما الآخرون فهم من حاولوا – لأن القضية مزعجة جداً – من حاولوا أن يبحثوا عن أي مخلص، عن أي مخرج من الخلود في جهنم ليطمئنوا أنفسهم نوعا ما. فإذا كان الزيدية هم أصحاب هذه العقيدة المنسجمة مع القرآن الكريم، مع تصريحات آيات القرآن الكريم بالخلود في جهنم، وهم من يجادلون الآخرين. ألسنا نحن من نجادل الآخرين، نقول: أبداً, لا, ليس هناك شفاعة للمجرمين، أبداً ليس هناك أحد سيخرج من جهنم. ألسنا من نجادل الآخرين؟ ولكننا لو رأينا أنفسنا وواقعنا لرأينا أنفسنا أحوج الناس إلى جزء من هذه العقيدة لو كانت صحيحة، ولوجدنا أنفسنا نحن من يجب أن نخاف، ومن نكون أكثر الطوائف الإسلامية جهادا في سبيل الله خوفا من جهنم، وعملا على إعلاء كلمة الله، ووقوفا في وجوه أعداء الله. لأننا من نقول لأنفسنا ونعتقد – وهي العقيدة الصحيحة – أن جهنم لا أحد يخرج منها، وأن المجرم لا يمكن أن يشفع له الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله). فما بالنا نحن نرى أنفسنا أقل الطوائف اهتماما؟! أضعف الطوائف أثراً؟! أبعد الطوائف عن أي عمل فيه لله رضا؟. الآخرون نراهم يجاهدون، الإخوة الشيعة من الإثني عشرية، يقاتلون, يجاهدون، ويفجرون أنفسهم في عمليات استشهادية، وهم من في عقائدهم هم قضية الشفاعة, هم مَن ضمن عقائدهم، أو عند الكثير منهم القول بالشفاعة للمجرمين، ليست عقيدتهم كعقيدتنا. إذاً فما بالهم هم يجاهدون، يقاتلون، يضحون، يستبسلون، ونحن من كأن معنا من الله عهد، كما قال لليهود عندما قالوا: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْأَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ}(البقرة: من الآية80)، هل عندكم عهد؟ هل عندكم ضمانة أن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة؟ {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية80). بل أنتم تقولون على الله قولاً افتراء عليه. {بَلَىَ} يؤكد من جديد أن هذه العقيدة باطلة {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة:81). هل نحن الزيدية لدينا عهد من الله؟ فما بالنا، كلنا، علماؤنا، عبادنا، وجهاؤنا، أفرادنا، طلابنا. كلنا قاعدون وكلنا نرى أنفسنا أنه لا أثر لنا في هذه الحياة، وليس لنا عمل في مجال نصر دين الله، في مجال إعلاء كلمته، في إصلاح عباده، في محاربة المفسدين في أرضه. هل هناك عمل يذكر؟ كأننا نمتلك عقيدة أنه لا موت، ولا بعث, ولا حساب, ولا جنة ولا نار {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ}(الفرقان: من الآية11) الساعة القيامة البعث {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً}(الفرقان: من الآية11) نارا تستعر تتلهب، تتوقد، {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}(الفرقان: من الآية12) تبدو هي مشتاقة لأعداء الله, تلتهمهم. {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} هل لجهنم أعين ترى بها أولئك، أم أنه تصوير؟ أنها لما كانت هي محط غضب الله فإنها هي من تتلهف شوقا إلى أن تلتهم أعداء الله فكأنها هي التي تبحث عنهم {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} (الفرقان:12)، تستعر، تلتهب لشدة تغيظها وغيظها على أعداء الله. {تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} صوت هو صوت المتغيظ الذي يمتلئ غيظا على الطرف الآخر، وزفيرا، الزفير: هو صوت الإنسان عندما يخرج الهواء من فمه قويا، والشهيق هو عودة النفس بقوة إلى الداخل. {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ}(الفرقان: من الآية13) مصفدين بالقيود، هناك العذاب, هناك الحسرات {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً}(الفرقان: من الآية13) واثبوراه، واهلاكاه, معناه دعوا بالهلاك. يرون أنفسهم في أماكن مضيقة من جهنم وهم مقيدون تتحول قيودهم إلى نار، وأجسادهم إلى نار، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ومن فوقهم، ومن تحتهم طبقات من النار، يدعون هنالك بالثبور [واثبوراه] معناها: واهلاكاه. يعني: ما أسوأ ما نحن فيه. نعوذ بالله. ويقول أيضا سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَل} (فاطر: من الآية37). يصطرخون صراخا شديدا، صراخ الألم، صراخ الحسرة {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَل} ماذا يقال لهم؟ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}(فاطر: من الآية37) العمر الذي يكفي أن يتذكر فيه منكم من أراد أن يتذكر فيعمل فيه الأعمال الصالحة التي أنتم الآن تطلبونها، هناك في الدنيا عمرتم طويلا أعمارا طويلة وهي أعمار كانت كافية، تكفي من كان منكم يريد أن يتذكر فيعرف أن الأعمال الصالحة هي الوسيلة لنجاته من جهنم فينطلق فيها. من يتذكر فيما قدم إليه من تذكير الله من القرآن الكريم والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}(فاطر: من الآية37) جاءكم من ينذركم في الدنيا {فَذُوقُوا}(فاطر: من الآية37) لا خروج، ولا تخفيف، ولا رحمة، {فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}(فاطر: من الآية37) لن تجدوا هناك من ينصركم. نار جهنم {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} فيكون الموت راحة، الموت الذي يخاف الناس منه هنا في الدنيا فيقعد، لا يقول كلمة الحق خوفا من الموت، لا يقف موقف الحق خوفا من أن يموت, مع أنها احتمالات كم في التاريخ من شواهد لأبطال قاتلوا واستبسلوا، وتعرضوا للموت، وخاضوا غمار الموت، ولم ينلهم شيء..

ماتوا على فراشهم، وهم من كانوا يريدون أن يموتوا في ميادين القتال, أي أن الموت هنا محتمل، في المواقف، في ميادين الجهاد هو ما يزال احتمالا فقط. من هو ذلك الذي يقطع بأنه سيموت حتماً إذا ما قال كلمة حق, أن هناك من سيميته لا شك، أن هناك من سيميته لا شك إذا وقف موقفا صحيحاً، من هو ذلك من الناس الذي يمكن أن يقطع بهذا؟ وعلى الرغم من ذلك من أنها مجرد احتمالات نخاف، نقعد، ونتواصى بالخنوع, ونتواصى بالذل بدلاً من التواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه. هناك في جهنم – هذا الموت الذي يخاف الناس منه في الدنيا فيصل بهم الخوف منه إلى دركات جهنم وإلى هذا العذاب الشديد – سيصبح نعمة كبرى يتمنونها لو كان بالإمكان أن يحصلوا عليها. {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً}(النبأ: من الآية40) يتمنى أهل جهنم أنيموتوا, يتمنون أن يموتوا, وحينئذ سيرون الموت ولو كانت سكراته شديدة, ومزعجة، أقسى أنواع الموت لديهم لرأوها نعمة، لرأوها نعمة كبيرة؛ لأنهم سيصلون إلى حالة لا يحسون معها بألم ذلك العذاب الشديد جهنم، فهم لا يقضى عليهم فيموتوا، فيكون الموت راحة لهم، لو كان يمكن أن يموتوا, ولا يخفف عنهم من عذابها, لا يخفف لحظة واحدة, لا يخفف يوما واحداً. {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ}(غافر: من الآية49) يقول أهل النار لمالك خازن جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً} يوما واحدا من العذاب، ولا يوم واحد، يوم واحد في مليار سنة على الأقل.. لا يقبل ولا يوم واحد. أليس هذا هو ما يخيف الإنسان؟ أليس كل شيء في هذه الدنيا مما يخوفنا به الآخرون يبدو هينا, ويبدو نعمة عند أهل النار، لو كان بالإمكان أن يكون عذابهم كمثله؟ {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}(فاطر: من الآية36) لأن الله لا يظلم أحدا؛ لأنهم هم من كانوا في الدنيا كافرين بنعم الله، كافرين بآيات الله، صادين عن سبيله، غير مستجيبين له، هكذا يكون جزاؤنا لكل كفور. نحن هنا نسمع في هـذه الآيات {وَالَّذِينَ كَفَرُوا}(فاطر: من الآية36) وكأنه فقط أولئك الكافرون أما نحن من قد أسلمنا – ولو انطلقنا في أعمال كأعمال الكافرين – فإننا بعيدون عن هذا التهديد, وعن هذا الوعيد. هل هذا صحيح أم لا؟ ليس صحيحا أنه فقط من يحملون اسم كافر هم وحدهم من سيعذبون؛ لأن الكافر لا يعذب على اسمه, لأن اسمه كافر! يعذب على أعماله أعمال يعملها: إعراض عن دين الله، صد عن سبيل الله، عمل في سبيل الطاغوت. أو لم يكن في المسلمين من كانت أعمالهم أسوأ من أعمال أولئك الكافرين؟ بلى هناك في المسلمين من يظلم، في المسلمين من يصد عن سبيل الله، في المسلمين من يقتل القائمين بالقسط من عباد الله. فهل أن الله سبحانه وتعالى إنما يعذب أولئك على أعمالهم لأن اسمهم كافرين؟!. أما أنت متى حملت اسم إسلام فلن تعذب؟ سيصبح الحال حينئذ يصبح الإسلام عبارة عن رخصة للمجرمين، أنت تريد أن تحصل على ترخيص لترتكب كل الجرائم ثم لا تعذب؟ إذاً قل: [لا إله إلا الله محمد رسول الله]. يصبح الإسلام هكذا, ويصبح الكافرون كل واحد منهم أحمق. أنت لم تسلم لأنك لا تريد أن تبتعد عن هذه الأعمال التي أنت عليها. أسلم إذاً وبإمكانك أن تستمر عليها، ثم عندما تقدم في يوم القيامة سيشفع لك محمد، وتدخل الجنة!.

يصبح الإسلام حينئذ وسيلة أمن للمجرمين، وبطاقة ترخيص للمجرمين. فبدلا من أن تكون مجرما، تتهدد بهذا التهديد الشديد، ويواجهك المسلمون بالاحتقار، ويواجهونك بسيوفهم في الدنيا، كن مجرما محترما، اسلم لتكن مجرما محترما. أليس هذا هو إسلام من يقولون بأن الشفاعة لأهل الكبائر؟! الإنسان هو الإنسان، رغباته، شهواته، مطامعه، هو هو، سواء كان يهودياً، أو نصرانياً، أو وثنياً كافراً، أو مسلماً. أنظر إلى واقع الناس في هذه الدنيا الآن، في هذا الزمان، أليس البشر فيها من طوائف كثيرة؟ اليهودي والنصراني، والوثني، والمسلم، والمسلمون باختلاف طوائفهم؟ انظر إلى واقعهم كناس رغباتهم واحدة، شهواتهم واحدة, مطامعهم واحدة, الإنسان هو الإنسان, الجرائم التي تنطلق منك وأنت كافر هي نفسها إذا ما سرت وراء شهواتك هي نفسها التي ستنطلق منك وأنت مسلم، تنطلق من اليهودي، والنصراني بشكل واحد سواء. إذاً فلماذا مجرمون يعذبون، ومجرمون لا يعذبون؛ لأنهم يحملون أسماء مختلفة! هل هناك بين الله وبين أحد قرابة؟ أو الله سبحانه وتعالى يداهن أحدا، أو يكيل بمكيالين، كما نقول عن أمريكا؟ الناس هنا يقولون عن أمريكا: أنها تكيل بمكيالين. إذا ما انطلق الإسرائيلي ليقتل الفلسطيني لا تلتفت إليه، ولا تدينه, وإذا ما اتجه الفلسطيني ليقاوم ويدافع عن نفسه المحتل لأرضه قالوا: إرهابي. قالوا: هذا كيل بمكيالين. لماذا لا تعاملهم سواء على الأقل؟ فتقول: هذا عنف، وهذا عنف، وهذا إرهاب، وهذا إرهاب.