الذكرى الثالثة لرحيل رفيق الدرب !!
صديقك المكلوم | الحسين أحمد السراجي.
ما يزال يوم الـ 24 من يناير هو اليوم المشئوم الذي فُجعت فيه بموت الصديق الحبيب والأخ القريب من قلبي محفوراً في الذاكرة !!
لم أكن أتوقع فَقْدَه بتلك الطريقة المؤلمة رغم تسليمي وإيماني بقضاء الله الذي يأتي بغتة !! (( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ )) .
إستغرقت وقتاً ليس بالقصير لأستوعب الرحيل – كان الوقت يومها فجراً – ثم استغرقت وقتاً لأستوعب أن رفيق الدرب أمامي يتم غسله وتكفينه أمام عينيَّ وفي منزلي وأن نظراتي إلى الجسد الطاهر المُسجَّى وهو يستقبل الطِيب هي نظرات الوداع الأخيرة لرفيق الدرب السعيد في الدنيا والآخرة إبراهيم بن يحيى زيد الحوثي!! ها هو الموت قد واراه عني إلى يوم يبعثون !!
ما ينفع البكاء !! لست الخاسر الوحيد فإبراهيم خسره الكثير وما أنا إلا أحدهم لكنني ربما الأفجع والأوجع من الجميع !!
ودَّعته وداع المحب , وداع مكسور الجناح الذي لا خيار له وفي جامع الصيَّاح وبحضور كبير ملأ الجامع صليت عليه ودعوت له وتبعت جنازته !!
تعلَّقت عيناي بجثمانه المسجَّى بلا حراك !! كنت أرمق النعش وأُحدِّث نفسي : لا إله إلا الله فهذا إبراهيم الذي كان يملأ الدنيا حركة ونشاطاً وحديثاً وحباً ونقاشاً وأثراً وبسمات ومزاحات ومنافع وخدمات !! (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا )) .
غَبِطْتُهُ في جنازته التي علتها السكينة وخيمت عليها الطمأنينة ، وملأها المحبون ، ورُفعت فيها أكف الضراعة المخلصة مختلطة بالدموع النقية المحبة لهذا الراحل الذي فجع القلوب .
إبراهيم لم يكن شخصاً عادياً كبقية الأشخاص والأصدقاء والمعارف !! إنه من طراز آخر وطينة أخرى , قلب نقي ومصفوفة خلق ومنافع للناس , لطالما أوصاني بالخير ودفعني نحوه ، ورغَّبني في العفو والصفح والتسامح والحمل على السلامة .
كثيراً ما تبادلنا الاستغراب والتعجب من سرعة دورة الزمان ، وكيف أن الشيب قد غزا رأسينا !! وأن العمر يمضي بسرعة عجيبة !!
صديقي الصالح أكرمه الله بخاتمة طيبة فأثناء سفره لزيارة والديه صباح يوم الـ 14 من يناير تعرض للحادث الأليم فلحق بالرفيق الأعلى .
عشرة أيام قضاها في العناية المركزة تصارعت خلالها مع الموت وكأني دخلت رهاناً مع القدر فغادر إبراهيم الحياة وخسرت الرهان الذي أسميته ( رهان الفتنة ) وعدَّيناه بفضل الله ولطفه .
حين واريناه الثرى كنت أحدث نفسي :
الموت لا يخيفني في ذاته فكلنا راحلون ولا مناص من ذلك !! إنما نحن جميعاً في مهلة قريبة يعلم الله متى تنقضي ؟! (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ))
شيك الرضا :
ما أزال أذكر موقفاً يترك حقيقة الحبيب الراحل لمن لا يعرفه أو كانت معرفته به سطحية.
ذات يوم وأثناء مجابرة مقيل ومزاح قال إبراهيم كلاماً مازحاً بقلب نقي كما هي عادته ففهمه أحد الإخوان فهماً خاطئاً معكوساً فحاول إبراهيم الشرح للأخ المتألم فلم يفهم وبقي مصمماً على أن إبراهيم قصده بالكلام حتى استثارنا جميعاً ضده ووقفنا مع إبراهيم .
مكثنا إلى الليل , كان إبراهيم متألماً من موقف الصديق الزاعل فطلب زيارته إلى بيته للسماح والإعتذار .
توجهنا وحين طرقنا الباب فتح وما يزال متألماً فدخلنا وبدأ سيناريو اعتذار الحبيب فلم يفلح فقال للرجل :
سامحني وشل لك شيك مفتوح تسبني وتلعني وتغتابني إلى ما تموت !!
ضحك الرجل وسامحه وكانت عبارة ( شيك ) مضحكة ومفحمة وغادرنا بعد أن طابت نفسه.
لطافة إبراهيم ودعابته ومرحه جميعها نابعة من قلب صاف نظيف لا يحمل حقداً أو غِلاً على أحد ولا أعتقده حمل شيئاً من الحقد طوال حياته .
من مثلك يا إبراهيم ؟ لا يوجد أحد !! إذن فسلامٌ عليك يا رفيق دربي ورحمات الله تتغشاك يا رزح ظهري والرحمة لزوجتك التي رافقتك في رحلة الآخرة.