الذكرى السنوية للشهيد.. (أهميتها – دلالاتها – أهدافها– أبعادها)
بقلم / خالد موسى
الشهادة وسيلة وغاية
الشهادةُ في سبيل الله وسيلةٌ لتأديب الأشرار ومواجهة جبروتهم والحد من شرورهم وطردهم شر طردة حتى يولوا مدبرين، أمام ثبات وضربات المجاهدين وهي في ذات السياق غاية لنيل الفوز العظيم والنجاة من العذاب الأليم، وهذا ما يستفاد من هذا النص الدعائي للإمام زين العابدين حيث يقول:
فَإنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ وَقَضَيْتَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ..
فَبَعْدَ أَنْ يَجْتَاحَ عَدُوَّكَ بِالْقَتْلِ..
وَبَعْدَ أنْ يَجْهَدَ بِهِمُ الاسْرُ..
وَبَعْدَ أن تَأمَنَ أطرَافُ المُسْلِمِينَ..
وَبَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ عَدُوُّكَ مُدْبِرِينَ..
أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم خَلَفَ غَازِياً أَوْ مُرَابِطاً فِي دَارِهِ أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِيْهِ فِيْ غَيْبَتِهِ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَة مِنْ مَالِهِ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتَاد، أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَاد، أَوْ أَتْبَعَهُ فِي وَجْهِهِ دَعْوَةً، أَوْ رَعَى لَهُ مِنْ وَرَآئِهِ حُرْمَةً. فَأَجْرِ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ وَزْناً بِوَزْن وَمِثْلاً بِمِثْل وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ، وَسُرُورَ مَا أَتَى به، إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ الْوَقْتُ إلَى مَا أَجْرَيْتَ لَهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم أَهَمَّهُ أَمْرُ الاِسْلاَمِ وَأَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ ألشِّرْكِ عَلَيْهِمْ فَنَوَى غَزْواً أَوْ هَمَّ بِجهَاد فَقَعَدَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ أَبطَأَتْ بِهِ فَاقَةٌ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ حَادِثٌ، أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ إرَادَتِهِ مَانِعٌ، فَاكْتُبِ اسْمَهُ فِي الْعَابِدِينَ وَأوْجبْ لَهُ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ وَاجْعَلْهُ فِي نِظَامِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الرغبة والترغيب في الشهادة
لعِظَمِ مقام الجهاد في سبيل الله ولعلو منزلة الشهادة تمنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تكون حياته كلها جهاد ومصابرة ومرابطة مع الله وتاقت نفسه للقتل في سبيل الله ولفت النبي هذه الأمة إلى أمنية الشهيد نفسه وما يتمناه بعد دخوله الجنة حيث يتمنى أن الله يعيده إلى ميدان المواجهة مع الأعداء ليواجههم ويقاتلهم ليحظى بالمزيد من التكريم الإلهي وكل هذه المعاني لها شواهد من كلام الرسول ومن هذه الشواهد الأحاديث النبوية التالية: –
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ إلاّ الشَّهِيدُ فَإنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلُ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: والذي نفسي بيده لوددتُ أني أقتل في سبيل الله ثم أُحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل”.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ حَارِسٌ حَرَسَ فِي أَرْضِ خَوْفٍ، لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ».
الشهادة عند أهل البيت عليهم السلام
أما أهلُ البيت عليهم السلام فخطُّهم هو خط النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وثقافة الشهادة والاستشهاد هي الثقافة الحاضرة وعيهم وواقعهم؛ لأنهم قرناء القُــرْآن وعيبة علم النبي ولا يمكن أن يكونوا بعيدين عن هدي القُــرْآن وتعليماته التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الجهل إلى العلم، ومن الاستعباد إلى الحرية، ومن الذلة إلى العزة، والتاريخ خير شاهد على تلك التحولات التي صنعتها دماء العترة الطاهرة ودماء شيعتهم والموالين لهم، ولذا نجد الحضور الفاعل للشهادة والشُّهَـدَاء في حياتهم ومنهجيتهم وكل من ينتمي إليهم لا بد أن يحمل هذه المنهجية والروحية وأن يبني الأمة البناء التنويري والبناء الجهادي ولا بد أن يعزز في هذه الأمة وهذا الجيل روحية الجهاد وثقافة الاستشهاد ونظرا لأهميّة التذكير بأدبيات الشهادة عند العترة الطاهرة نذكر بعضاً من أقوال الآل الطاهرين لعلها تقرع أسماع الأقربين والأبعدين وتكون للجميع مصدر إلهام ومفتاح تعبئة والخروج من دائرة النفاق فمن لم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق وسنورد هنا بعض النصوص العظيمة التي يمكن أن تجعل البعض يغزوا ويتحَـرّك للجبهات لمواجهة الناكثين والقاسطين والمارقين والطغاة الظالمين وجحافل الشر والارتزاق أَو يفكر بالغزو وذلك بداية الإيْمَــان والوعي والرشد ومن هذه النصوص المهمة ما يلي: –
الإمام علي عليه السلام
لما أصاب اللعين بن ملجم الإمام علياً في رأسه، قال الإمام علي -عليه السلام-: فزت ورب الكعبة.
الإمام الحسين عليه السلام يقول سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين: (ألا ترون أن الحقَّ لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُنهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا شقاوة) وهو القائل:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى.. إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً
وواسى الرجال الصالحين بنفسه.. وفارق مثبوراً وجاهد مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم.. كفى بك داءاً أن تعيش وترغما
الإمام علي بن الحسين عليه السلام
قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين علي بن الحسين (ع) لابن زياد:
((أبا القتل تهددني بابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة، وكرامتنا عند الله الشهادة)).
ويقول الإمام زين العابدين في دعاء الثغور: أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَائِهِمُ الْعَدُوَّ ذِكْرَ دُنْيَاهُمُ الْخَدَّاعَةِ الْغَرُورِ، وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَلَوِّحْ مِنْهَا لإِبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ وَالْحُورِ الْحِسَانِ وَالاَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ بِأَنْوَاعِ الاَشْرِبَةِ، وَالاَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ بِصُنُوفِ الثَّمَرِ، حَتَّى لاَ يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالإدْبَارِ، وَلا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَار.
فَإنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ وَقَضَيْتَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَبَعْدَ أَنْ يَجْتَاحَ عَدُوَّكَ بِالْقَتْلِ وَبَعْدَ أنْ يَجْهَدَ بِهِمُ الاسْرُ وَبَعْدَ أن تَأمَنَ أطرَافُ المُسْلِمِينَ وَبَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ عَدُوُّكَ مُدْبِرِينَ.
-الإمام زيد عليه السلام
حين أصيب الإمام زيد بسهم غادر جلجل بصوته مرددا: الشهادة.. الشهادة، الحمد لله الذي رزقنيها.
-ولده الإمام يحيى بن زيد عليه السلام
قال الإمام يحيى بن زيد لأصحابه: فاقدموا (رحمكم الله) على عدوكم والحقوا بسلفكم، الجنة.. الجنة، اقدموا ولا تنكلوا، فإنه لا شرف أشرف من الشهادة، فإن أشرف الموت قتل في سبيل الله، فلتقر بالشهادة أعينكم، ولتنشرح للقاء الله صدوركم، ثم نهد إلى القوم فكان والله أرغب أصحابه في القتل في سبيل الله جل ثناؤه.
الإمام الحسين بن علي الفخي
يقول الإمام الحسين الفخِّي: أتظن أنِّي إنَّما خرجت في طلب الدنيا التي تعظمونها، أَو للرغبة فيما تعرضون عليَّ من أموال المسلمين؟! ليس ذلك كما تظن، إنَّما خرجتُ غضباً لله ونصرتا لدينه وطلباً للشهادة، وأن يجعل الله مقامي هذا حجة على الأمة.