الخبر وما وراء الخبر

 الصّمّاد بيننا

42

بقلم | أشواق مهدي دومان.

وحدهم العظماء من يستند إليهم المجد و يفاخر بهم التّاريخ سطورا من ذهب يردّدها في غير كلل أو مَلل.

ذلك الشّامخ النّبيل كطود يمانيّ لم تعهده المسؤولية (من قبل ) و هي التي افتقدته حين كان أوّل رئيس يماني يشعر بها ويعيشها كأنّها خفقة قلبه و نبض فؤاده ،
الصّمّاد من أحبّه شعبه بالإجماع وكأنّه عنوان قضيّة وملف عشق بكته الأرواح من كلّ حزب و طائفة و مذهب ، فلا زالت ذاكرتي موجوعة بنحيب شعبه عليه ، و لازالت دمعات كبار الرّجال بين عينيّ تجرح فؤادي الذي ما التفت يمنة أو يسرة إلّا و وجد الصّمّاد حبيب الشّعب.

فهناك رأيتُ تلك النّساء يصرخن باكيات (يوم استشهاده ) في مشهد مهيب وكيف لا يُحزِن فراق قرآنٍ مشى على الأرض ؟؟ !!
الصّمّاد بروحه القرآنيّة صدق فيه قول الشّاعر العربيّ :

أقسّم روحي في جسوم كثيرة
وأحسو قِراح الماء، و الماء بارد

مقولة شاعر جسّدت قيم الإيثار به قيم الشّهيد الرّئيس فهو من تفانى و بذل روحه و افتدى بها غيره حين أتاه تحذيرا بأنّ العدوان يتربّص به ليقتله بغاراته فما تزلزل في لحظة قد يضعف فيها شديد الإيمان ، لكنّه يؤثر شعبه على روحه فيفضّل أن تصيبه غارات العدوان مؤمنا ، متمنّيا لشهادة تغيظ العدوان ، وقد نالها ، حين اختار أن يُقتل وحده على أن تُقصف الصّواريخ موكبه في شدة زحام المسير ،
الصّمّاد من لم يترجّل بل كان مساره هو مسار رفيق و وصيّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) ليلة هجرة النّبي من مكّة إلى المدينة ، الذي نام في فراش رسول اللّه وهو على يقين بأن روحه كلقمة سائغة في فمّ الموت، ومع هذا لم ينثنِ ، ولم يتوانَ من أن يوهم المتحالفين لقتل رسول اللّه بين قبائل قريش بابتعاث أشجع فرسانهم و الاشتراك بضربة واحدة من جميعهم تفرّق دمه فيضيع القصاص ، وتنتهي قضيته ،،
هكذا رحل الصّمّاد في درب الكرّار عليّ بن أبي طالب.

مضى الصّمّاد و قد مرّ الموت الزؤوام في دربه حيثما وجّه وجهه فقد قاتل أيّام كانت مظلوميّة وحروب صعدة بقيادة و في عهد دولة بني الأحمر ، فما وضع سلاحه و قد شارك في غزوات تشبه غزوات أبي الحسنين في عهد النّبوّة ، والتي كانت ضدّالبغي و الظلم .
الصّمّاد ذلك الحيّ في الأرواح بجهاده و حضوره القويّ فلم يهجر ساحة معركة بل كان هو القائد القدوة يزور رجال اللّه في ساحاتهم ، وله صولة و جولة أرهقت صفحات السّياسة التي اعتادت رئيسا يقبع في دهاليز القصور بين النّعم و التّرف ، و يبني القصر تلو الآخر ليستشهد الصّمّاد ، وهو لا يمتلك بيتا يسكن فيه بنوه و أهله ، الذين اشتدّ بهم الحزن فما هي إلّا فترة من زمن و يلحقه والده بحزن يعقوب على يوسف متأثرا بوجعه عليه ، فكأنّ والده لم يرِحه سوى أن يشتمّ رائحة ولده في ذلك العالم الآخر .

الصّمّاد : بحروف من ذهب كتب حكاية صمود شعب وترجّل غازيا وهو الفارس الذي ما نسيته ساحة معركة، ومن المعارك معركة الكلمة حين كان يلقي خطاباته مرتجلا إيّاها فصيحا بليغا مبينا بيان ثقافة القرآن التي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لامن خلفه ، فهو المحتضن بين حنايا فؤاده قضية أمتّه والتي زار بها رجاله في كلّ موقع وعرين ، كما أنّه لم يهمل شقائقهم بل سجّل حضورا و أنار زائرا شقائق الرّجال مقدّما توجيهاته دون أوامر تُتلى عليهن وهنّ الحرائر بانيات وحاضنات النّصر بحضانتهن للمجتمع كمّا عبّر هو عن ذلك فقد عرّف النّساء بتعريف القرآن دون تهميش الغرب المختزل للمرأة سوى من سلعة رخيصة و أداة تستغل لتبديل ومسخ القيم و نشر الفوضى و تعميم الرّذيلة.

حيث إنّه جعل منها جوهرة مصانة ولكنّه لم يجمّدها كقطعة أثاث تّحرم أبسط الحقوق ، ويُستخف بها كما تفعل دول الخليج ورمزها دولة بني سعود بالمرأة حين قامت الدّنيا و لم تقعد فقد رغبت امرأة في أن تقود سيّارة ؛ فحرّموا عليها ذلك (آنذاك ) ، وتطرّفوا فيما بين التّزمت و الانفلات في حين أشار الشّهيد الرّئيس للمرأة بأنّها الحرّة، مستقلة العقل، المرأة في نظر الصّمّاد هي أيقونة الحكمة التي سجّل لها القرآن حكمتها و عدلها في حكمها في غير إقصاء لها و لا استخفاف لتستمر ذلك الرّافد للنّصر والوعي والأنموذج الأنصع و الأرقى على مستوى تاريخ البشريّة؛ فبنت اليمن هي ذلك المكوّن الخطير في رفد الرّجل السّوي بالدّعم و محاولة تقويم المنحرف.

و قد ضرب شهيدنا الرّئيس ( الصّمّاد ) أمثلة لأنموذجات المرأة اليمانيّة من القرآن بنساء منهن سيّدات نساء العالمين مَن حاربن الطّغيان في مربضه ؛ فتلك آسيا (زوج فرعون ) تربّي و تتّخذ من نبي اللّه (موسى) ، وكليمه ولدا فتمنع قانونا فرعونيّا متألّها يذبّح الرّجال في باكورة ولادتهم و يستحيي النّساء ، فتكمل تلك الزّوجة دور أخت موسى التي كانت أوّل وسيط ينتصر على فرعون في مراقبتها لأخيها موسى الذي رمته أمّه في البحر مستجيبة لأمر اللّه مصدّقة لوعده بأنّه سيعيده إليها و لكنّه (سبحانه وتعالى) كسر قرن شيطنة فرعون بها و بأخته

وبزوج فرعون، فكانت تلك النّساء اللاتي يخاف أنموذجهن العدوان السعو أمريكي الظّالم على اليمن؛ فهو يرهب من تلك التي تقدّم ولدها وزوجها و أخاها وابنها رجلا مقاتلا يهزم تحالفهم وجيوشهم بثباته المرتوي من ثباتها وصبرها، وهي الباذلة لمن يعولها فتتحمّل قسوة الحياة بدلا عنه ، وهي الأمّ ، والمربيّة ، والأستاذة المحاورة ، والإعلامية، وبنت الحكومة التي تشترك في صنع القرار ، ولحضورها القوي يريد العدوان تغييبها وقتل روح مريم بنت عمران وآسيا زوج فرعون وأخت و أمّ موسى وبلقيس اليمن فيها ، و يستبدلها (بزليخة) ، وبفتنة الأنثى ومحاولتها إخراج الرّجل إلى مربع الغواية كما فعلت (زليخا) التي أودعت بكيدها (يوسف الصّدّيق ) سجنا مظلما عدد سنين .

كلّ ذلك بثّه الشّهيد الرّئيس الصّمّاد في إحدى زياراته لحفيدات أروى وبلقيس ،، وبتلك الرّوحية والمثاليّة تعامل مع شعبه رجالا و نساء، فباللّه عليكم :
أيُنسى رئيس ٌ كالصّمّاد ؟ ؟

الجواب: لا و ربّ الكعبة ، لن ننساك يا رئيسنا ، ولنحيينك حياة طيّبة في أرواحنا، ماضين على خطاك وفي دربك ، و فيه وعليه فليتنافس المتنافسون ، والسّلام .