الخبر وما وراء الخبر

الشّهادة و النّقطة الخاتمة !

50

ذمار نيوز | مقالات |11جماد اول 1440 هـ الموافق 17يناير 2019

بقلم | أشواق مهدي دومان

عجبي حين أرى صورة شهيد، ولكن لعلّه الشّعور بالتقصير في حمل المسؤولية ، أو لعلّه الإحساس بالذّنب و بالخجل تجاه من أرخصوا أرواحهم و هي غالية عليهم و على ذويهم .

عجبي حين تنسكب دمعات من عمق الرّوح و كأنّ هناك امرأة بين الأهداب تشرف و تقف بدلوها على مجرى نبع فبمجرد أن ترى صورة شهيد حتّى تسارع تلك المرأة السّاقية بصبّ ما احتواه دلوها على يبس وجفاف قسوة الرّوح الظّامئة ، و مع الأيام لا تجد نفسها إلا و هي وسط بستان أخضر معشوشب و به من كلّ شكل ولون وعبق الوردات ، وكأنّ تلك الوردات رسائل تصل لأولئك الشّهداء كتهنئة لهم و بالّلون والشّكل والاسم المحبّب لكلّ منهم.

ومع الأيام يتسع البستان ويمتلأ ورده و هنا تحديد و تخصيص الورد بل تمييزه عن الزّهر؛ فالورد أخّاذ شكلا و عبقا ، بينما بعض الزّهر له شكل أخّاذ و لكن عبقه غير محبّب ، ومع مسك الشّهداء عبق الورد جنيّا يكلّل تلك الجنّة الورديّة في عالم أسطوري ، فقد اتسعت تلك الجنّة ليبنى فيها قصر لكلّ شهيد و حياة مترفة وارفة منعّمة يفرح بها هذا الشّوارفة ويستبشر بمن لم يلحقه و ينتظر لمن بعده .

نعم : أحتار لمفهوم الشّهداء و وحي الشّهداء و حياة الشّهداء ، و أعجز (وأنا من معشر الأموات ) عن إحصاء وحصر وتصوّر عالمهم الحيّ ، كما أعجز عن وصفهم بحديث ميت لميت ، و قد بحّ صوتي في مساءلة هذه الرّوح الصّامتة عن عالمهم ، و تاهت أمنياتي أن ترويني بتحقيقها ، ولكنّي هنا لن أبرح أعيد طرق باب اللّه الذي لن يخيّبني بأن يفتح لي منزلا كضيوفه الذين يرزقون عنده ، ولن أملّ من دعواتي للخالق المتعال بأن يمنحني ما منح أحباءه الشّهداء ؛ فترى روحي ذلك العالم واقعا مطمئنا و حياة أبدية قرب وفي ضيافة اللّه ، حياة تمحى فيها تساؤلات زادت فيها علامات الاستفهام و التّعجب لكنّها لم تصل للنّقطة إلّا بالشّهادة ؛ فالنّقطة وحدها علامة تمام الكلام ، وخاتمته ،فهل سأصل إلى تلك النّقطة الخاتمة ؟!