الخبر وما وراء الخبر

ثقافة الخلود

50

بقلم | أمل المطهر

ها أنا وكـعادتي أقفُ كل صباح متسمرةً على جانب الخط الأسفلتي!..

مُترقبةً قدومَ ذلك الموكب المهيب الذي ترافقُه العظمةُ وهيلمانُ من السمو وَالرفعة.

لم يطل انتظاري فما هي إلا لحظات حتى أطل الموكب وبدأت أصواتُ الأهازيج وصرخات البراءة تقتربُ شيئاً فشيئاً.

ها هو موكب النصر اليومي الذي أصبحنا نراه كل يوم يخترقُ شوارعنا، موكب يحمل عظيماً تلو عظيم ليزفَّ جسده بعد أن زفت روحَه إلى العُلى..

موكبٌ تتخلله العزة والفخر وتكتسيه حُلة البَهاء الرّباني..

ما أن يمرُ هذا الموكب حتى تلتويَ الأعناقُ وتقف الحركة وتتطاول النظرات؛ كي تلمحَ صاحب ذلك الموكب وتأخذ منه لمحة عابرة أَو تسمع جزء من حكايا جهاده وبطولاته حيث ارتقى وفاز..

من أين أتى هؤلاء وما سر هذه العظمة والشموخ الذي يحتويهم؟!

من أين أتوا بكل ذلك العنفوان والإباء الذي يرافقهم وينشرونه أينما حلوا؟!

ما الذي صنع منهم رجال يقهرون المستحيلات يصنعون المعجزات؟!

ما الذي رَبّى تلك النفوس وصَقلها وطهرها تطهيراً حتى حلقت في رحاب الملكوت؟!!!

من هنا تبدأ الحكاية التي ستجيب عن جميع التساؤلات العالقة بين الذهن والواقع المُعاش.

بدأت الحكاية من هنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ)

ومن هنا انطلق المؤمنون ملبين نداءَ خالقهم تاجروا مع الله تجارةً لا كسادَ فيها.

كانت تلك المنهجية التي ساروا عليها منهجية كل الأحرار منذُ خلق الإنسان وإلى قيام الساعة وهي رفض الذل والامتهان والعيش بكرامة وعزة كما خلقهم الله تعالى.

تَشربوا ثقافة سامية أبية أسَاسُها ترك العبودية لما دُون الخَالق والمُضي في هذه الحياة بـنُوره وهُداه ووِفق منهجيته الحقة.

رأوا الموتَ كأساً لا بد من شربه فوجدوا له الدواءَ والترياقَ الذي أرشدتم إليه ثقافة الخلود وأوصلهم إلى النجاة والفوز العظيم.

ساروا في طريقهم لا يطلبون الموت وإنما ينشدون الحياة الكريمة لهم ولأبناء وطنهم ففازوا بالحياة الأبدية.

ما قبلوا أن يبيعوا نفوسَهم لغير خالقها فكان بيعهم ربحاً وفوزاً عظيماً..

شخصياتهم لا تهتز ولا تميل مع العواصف مبنيةٌ على التحدي والثبات مصنوعة من الإخلاص معجونة بالثقة المطلقة بالله مرسُومة بالقوة والبأس الشديد.

خطواتهم نورٌ وضرباتهم نارٌ، أنفاسهم تسابيح وسكناتهم عزم وتصميم نظراتهم نصر وتمكين..

أعدوا للعدو ما استطاعوا فكان اللهُ لإعدادهم مُباركاً ومعيناً.

بفضل الله وبقدسية المنهجية أصبحوا قوافلَ تلو القوافل يذودون عن الدين والعرض واهبين الأرواح.

تلك القوافل من رجالنا العظماء لا تنضَبُ؛ لأن تلك الثقافة أنجبت في كل بيت، في أرض الإيمان مشروع شهيد ثقافة بنت نفسياتٍ مؤمنة قوية لا تخشى إلا الله ولا ترجو سواه..

نفوس مُلئت عِشقاً وحُباً لخالقها، فلا مجال لمخلوق ليكون دخيلاً أَو منافساً له في قلوبهم..

لذلك عجز عدونا وفشل وانتصرنا بهم وبتضحياتهم.

فكيف تهزم أُمة قاداتها ورئيسُها وأطباؤها وأسَاتذتها ومُهندسوها وإعلاميوها وكل فرد من أفرادها شهيد أَو مشروع قادم للشهادة هذا ما يرعب عدونا هذه هي الثقافة التي سننتصر بها..

إذن هي ثقافة الخلود ومشروع الخالدين..

فلا مجال أبداً عندنا للتراجع، فقد أصبحت تلك الثقافة مُنغرسةً في أعماقنا محفورة في قلوبنا، فشوارعُنا تزيّنها صورُ الشهداء وجدرانُ منازلنا مختلطةٌ بحكاياهم وبضمان انتصاراتهم مطبوعة في كل شبر في أرضنا ودماؤهم الطاهرة سقت جبالنا وصحارينا ولوّنت بحارنا فكيف لا ننتصر وهم أساس بنائنا!..

فهم مَن حرثوا الأرض ببنادقهم فأمطرت السماءُ ثباتاً وصموداً وأثمرت سلاماً ونصراً..

فكيف لا ننتصر وثقافتهم ممزوجة في هوائنا معجونة بترابنا!..

وها أنا إلى اللحظة أرقُبُ على جانب الطريق كي أرى موكبَ الخالدون والتقط تلك اللآلئ الساقطة من مكنونات نفوسهم..

أتأمل في تلك العظمة المارّة من أمامي وذلك البريق المترامي الأطراف وأحمدُ اللهَ أن هَدانا ووفّقنا لهذا الفضل والشرف العظيم بأن نرى آياته وَأولياءَه يكسرون الطغيان بثقافة الخالدين، ومنهجية الانتصار.